الْسَّيْدِة رُقِيِّهِ

ذات الهجرتين

 

هِى رُقِيّةِ بِنْتُ سيدنا مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ بَنِتُ رَسُوْلُ اللهِ ، وولدت السيدة رقية وعمر النبى ثلاث وثلاثون، وبعث النبى وعمره أربعون،
أُمِّهَا السيدة خَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وُلِدَّتَ بَعْدَ السيدة زَيْنَبْ، وأَسْلَمْتُ مَعَ أُمِّهَا وَأَخَوَاتُهَا، هَاجَرَتْ الْهِجْرَتَيْنِ إِلَىَ الْحَبَشَةِ أَوَّلَا ثُمَّ إِلَىَ الْمَدِيْنَةِ ثَانِيَةً، وَنَشَأَتْ قَبْلَ بَعْثَةِ الْرَّسُوْلِ وكانت تكنى بأم عبد الله، وتكنى بذات الهجرتين، أى هجرة الحبشة وهجرة المدينة.

وَقَدْ اسْتُمِدَّتْ السيدة رُقْيَةٌ رَضِىَ اللهُ عَنْهَا كَثِيِرَا مِنْ شَمَائِلِ أُمِّهَا، وتَمَثَّلْتهَا قَوْلَا وَفِعْلَا فِى حَيَاتُهَا مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ تَنَفَّسَ فَيِهِ صُبْحٍ الْإِسْلَامِ، إِلَىَ أَنْ كَانَتْ رِحْلَتَهَا الْأَخِيرَةِ إِلَىَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

زَوَاجٌ الْسَّيْدِه رُقِيِّهِ قَبْلَ الْنُّبُوَّهَّ:

لَمْ يَمْضِ عَلَىَ زَوَاجِ السيدة زَيْنَبَ أختها الكبرى غَيْرَ وَقْتٍ قَصِيْرٍ، إِلَا وَطُرُقٍ بَابُ خَدِيْجَةَ وَمُحَمَّدُ، وَفْدِ مِنْ آَلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، جَاءَ يَخْطُبُ رُقْيَةٌ وَأُخْتَهَا الَّتِى تُصَغِّرُهُا قَلِيْلا لشَابِينَ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَعْمَامِ وَهُمَا (عُتْبَةَ وَعُتَيْبَةَ) وَلَدا أَبِى لَهَبٍ عَمَّ الْرَّسُوْل .

وَأَحَسَّتْ رُقْيَةٌ وَأُخْتَهَا انْقِبَاضَا لَدَىَّ أُمِّهِمَا خَدِيْجَةَ، فَالأُمُّ تَعْرِفُ مَنْ تَكُوْنُ أُمَّ الْخَاطِبَيْنَ زَوْجَةً أَبِى لَهَبٍ، وَلَعَلَّ كُلَّ بُيُوْتِ مَكَّةَ تَعْرِفُ مَنْ هِى أُمٌّ جَمِيْلٍ بِنْتُ حَرْبِ ذَاتْ الْقَلْبِ الْقَاسِى وَالْطَّبْعِ الْشَّرِسُ وَالْلِّسَانِ الْحَادِّ.

وَلَمْ تَشَأْ السيدة خَدِيْجَةَ أَيْضا أَنْ تُعَكِّرَ عَلَىَ زَوْجِهَا طُمَأْنِيْنَتُهُ وَهُدُوّءْهْ بِمَخاوفُهَا مِنْ زَوْجَةٍ أَبِى لَهَبٍ وَتَمَّتْ الْمُوَافَقَةِ، وَبَارِكْ سيدنا مُحَمَّدٍ ابْنَتَيْهِ، وَأَعْقَبَ ذَلِكَ فَرْحَةٌ الْعُرْسِ وَانْتَقَلْتُ الْعَرُّوُسَانَ فِى حِرَاسَةِ اللهِ إِلَىَ بَيْتِ آَخَرَ وَجَوٍّ جَدِيْدٍ.

