الصحابى الجليل أبى أيوب الانصارى

 

سيدنا وحبيبنا المصطفى المعصوم من هو قدوة للاقتدا اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .. رسـول الله قال (رحمك الله يا أبا أيوب رحمك الله يا أبا أيوب رحمك الله يا أبا أيوب) أجمعين.

 وهكذا، لم يكد يبصر جيش الاسلام يتحرك صوب القسطنطينية حتى ركب فرسه، وحمل سيفه، وراح يبحث عن استشهاد عظيم طالما حنّ اليه واشتاق..!! وفى هذه المعركة أصيب. وذهب قائد جيشه ليعوده، وكانت أنفاسه تسابق أشواقه الى لقاء الله.. فسأله القائد، وكان يزيد بن معاوية: ما حاجتك أبا أيوب؟ ترى، هل فينا من يستطيع أن يتصوّر أو يتخيّل ماذا كانت حاجة أبا أيوب..؟ كان الرسول يدخل المدينة مختتما بمدخله هذا رحلة هجرته الظافرة، ومستهلا أيامه المباركة فى دار الهجرة التى ادّخر لها القدر ما لم يدخره لمثلها فى دنيا الناس.. وسار الرسول وسط الجموع التى اضطرمت صفوفها وأفئدتها حماسة، ومحبة وشوقا... ممتطيا ظهر ناقته التى تزاحم الناس حول زمامها كل يريد أن يستضيف رسول الله .. وبلغ الموكب دور بنى سالم بن عوف، فاعترضوا طريق الناقة قائلين: يا رسول الله، ياحبيب الله أقم عندنا، فلدينا العدد والعدة والمنعة. ويجيبهم الرسول وقد قبضوا بأيديهم على زمام الناقة (خلوا سبيلها فانها مأمورة) يبلغ الموكب دور بنى بياضة، فحى بنى ساعدة، فحى بنى الحارث بن الخزرج، فحى عدى بن النجار. وكل بنى قبيل من هؤلاء يعترض سبيل الناقة، وملحين أن يسعدهم النبى بالنزول فى دورهم. والنبى يجيبهم وعلى شفتيه ابتسامة شاكرة (خلوا سبيلها فانها مأمورة) لقد ترك النبى للمقادير اختيار مكان نزوله حيث سيكون لهذا المنزل خطره وجلاله. ففوق أرضه سينهض المسجد الذى تنطلق منه الى الدنيا بأسرها كلمات الله ونوره. والى جواره ستقوم حجرة أو حجرات من طين وطوب. ليس بها من متاع الدنيا سوى كفاف، أو أطياف كفاف!! سيسكنها معلم، ورسول جاء لينفخ الحياة فى روحها الهامد. وليمنح كل شرفها وسلامها للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. للذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم. وللذين أخلصوا دينهم لله. للذين يصلحون فى الأرض ولا يفسدون. أجل كان الرسول ممعنا فى ترك هــــذا الاختيـار للقـدر الذى يقـود خطاه. من اجـل هـذا، ترك هو أيضا زمـام ناقته وأرســــــــله، فلا هو يثنى به عنقهـا ولا يستوقف خطاها. وتوجه الى الله بقلبه، وابتهل اليه بلسانه (اللهم خر لى، واختر لى).. وأمام دار بنى مالك بن النجار بركت الناقة. ثم نهضت وطوّفت بالمكان، ثم عادت الى مبركها الأول، وألأقت جرانها. واستقرت فى مكانها ونزل الرسول للدخول. وتبعه رسول الله يخف به اليمن والبركة. أتدرون من كان هذا السعيد الموعود الذى بركت الناقة أمام داره، وصار الرسول ضيفه، ووقف أهل المدينة جميعا يغبطونه على حظوظه الوافية؟ انه بطل حديثنا هذا. أبو أيوب الأنصارى خالد بن زيد، حفيد مالك بن النجار. لم يكن هذا أول لقاء لأبى أيوب مع رسول الله. فمن قبل، وحين خرج وفد المدينة لمبايعة الرسول فى مكة تلك البيعة المباركة المعروفة بـبيعة العقبة الثانية. كان أبو أيوب الأنصارى بين السبعين مؤمنا الذين شدّوا أيمانهم على يمين الرسول مبايعين، مناصرين. والآن رسول الله يشـــرف المدينة، ويتخذها عاصمة لدين الله، فان الحظوظ الوافية لأبى أيوب جعلت من داره أول دار يســـــــــــكنها المهاجر العظيم، والرسول الكريم. ولقد آثر الرسول أن ينزل فى دورها الأول. ولكن ما كاد أبو أيوب يصعد الى غرفته فى الدور العلوى حتى أخذته الرجفة، ولم يستطع أن يتصوّر نفسه قائما أو نائما، وفى مكان أعلى من المكان الذى يقوم فيه رسول الله وينام وراح يلح على النبى ويرجوه ان ينتقل الى طابق الدور الأعلى فاستجاب النبى لرجائه ولسوف يمكث النبى بها حتى يتمّ المسجد، وبناء حجرة له بجواره ومنذ بدأت قريش تتنمّر للاسلام وتشن اغاراتها على دار الهجرة بالمدينة، وتؤلب القبائل، وتجيش الجيوش لتطفئ نور الله منذ تلك البداية، واحترف أبو أيوب صناعة الجهاد فى سبيل الله ففى بدر، وأحد والخندق، وفى كل المشاهد والمغازى، كان البطل هناك بائعا نفسه وماله لله رب العالمين.

