يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

أليس الحالف بغير الله مشرك؟

 

أليس الحالف بغير الله مشرك أو كافر؟ ألم تستمع إلى الحديث الذى رواه الحاكم وغيره أن النبى قال (من حلف بغير الله فقد أشرك) وفى رواية (فقد كفر أو أشرك)؟

ونقول وبالله التوفيق والهداية لمن أراد أن يهتدى: أخى المسلم إعلم هداك الله عندما تجد نصَّين متعارضين فى كتاب الله أو السنّة النبوية فاعلم أنه لا تعارض ولكن إما نسخ لآية أونسخ لحديث وإما نص من الاثنين يحتاج إلى تأويل وأنت لا تدرى ومثال ذلك هذا الحديث الماثل أمامنا.

فقد ورد عن العلماء المحققين فى هذا الخبر أن الحلف بالنبى والولى والكعبة إذا لم يقصد الحالف بهما التعظيم كتعظيم الله عز وجل فلا كراهة فى ذلك وقد قال بهذا راوى الأحاديث المعروف البيهقى والنووى أيضاً وإن شئت قرأت تفسير الألوسى فى قول الله تعالى ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ الآية 1 من سورة النساء الجزء الرابع صفحة 183، حيث يقول: أسألك بالله تعالى وبالله سبحانه وبالرحم كما أخرج ذلك غير واحد عن مجاهد وهو إختيار الفارسى وعلى بن عيسى. بمعنى أستحلفك بالله وبالأرحام.

ويقول ابن عجيبة رضه ﴿وَالْأَرْحَامَ﴾ أى: واتقوا الأرحام فلا تقطعوها، فمن قطعها قطعه الله، ومن وصلها وصله الله، كما فى الحديث. أو تساءلون به وبالأرحام، فيقول بعضكم لبعض: أسألك بالرحم التى بينى وبينك، أو بالقرابة التى بينى وبينك.

ويقول ابن عبد السلام فى تفسيره: ﴿تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾ كقوله: أسألك بالله وبالرحم، أو  والأرحام صلوها ولا تقطعوها.

ويقول الطبرى : وأما قوله ﴿وَالْأَرْحَامَ﴾، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله. فقال بعضهم: معناه: واتقوا الله الذى إذا سألتم بينكم قال السائل للمسئول: أسألك به وبالرّحِم، وذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن إبراهيم ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾، يقول: اتقوا الله الذى تعاطفون به والأرحام. يقول: الرجل يسأل بالله وبالرَّحم.

ويقول الإمام ابن كثير ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ﴾ أى: واتقوا الله بطاعتكم إياه، قال إبراهيم ومجاهد والحسن ﴿الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ﴾ أى: كما يقال: أسألك بالله وبالرَّحِم.

الكثير من المفسرون فسروها بهذا الشكل فأين نحن من السلف الصالح ولما التشدد وتكفير الناس.

فقد ورد فى كتاب صحيح البخارى باب 41 "السمر مع الضيف" جزء 3 صفحه 20، وفى باب  5 "علامات النبوة" جزء 12 صفحة 328 وفى كتاب الجمع بين الصحيحين 87 فى المتفق عليه صفحة 265 وذلك عندما أكلا ضيفا أبى بكر ولم ينقص الطعام بل زاد ثلاثة أضعاف فقال لامرأته: يا أخت بنى فراس ماهذا؟ قالت: لا وقرة عينى لهى الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات. فقولها "وقرة عينى" لو كان فيه كفر أو شرك أو كراهة لما سكت سيدنا أبو بكر خليفة رسول الله .

وقد ورد فى كتاب صحيح مسلم باب 2 بيان الصلوات جزء 40 عندما جاء رجل إلى الرسول من أهل نجد فسأله عن الفرائض فى الصلاة والصيام والزكاة فأخبره فقال الرجل: والله لا أزيد ولا أنقص فقال رسول الله (أفلح وأبيه إن صدق أو دخل الجنة وأبيه إن صدق) فانظر قول المصطفى أفلح وأبيه أى وحياة أبيه، فإذا كان الحلف على سبيل التأكيد أو الاستعطاف فلا كراهة فيه، وأما فقه المذاهب الأربعة فملخصه:

عند الحنفيه: قالوا يكره الحلف بغير الله وعامتهم قالوا لا وبه أفتوا لاسيما فى زماننا هذا على سبيل التأكيد والوثيقة كقولهم بأبيك ولعمرى ونحو ذلك مع العلم بأن لفظ الكراهة اصطلاح بمعنى أنه لا يعاقب عليه فاعله والترك له أولى. وفى كتب الحنفية أن ماحصل عليه التعارف بين الناس فى الحلف به كالنبى والأباء جائز وإلا كره.

وأما عند الشافعيه: فأغلب أقوالهم الكراهة أى كراهة تنزيه لا يعاقب على فعلها والترك لها أولى.

وأما عند المالكية: الحلف بغير المعظم حرام شرعاً وأما الحلف بالمعظم شرعاً كالنبى والكعبة فيه قولان الحرمة والكراهة، والمعتمد الكراهة أى لاعقاب لفاعلها.

وأما عند الحنابلة: فالمشهور عندهم حرمة الحلف بغير الله، ولهم أقوال أخرى كاستثناء الحلف بالنبى وأن الحنث فيه يوجب الكفارة لأنه أحد ركنى الشهادة، وهناك قول ابن قدامة تلميذ ابن تيمية فى كتابه مغنى ذوى الأفهام: يكره الحلف بغير الله تعالى، ومعنى يكره أى لا يعاقب على فعله، وقال صاحب الإنصاف من الحنابلة فى التنقيح: يحرم الحلف بغير الله وقيل يكره وعنه يباح أ.هـ أى عن سيدنا أحمد ابن حنبل أنه يباح.

فضلاً عن أن المولى تبارك وتعالى حلف فقال ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ • وَطُورِ سِينِينَ • وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ التين 1-3، كل هذا حلف بالأشياء، وقال ايضاً ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ • وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ البلد 1-2، وهذا حلف بسيدنا محمد ، وقال أيضاً ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ الحجر 72، أليس هذا كلام الأئمة والعلماء وفقهاء وأئمة المذاهب وكلام المصطفى وكلام المولى تبارك وتعالى بعد هذا كله لم المبالغة والمغالاة والتشدد والتكفير ألسنا مسلمون نشهد ألا إله اإلا الله وأن سيدنا محمد رسول الله ألم يقل المولى ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ الأنفال 46، وقد حدث ألم يقل الحبيب (أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، هل وجدتم مع اختلاف المذاهب تشاحن بين أئمة المذاهب بل إذا تواجد إمام مذهب فى بلد تعتنق مذهب آخر من المذاهب المعتمدة صلى وراء إمامهم متبعاً له ولا يعيد صلاته، اللهم انفعنا بأئمتنا واجمع شمل المسلمين آمين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وإلى العدد القادم بإذن الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 محمد مقبول