وَدَخَلَتْ السيدة رُقْيَةٌ مَعَ أُخْتِهَا السيدة أُمِّ كُلْثُوْمٍ بَيْتِ الْعَمِّ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَوْثِهِمَا هُنَاكَ طَوَيْلَا، فَمَا لبث رَسُوْلِنَا سيدنا مُحَمَّدٍ يَتَلَقَّىْ رِسَالَةٍ رَبِّهِ، وَيَدْعُوَ إِلَىَ الْدِّيْنِ الْجَدِيْدِ، وَرَاحَ سَيِّدِنَا رَسُوْلِ اللهِ ، يَدْعُوَ إِلَىَ الْإِسْلَامِ سَرَّا، وَعِنْدَمَا عَلِمَ أَبُوْ لَهَبٍ بِذَلِكَ أَخَذَ يَضْحَكُ وَيَسْخَرُ مِنْ رَّسُوْلٍ اللهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَىَ الْبَيْتِ، وَشَارَكَتْ أَمْ جَمِيْلٌ زَوْجَهَا فِى سُخْرِيَّتَهُ وهْزِئِهُ.

وَلَكِنْ الْقُرْآَنُ الْكَرِيْمِ تَنَزَّلُ عَلَىَ الْحَبِيْبِ الْمُصْطَفَىَ يُشِيْرُ إِلَىَ الْمَصِيرُ الْمَشْؤُومُ لِأُمِّ جَمِيْلٍ بِنْتُ حَرْبِ، وَزَوْجُهَا أَبِى لَهَبٍ، قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ • مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ • سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ • وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ • فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ صدق الله العظيم.

وَكَانَتْ رُقَيَّةُ وَأُمُّ كُلِّثَوِمَ فِى كَنَفِ ابْنِى عَمَّهُمَا، لَمَّا نَزَلَتْ السُوْرَةُ، ثُمَّ أرْسِلَ أَبِو لَهَبٍ إلى وَلَدَيْهِ عُتْبَةَ وَعُتَيْبَةَ وَقَالَ لَهُمَا: إِنَّ مُحَمَّدا قَدْ سَبَّهُمَا، ثُمَّ الْتَفَّ أَبُوْ لَهَبٍ إِلَىَ وَلَدِهِ عُتْبَةَ وَقَالَ فِى غَضَبٍ: رَأْسِى مِنْ رَأْسِكَ حَرَامْ إِنْ لَمْ تُطَلَّقِ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ؛ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا.

وَأَمَّا عُتَيْبَةَ، فَقَدْ اسْتَسْلَمَ لِثَوْرَةِ الْغَضَبُ وَقَالَ فِى ثَوْرَةِ وَاضْطِرَابٍ: لَآَتِيَنَّ مُحَمَّدا فَلَأُوذِيَنَّهُ فِى رَبِّهِ. وَانْطَلَقَ عُتَيْبَةَ بْنِ أَبِى لَهَبٍ إِلَىَ رَسُوْلِ اللهِ فَشَتَمَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنَتَهُ وَطَلَّقَهَا، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ (الْلَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلَبْا مِنْ كِلَابِكَ) وَاسْتَجَابَتْ دَعْوَةَ الْرَّسُوْلِ ، فَأَكَلَ الْأَسَدُ عُتَيْبَةَ فِى إِحْدَىَ أَسْفَارِهِ إِلَىَ الْشَّامِ.

زَوَاجٌ الْسَّيْدِه رُقْيَةٌ مِنْ عُثْمَانَ

شَاءَتْ قُدْرَةِ اللهِ لِرُقِيّةٌ أَنَّ تَرْزُقُ بَعْدَ صَبْرِهَا زَوْجَا صَالِحَا كَرِيْمَا مِنْ الْنَّفَرِ الثَّمَانِيَةَ الَّذِيْنَ سَبَقُوَا إِلَىَ الْإِسْلَامِ، وَأَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِيْنَ بِالْجَنَّةِ، ذَلِكَ هُوَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أحد فتيان قريش مالاً، وسؤددا، وعزًّا، ومنعةً وَصاحب النسب العريق، والطلعة البهية، والمال الموفور، والخلق الكريم، ومَا كَانَ الْرَّسُوْلُ الْكَرِيمُ لَيَبْخَلُ عَلَىَ صَحَابِى مِثْلَ عُثْمَانَ بِمُصَاهَرَتِهِ، وَسَرَعَانُ مَا اسْتَشَارَ ابْنَتَهُ، فَفَهِمَ مِنْهَا الْمُوَافَقَةِ عَنْ حُبْ وَكَرَامَةً، وَتَمَّ لِعُثْمَانَ نُقِلَ عُرْوَسُهُ إِلَىَ بَيْتِهِ، وَسَعِدَتْ رُقْيَةٌ بِهَذَا الْزَّوَاجِ مِنْ الْتَّقِى الْنَّقِى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانِ ، وَوَلَدَتْ رُقْيَةٌ غُلَامَا مِنْ عُثْمَانَ فَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ، وَاكْتَنَى بِهِ وَبَلَّغَ سَتُّ سِنِيْنَ ثُمَّ تُوُفِّىَ.
هَجَرَه الْسَّيْدِه رُقْيَةٌ مَعَ عُثْمَانَ الَىَّ الْحَبَشَةِ:

عِنْدَمَا أَذِنَ اللهُ لِلْمُسْلِمِيْنَ بِالْهِجْرَةِ الَىَّ الْحَبَشَةِ، وأراد عثمان بن عفان الخروج إلى أرض الحبشة، قال له رسول الله (اخرج برقية معك). قال (ما أخال واحد منكما يصبر على صاحبه)، ثم أرسل النبى أسماء بنت أبى بكر فقال (ائتنى بخبرهما). فقالت: يا رسول الله، أخرج حمارًا موكفًا فحملها عليه، وأخذ بها نحو البحر. وقد رجعت أسماء إلى النبى وعنده أبو بكر، فقال رسول الله (يا أبا بكر، إنهما لأول من هاجر بعد لوط وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام) الحاكم والمستدرك.

فهَاجَرَتْ السيدة رُقْيَةٌ بَنِتُ رَسُوْلُ اللهِ وَزَوْجُهَا سيدنا عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الَىَّ الْحَبَشَةِ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدُ اللهِ هُنَاكَ فَكَانَ يُكَنَّى بِهِ.

الْعَوْدَةِ إِلَىَ مَكَّةَ:

وُصِلَتْ إِلَىَ الْحَبَشَةِ شَائِعَاتٍ كَاذِبَةٍ، تَتَحَدَّثُ عَنْ إِيْمَانٍ قُرَيْشٍ بِمُحَمَّدٍ، فَلَمْ يَقْوَ بَعْضٍ الْمُهَاجِرِيْنَ عَلَىَ مُغَالَبَةِ الْحَنِيْنِ الْمُسْتَثَارِ، وَسَرَعَانُ مَا سَارُوْا فِى رَكْبٍ مُتَّجِهِيْنَ نَحْوَ مَكَّةَ، وَيَتَقَدَّمُهُمْ عُثْمَانَ وَرَقِيَّةٌ، فَمَا أَنْ بَلِّغُوْا مَشَارِفِ مَكَّةَ، حَتَّىَ أَحَاطَتْ بِهِمْ صَيْحَاتَ الْوَعِيْدِ وَالْهَلاكُ.

وَطَرَقْتُ رُقْيَةٌ بَابُ أَبِيْهَا تَحْتَ جُنْحِ الْظَّلامِ، وَمَا أَنْ فَتَحَ الْبَابَ حَتَّىَ تُعَانِقَ الْأَحِبَّةِ، وَانْهَمَرَتْ دُمُوْعُ الْلِقَاءِ. وَأَقْبَلَ سيدنا مُحَمَّدُ نَحْوَ ابْنَتَهُ يَحْنُوْ عَلَيْهَا وَيُسَعِفَهَا لِتَثُوبَ إِلَىَ الْسَّكِينَةَ وَالْصَّبْرُ، فَالأُمُّ خَدِيْجَةُ قَدْ قَاسَتْ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ وَآَلُ هَاشِمٍ كَثِيْرا مِنَ الاضْطِهَادِ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تُهَاجِرْ، وَقَدْ أَلْقَاهَا الْمَرَضِ طَرِيْحَةَ الْفِرَاشِ، لَتَوَدِّعَ الْدُّنْيَا وَابْنَتِهَا مَا تَزَالُ غَائِبَةٍ فِى الْحَبَشَةِ.