وبعد وفاة الرسول، لم يتخلف عن معركة كتب على المسلمين أن يخوضوها، مهما يكن بعد الشقة، وفداحة المشقة..! وكان شعاره الذى يردده دائما، فى ليله ونهاره.. فى جهره واسراره.. قول الله تعالى ﴿انفروا خفافا وثقالا، تخلف عن جيش جعل الخليفة أميره واحدا من شباب المسلمين، ولم يقتنع أبو أيوب بامارته. مرة واحدة لا غير مع هذا فان الندم على موقفه هذا ظل يزلزل نفسه، ويقول: ما علىّ من استعمل علىّ. ثم لم يفته بعد ذلك قتال كان حسبه أن يعيش جنديا فى جيش الاسلام، يقاتل تحت رايته، ويذود عن حرمته، ولما وقع الخلاف بين على ومعاوية، وقف مع الإمام على فى غير تردد، لأنه الامام الذى أعطى بيعة المسلمين. ولما استشهد وانتهت الخلافة لمعاوية وقف أبو أيوب بنفسه الزاهدة، الصامدة التقية لا يرجو من الدنيا سوى أن يظل له مكان فوق أرض الوغى، وبين صفوف المجاهدين وهكذا، لم يكد يبصر جيش الاسلام يتحرك صوب القسطنطينية حتى ركب فرسه، وحمل سيفه، وراح يبحث عن استشهاد عظيم طالما حنّ اليه واشتاق وفى هذه المعركة أصيب وذهب قائد جيشه ليعوده، وكانت أنفاسه تسابق أشواقه الى لقاء الله فسأله القائد، وكان يزيد بن معاوية: ما حاجتك أبا أيوب؟ ترى، هل فينا من يستطيع أن يتصوّر أو يتخيّل ماذا كانت حاجة أبا أيوب؟ كلا.. فقد كانت حاجته وهو يجود بروحه شيئا يعجز ويعيى كل تصوّر، وكل تخيّل لبنى الانسان لقد طلب من يزيد، اذا هو مات أن يحمل جثمانه فوق فرسه، ويمضى به الى أبعد مسافة ممكنة فى أرض العدو، وهنالك يدفنه، ثم يزحف بجيشه على طول هذا الطريق، حتى يسمع وقع حوافر خيل المسلمين فوق قبره، فيدرك آنئذ أنهم قد أدركوا ما يبتغون من نصر وفوز أتحسبون هذا شعرا؟ لا.. ولا هو بخيال، بل واقع، وحق شهدته الدنيا ذات يوم، ووقفت تحدق بعينيها، وبأذنيها، لا تكاد تصدق ما تسمع وترى ولقد أنجز يزيد وصيّة أبى أيوب. وفى قلب القسطنطينية، وهى اليوم اسطانبول، ثوى جثمان رجل عظيم، جدّ عظيم وحتى قبل أن يغمر الاسلام تلك البقاع، كان أهل القسطنطينية من الروم، ينظرون الى أبى أيوب فى قبره نظرتهم الى قدّيس وانك لتعجب اذ ترى جميع المؤرخين الذين يسجلون تلك الوقائع ويقولون: وكان الروم يتعاهدون قبره، ويزورونه. ويستسقون به اذا قحطوا، وعلى الرغم من المعارك التى انتظمت حياة أبى أيوب، والتى لم تكن تمهله ليضع سيفه ويستريح، على الرغم من ذلك، فان حياته كانت هادئة، نديّة كنسيم الفجر. ذلك انه سمع من الرسول حديثا فوعاه (واذا صليت فصل صلاة مودّع، ولا تكلمن الناس بكلام تعتذر منه، والزم اليأس مما فى أيدى الناس) وهكذا لم يخض فى لسانه فتنة ولم تهف نفسه الى مطمع وقضى حياته فى أشواق عابد، وعزوف مودّع، فلما جاء أجله، لم يكن له فى طول الدنيا وعرضها من حاجة سوى تلك الأمنية لتى تشبه حياته فى بطولتها وعظمتها "اذهبوا بجثمانى بعيدا بعيدا فى ارض الروم ثم ادفنونى هناك" كان يؤمن بالنصر، وكان يرى بنور بصيرته هذه البقاع، وقد أخذت مكانها بين واحات الاسلام، ودخلت مجال نوره وضيائه، ومن ثمّ أراد أن يكون مثواه الأخير هناك، فى عاصمة تلك البلاد، حيث ستكون المعركة الأخيرة الفاصلة، وحيث يستطيع تحت ثراه الطيّب، أن يتابع جيوش الاسلام فى زحفها، فيسمع خفق أعلامها، وصهيل خيلها، ووقع أقدامها، وصصلة سيوفها وانه اليوم لثاو هناك لا يسمع صلصلة السيوف، ولا صهيل الخيول، قد قضى الأمر، واستوت على الجودى من أمد بعيد، لكنه يسمع كل يوم من صبحه الى مسائه، روعة الأذان المنطلق من المآذن المشرّعة فى الأفق، أن: الله أكبر الله أكبر وتجيب روحه المغتبطة فى دار خلدها، وسنا مجدها: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله. لاشك القول فيهم راحة فأرغب إليهم. اللهم بجاه الحبيب المحبوب المصطفى المعصوم أجعل قولنا اجمعين دائما أبدا فى حب الصحابة وآل البيت الاكرمين ومشياخنا وسادتنا الاكرمين وأجعل دائما الرغبة فى حبهم أجمعين ولجميع أخواننا بجاه مولانا الشيخ اللهم أمين أمين أمين.