عَوْدَةُ رُقْيَةٌ إِلَىَ الْحَبَشَةِ:

ذَهَبَتْ رُقِيِّهِ وَعُثْمَانَ إِلَىَ رَسُوْلِ اللهِ يَسْتَأْذِنُونَهُ فِى الْهِجْرَةِ إِلَىَ الْحَبَشَةِ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ : يَا رَسُوْلَ اللهِ، فَهَجْرْتِنا الْأُوْلَىْ وَهَذِهِ الْآَخِرَةِ إِلَىَ الْنَّجَاشِىِّ، وَلَسْتُ مَعَنَا. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ (أَنْتُمْ مُهَاجِرُوْنَ إِلَىَ اللهِ وَإِلَىَّ، لَكُمْ هَاتَانِ الْهِجْرَتَيْنِ جَمِيْعَا). فَقَالَ عُثْمَانُ: فَحَسْبُنَا يَا رَسُوْلَ اللهِ.

وَبِهَذَا تَنْفَرِدُ رُقْيَةٌ ابْنَةَ رَسُوْلِ اللهِ بِأَنَّهَا الْوَحِيدَةْ مِنْ بَنَاتِهِ الطَّاهِرَاتِ الَّتِى تُكْتَبُ لَهَا الْهِجْرَةُ إِلَىَ بِلَادِ الْحَبَشَةِ، وَمَنْ ثُمَّ عُدْتُ مِنَ أَصْحَابِ الْهِجْرَتَيْنِ.

وَمَاتَ ابْنُ رُقْيَةٌ، بَعْدَ أَنْ بَلَغَ سِتَّ سِنِيْنٍ، مَاتَ بَعْدَ أَنْ نَقَر الْدِّيْكُ وَجْهَهُ (عَيْنِهِ)، فَتَوَرَّمَ وَطَمَرَ وَجْهَهُ وَمَرِضَ ثُمَّ مَاتَ، وَبَكَّتَهُ أُمُّهُ وَأَبُوْهُ، وَافْتَقَدَ جَدِّهِ بِمَوْتِهِ ذَلِكَ الْحَمَلِ الْوَدِيعِ الَّذِى كَانَ يَحْمِلُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كُلَّمَا زَارَ بَيْتِ ابْنَتَهُ، وَلَمْ تَلِدْ رُقْيَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَفَّاهُ الْسَّيْدِة رُقِيِّهِ:

وَلَمْ يَكُنْ لِرُقِيّةٌ سِوَىْ الْصَّبْرِ وَحُسْنُ الْتَّجَمُّلِ بِهِ، وَلَكِنَّ لكَثْرَةَ مَا أَصَابَهَا فِى حَيَاتُهَا مِنْ مَصَائِبَ عِنْدَ أُمِّ جَمِيْلٍ، وَفِى الْحَبَشَةِ، كَانَ لَهَا الْأَثَرْ فِى أَنْ تَمْتَدَّ إِلَيْهَا يَدُ الْمَرَضِ وَالْضَّعْفِ، وَلَقَدْ آَنَ لِجِسْمِها أَنَّ يَسْتَرِيْحُ عَلَىَ فِرَاشٍ أَعَدَّهُ لَهَا زَوْجُهَا عُثْمَانَ، وَجَلَسَ بِقُرْبِهَا الْزَّوْجِ الْكَرِيْمِ يُمْرِضُهَا وَيَرْعَاهَا، وَكَانَ مَرَضٌ رُقْيَةٌ الْحَصْبَةِ، ثُمَّ بَعْدَ صِرَاعَهَا مَعَ هَذَا الْمَرَضُ، لَحِقَتْ رُقْيَةٌ بِالْرَّفِيْقِ الْأَعْلَىَ، وَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ لَحِقَ بِأُمِّ الْمُؤْمِنِيْنَ خَدِيْجَةَ مِنْ بَنَاتِهَا، لَكِنْ رُقْيَةٌ تُوُفِّيَتْ بِالْمَدِيْنَةِ، وَالسيدة خَدِيْجَةُ تُوُفِّيَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ بِضْعِ سِنِيْنَ، وَلَمْ تَرَهَا رُقْيَةٌ، وَتُوُفِّيَتْ رُقْيَةٌ، وَلَمْ تَرَ أَبَاهَا رَسُوْلُ اللهِ، حَيْثُ كَانَ بِبَدْرٍ مَعَ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ، يَعْلُوْنَ كَلِمَةُ اللهِ، فَلَمْ يَشْهَدْ دَفَنَهَا توفيت ولها من العمر اثنتان وعشرون سنة. حَتَّىَ إِذَا بَلَغَتْ الْجِنَازَةِ الْبَقِيعِ، دُفِنَتْ رُقْيَةٌ هُنَالِكَ، فِى رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ: قَالَ: لَمَّا مَاتَتْ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُوْلِ اللهِ، قَالَ (أَلْحَقى بِسَلَفِنَا عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُوْنٍ) فَبَكَتْ الْنِّسَاءُ عَلَيْهَا؛ فَجَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُهُنَّ بِسَوْطِهِ. فَأَخَذَ الْنَّبِى بِيَدِهِ، وَقَالَ (دَعْهُنَّ يَبْكِيْنَ)، ثُمَّ قَالَ (ابْكِيَنَّ، وَإِيَّاكُنَّ وَنَعِيْقَ الْشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَكُنْ مِنَ الْقَلْبِ وَالْعَيْنِ فَمِنَ اللهِ وَالْرَّحْمَةِ، وَمُهَمَّا يَكُنْ مِنَ الْيَدِ وَالْلِّسَانِ فَمِنَ الْشَّيْطَانِ).

راوية رمضان

 

 

 

السيدة أسماء بنت عميس

 

من ذوات الفضل من السابقات الى الاسلام هاجرت الهجرتين الاولى للحبشة والثانية للمدينة المنورة تزوجت ثلاثة من سادات الصحابة واهل البيت الكرام، واجتمع فى ذريتها شرف الصحابة وشرف أهل البيت الكرام أجمعين؛ إنها السيدة أسماء بنت عميس الصحابية الجليلة.

ولها من الاخوات السابقات ذوات الفضل ومنهم زوج رسول الله ام المؤمنين السيدة ميمونة بنت الحارث أختها لأمها، وأختها السيدة أم الفضل زوجة سيدنا العباس ، ومن اخواتها ايضا السيدة زينب بنت عميس زوجة سيدنا حمزة .

تزوجت سيدنا جعفر ابن ابى طالب (الطيار) والذى اثنى عليه رسول الله فى مواطن عديدة وكان شبيه بالرسول الكريم حيث وصفه   بقوله  لجعفر بن ابى طالب (أشبهت خلق وخلقى)، فكانت السيدة أسماء تسر غاية السرور حينما كانت تنظر الى زوجها الكريم جعفر وترى انه شبيه رسول الله ، ولما اشتد إيذاء الكفار للمؤمنين امرهم النبى بالهجرة الى الحبشة، فهاجرت مع زوجها، وانجبت منه الكرام عبدالله وعون ومحمدا، ووقفت مع زوجها صامدة ضد المحن مساندة له فى دعوته الى دين الله، ونسب الى زوجها فتح قارة افريقيا بالكامل للاسلام حيث انه أول داعى وسفير للاسلام ينشر دعوة الحق فى ربوع القارة السمراء، وأسلم على يديه ملك الحبشة والسودان النجاشى ، ثم استمر فى دعوته فى ارض الحبشة حتى العام السادس من الهجرة النبوية، حيث هاجرت السيدة اسماء مع زوجها جعفر الى المدينة المنورة ففرح بقدومهم رسول الله ، وكان وقت قدومهم فتح خيبر فقال لهم رسول الله (لا أدرى بأيهما أفرح؟ بفتح خيبر أو بقدوم جعفر)   ثم استشهد سيدنا جعفر الطيار فى غزوة مؤته، فحزنت على زوجها الطيار حزنا شديدا، الا انها ظلت صامدة صابرة محتسبة ترعى أبنائها منه، ودخلت ذات يوم على الحبيب المصطفى تشتكى له يتم أبنائها، فيما رواه الامام أحمد فى مسنده، فقال لها رسول الله (الْعَيْلَةَ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ). ومن بشريات وكرامات الطيار سيدنا جعفر بعد موته ان رسول الله قال بعد قتل جعفر (لقد مر بى الليلة جعفر يقتفى نفرًا من الملائكة له جناحان متخضبة قوادمهما بالدم يريدون بيشة بلدًا باليمن) اخرجه ابن عساكر.  وفى حديث اخر اخرجه ابن عدى من حديث على بن أبى طالب ان رسول الله قال (عرفت جعفر فى رفقة من الملائكة يبشرون اهل بيشة بالمطر).