الزهراء ياسين

 

 

 

عمرو بن عبيد والخليفة المنصور

 

قال إسحاق بن المفضل الهاشمى: إنى لعلى باب الخليفه المنصور يوماً، وإلى جانبى عمارة بن حمزة، إذ طلع عمرو بن عبيد بن حمزة على حمار، فنزل عن حماره ثم دفع البساط برجله، ووجلس دونه، فالتفت إلى عمارة وقال: لاتزال بصرتكم ترمينا منها بأحمق، فما أتم كلامه حتى خرج الربيع الحاجب وهو يقول: أبو عثمان عمرو بن عبيد، قال فوا ألله ما دل على نفسه حتى أرشد إليه، فاتكأ يده ثم قال له: أجب أمير المؤمنين جعلت فداك. فمر متوكئ عليه، فالتفت إلى عمارة. فقلت له إن الرجل الذى استحمقته قد دخل وتركنا. فقال كثيراً ما يكون ذلك. فأطال البث ثم خرج الربيع وهو متوكئ عليه. والربيع يقول: ياغلام حمار أبى عثمان، فا برح حتى أتى بالحمار، فأقره على سرجه، وضم إليه نشر ثوبه واستودعه الله.

فأقبل عمارة على الربيع فقال: لقد فعلتم اليوم بهذا الرجل ما لو فعلتموه بولى عهدكم لقضيتم حقه!

قال: فما غاب عنكم مما فعل به أكثر وأعجب! قال عمارة: فإن اتسع لك الحديث فحدثنا.

فقال الربيع: ما هو إلا أن سمع الخليفة بمكانه فما أمهل حتى أمر بمجلس ففرش لبودا، ثم انتقل إليه ومعه المهدى ولى العهد، ثم أذن له، فلما دخل عليه سلم بالخلافة فرد عليه، وما زال يدنيه حتى اتكأه فخذه وتحفى به ثم سأله عن نفسه وعن عياله يسمهم رجلا رجلا وامرأة امرأة ثم قال: يا أبا عثمان عظنا، فقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر: ومر فيها إلى آخرها وقال: إن ربك يا أبا جعفر لبالمرصاد قال: فبكى المنصور بكاء شديداً كأنه لم يسمع تلك الآيات إلا تلك الساعة ثم قال: زدنى. فقال: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك منها ببعضها، وأعلم أن هذا الأمر الذى صار إليك إنما كان فى يد من قبلك ثم أفضى إليك. وكذلك يخرج منك إلى من هو بعدك، وإنى أحذرك ليلة تمخض صبيحتها عن يوم القيامة!! قال: فبكى أشد من بكائه الأول وكان فى المجلس سليمان بن مجاهد فقال: رفقاً بأمير المؤمنين فقد أتعبته؟ فقال له عمرو بن عبيد: بمثلك ضاع الأمر، وانتشر الفساد، لا أبا لك وماذا على أمير المؤمنين ان بكى من خشية الله: ثم التفت إلى أمير المؤمنين وقال: إن هؤولاء اتخذوك سلماً لشهواتهم، فاتق الله فانك ميت وحدك، ومحاسب وحدك، ومبعوث وحدك، ولن يغنى عنك هولاء من ربك شيئاً. فقال له المنصور: أعنى بأصحابك أستغنى عنهم، فقال: أظهر الحق يتبعك أهله. فقال له: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم تستعين بها على زمانك.

فقال: لا حاجة لى فيها, فقال المنصور والله لتأخذنها. فقال عمرو والله لا آخذنها. فقال المهدى يحلف أمير المؤمنين وتحلف؟ فأقبل عمرو على المنصور وقال: من هذا الفتى؟ فقال هذا ابنى محمد، وهو المهدى ولى العهد. فقال: والله سميته إسماً ما استحقه بعمل، ولم تعلمه الأدب. ثم قال المنصور: يا أبا عثمان هل من حاجة؟ قال نعم. يرفع هذا الطيلسان عنى – وكان النصور طرح عليه طيلسان حين دخل عليه.

ثم قال له المنصور: لا تدع زيارتنا يا أبا عثمان. فقال نعم ولكن لا تعطينى حتى أسألك ولا تدعنى حتى آتيك. فقال المنصور إذن لا تأتينا أبداً ولا تطلب شيئا. ثم ودع المنصور ونهض. فلما ولى أتبعه بصره وقال:

كلكم طالب صيد    كلكم يمشى رويد     غير عمرو بن عبيد

التلميذ

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب

أسرة التحرير