 وبعد فترة من انقضاء عدتها خطبها سيدنا ابو بكر الصديق وشاءات العناية الالهية ان تنتقل من بيت فضل الى بيت فضل فتزوجت السيدة أسماء بنت عميس الصديق سيدنا ابوبكر ، فانجبته منه سيدنا محمد ابن ابى بكر الصديق ، ولدته اثناء حجها مع رسول الله حجة الوداع، وشاء المولى الكريم ان يكون هذا المولود السعيد حاضرا بمولده حجة الوداع مع خير البشر وسيد الانام ، ثم انتقل الحبيب المصطفى إلى جوار ربه، وقد أوصى بخليفته من بعده سيدنا ابو بكر الصديق ، فوقفت السيدة اسماء بنت عميس مع زوجها الصديق مساندة له فى خدمته للمسلمين راعية لشئون بيتها مربية فاضلة لابنائها حتى دنى موت الصديق ، فأوصاها ان تغسله وان تفطر من صيامها وكان صيامها صوما تطوعيا، فانشغلت طيلة النهار بتجهيز الصديق والوجد عليه، وتذكرت وصيته بالافطار قبل المغرب، فأفطرت قبل المغرب تنفيذا لوصية زوجها الصديق اجمعين، ثم جلست بعده فى بيتها تربى ابنائها الكرام عبدالله وعون ومحمد من زوجها الطيار، وابنها محمد من زوجها الصديق وأرضاهم أجمعين، ثم خطبها سيد الوصيين زوج البتول شقيق الرسول ابا الحسنين سيدنا على بن ابى طالب ، فتزوجته وانتقلت الى بيته بيت الفضل والعز، وكانت مثالا للزوجة الصالحة الطائعة المساندة لرابع الخلفاء الراشدين سيدنا على بن ابى طالب ، وانجبت منه الكرام عونا ويحيى، وقيل انه توفى قبل ابيه وشاءت العناية الالهية ان يتولى سيدنا على بن ابى طالب تربية ورعاية ابن الصديق سيدنا محمد ابن ابى بكر ويخصه بالعناية والاكرام مع ابناء اخيه سيدنا جعفر الطيار ومع ابناءه السادة الكرام، وفى يوم من الايام تجاذب الحديث الاخوة الكرام سيدنا محمد بن جعفر الطيار وسيدنا محمد بن ابى بكر الصديق، يقولون بعضهم لبعض "أنا أكرم منك وأبى خير من أبيك" فتبسم الامام على بن ابى طالب ونظر إلى امهم السيدة اسماء بنت عميس ينتظر منها ردها على كلام ابنائها، فقالت "ما رأيت شابا من العرب خير من جعفر ولا رأيت كهلا من العرب خير من ابى بكر" فتبسم  سيدنا على قائلا "فما أبقيت لنا" وعاشت السيدة اسماء بنت عميس مع زوجها الامام على بن ابى طالب داعمة له فى خدمته للاسلام والمسلمين، صالحة صابرة على ما أصابها من شدائد عبر السنين من استشهاد زوجها سيدنا جعفر بن ابى طالب، وموت زوجها سيدنا ابو بكر الصديق حتى وصلها خبر استشهاد ابنها محمد ابن ابى بكر الصديق، فى مصر فحزنت عليه ووجدت فعكفت فى مصلاها ذاكرة لله صابرة على بلواها وما لبثت قليلا حتى جاءها خبر استشهاد الامام على بن ابى طالب ، فحزنت عليه حزنا شديدا فمرضت مرضا شديدا، ثم انتقلت بعده الى جوار ربها، صالحة طائعة ذاكرة لله صابرة، تزوجت الاخيار وانجبت منهم الكرام الأبرار، وعنهم وعن سائر الصحب الكرام، وفى المعنى قال الامام فخرالدين فى النظم الفريد

ويحمد عند الله عبد مجاهد   .... وذو جلدا فى كل أمر مكابد

إبراهيم جعفر