كان .. ما .. كان

سيدنا أيوب

قال تعالى ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِىَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ ص 41.

وقبل أن نروى قصته مع المرض فلننظر إلى الآية ونتعلم منها أدب الأنبياء مع المولى تبارك وتعالى، فقد أسند سيدنا أيوب مرضه إلى الشيطان لأن فيه نقص فأسنده إلى الشيطان وغيره، وما فيه كمال أسنده إلى الله تعالى، وفى الحقيقة كل من عند الله.

روى أن سيدنا أيوب كان من الروم، وهو أيوب بن أموص بن تارح بن رعويل بن عيص بن سيدنا إسحاق، وكانت أمه من ولد سيدنا لوط، اصطفاه الله للنبوة والرسالة، وبسط عليه الدنيا، فكان له ثلاث آلاف بعير، وسبعة آلاف شاة، وخمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد إمرأة وولد، وكان لسيدنا أيوب سبعة من البنين وسبع بنات، وقد زاد البعض فى ملكه فى رواية أخرى فقال: كانت له المشيئة من أرض الشام كلها، وكان له من صنوف المال مالم يكن لأحد، من الخيل والبقر والغنم والحمرُ وغيرها، وكان براً تقياً رحيماً بالمساكين، يكفل الأرامل والأيتام ويكرم الضيف، ويفعل من الخيرات مالم يفعله أحد فى زمنه، كان دينه التوحيد والإصلاح بين الناس ومن كثرة تعبده وصل إلى مرتبة لما يصل إليها البشر تغبطهم الملائكة عليها، الملائكة قالوا لربنا: أيوب بيعبدك علشان أنت أكثرت له المال، فقال لهم: لأ، قالوا: صب عليه البلاء، فصب عليه البلاء بقى جسمه كله جروح، وقيل: إن سبب بلائه أن إبليس اللعين لما سمع تجاوب الملائكة بالصلاة على سيدنا أيوب حين ذكره الله حسده وقال: إلهى عبدك أيوب أنعمت عليه فشكرك، وعافيته فحمدك، ولم تجربه بشدة ولا بلاء، فلو جربته بالبلاء ليكفرن بك وبنعمتك، فقال تعالى له: انطلق فقد سلطتك على ماله، فانطلق اللعين وجمع عفاريته وأخبرهم بما حدث، فقال عفريت منهم: عندى من القوة أن أتحول إلى إعصار من النار، فأحرق كل شئ آتى عليه، فقال له إبليس اللعين: عليك بالإبل ورعاتها، فذهب وأحدث إعصاراً شديداً فأحرق الأبل ورعاتها، ولما فرغ منها عاد وأخبر إبليس بذلك فتمثل إبليس فى شكل أحد رعاتها، وذهب إلى سيدنا أيوب وقال له: ياأيوب إن ربك قد أحرق إبلك ورعاتها، فقال سيدنا أيوب: هو ماله، أعارنيه، يفعل فيه مايشاء، فرجع إبليس خاسئاً، حين حمد سيدنا أيوب ربه، وقال عفريت آخر: عندى من القوة إذا صِحتُ لم يسمع صوتى ذو روح إلا خرجت روحه، فقال له إبليس: إذهب للغنم ورعاتها، فهب وصاح فصارت أمواتاً هى ورعاتها، فذهب إبليس اللعين إلى سيدنا أيوب وحدث بينهما ماحدث فى المرة السابقة ورجع إبليس خاسئاً، وقال عفريت آخر: عندى من القوة إذا تحولت إلى ريح عاصف، نسفت كل شئ آتيت عليه، فأمره أن يذهب إلى الفدادين والحرث، فجاءها وأحدث ريح عاصف نسف كل شئ، وكأنه لم يكن هناك شئ من قبل، وخرج إبليس إلى سيدنا أيوب وحدث كما حدث سابقاً، وظل إبليس فى أفعاله حتى آتى على جميع مال سيدنا أيوب ولم يفتر لحظة عن شكر الله وحمده، فقال إبليس: إلهى إن أيوب يقول إنك مامتعته إلا بنفسه وولده، فهل تسلطنى على ولده، قال تعالى: قد سلطتك على ولده، فجاء إبليس وقلب عليهم القصر فماتوا فى الحال، وأسرع إلى سيدنا أيوب متمثلاً في شكل معلم أولاده وهو جريح، فقال: ياأيوب ... لو رأيت بنيك كيف عذبوا؟ ونُكسوا على رؤوسهم، وظل يزيد في الوصف حتى رق قلب سيدنا أيوب وبكى، وقالوا: أنه قبض قبضة من التراب ووضعها على رأسه، فرجع إبليس مسروراً، ولكن سيدنا أيوب أبصر مافعل فاستغفر الله، وصعدت الملائكة بتوبته إلى الله تعالى، فوقف إبليس خاسئاً، وقال: ياإلهى ... إنما هوّن أيوب خطر المال والولد، فهل أنت مسلطنى على جسده، فإن سلطتنى على جسده ليكفرن بك، قال تعالى: قد سلطتك على جسده، ولكن ليس لك سلطان على لسانه وقلبه وعقله، فجاءه إبليس فوجد سيدنا أيوب ساجداً، فنفخ في أنفه نفخة اشتعل منها جسده بالمرض، وخرج من رأسه إلى قدمه تآليل، وأصيب بالحكة فحك جسده بأظافره، ثم بالقماش الخشن، ثم بالحجارة حتى ظهر لحمه تحت جلده، وتغير لونه وتدود فأخرجه أهل القرية وألقوه على المزابل ورفضوه إلا زوجته وكانت تدعى رحمة بنت إفراثيم بن سيدنا يوسف، فظلت معه تراعيه، وروى أن إمرأته قالت له يوماً: لو دعوت الله عز وجل؟ فقال لها: كم كانت مدة الرخاء؟ قالت: ثمانين سنة، فقال: إنى استحى من الله أن أدعوه، ومابلغت مدة بلائى مدة رخائى، وروى أن الدود أكل جميع جسده حتى بقى عظاماً ولم يبقى سوى لسانه وقلبه صرخ إبليس اللعين وقال: أعيانى هذا العبد الذى سألت ربى أن يسلطنى عليه، قالت له العفاريت: أرأيت آدم حين أخرجته من الجنة، ماأتيته إلا من قِبَلِ إمراته، فتمثل لها بصورة رجل طيب، فقال لها: أين بعلك ياأمة الله؟ فقالت: هو ذاك، فقال لها: لو أكل طعاماً ولم يسمى عليه لعفى من البلاء، فأخبرت سيدنا أيوب فقال: أتاك عدو الله ليفتنك عن دينك، وقالوا: إن هذه الواقعة هى السبب في قسم سيدنا أيوب إن عافه الله ليضربنها مائة ضربة وقالوا أشياء أخرى، كل واحد فيها كان سبب لهذا القسم، ولكن القسم كان بسبب تأخر زوجته مرة عليه ففاته موعد الصلاة فحلف أن يضربها مائة جلدة، قال تعالى ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ الأنبياء 83.

فى الحديث المروى عن سيدنا رسول الله أنه جاء إليه رجل فسأله عن قول سيدنا أيوب ﴿مَسَّنِىَ الضُّرُّ﴾ فبكى سيدنا رسول الله وقال (والذى بعثنى بالحق نبياً، ماشكى فقراً نزل من ربه، ولكن كان فى بلائه سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات، فلما كان فى بعض الساعات وثب ليصلى، فلم يستطع النهوض فقال ﴿مَسَّنِىَ الضُّرُّ﴾ ... ألخ ثم قال (أكل الدود عامة جسده حتى بقى عظاماً نخرة، فكادت الشمس تطلع من قبله وتخرج من دبره، ومابقى إلا قلبه ولسانه، وكان قلبه لا يخلو من ذكر الله، ولسانه لا يخلو من ثنائه على ربه، فلما أحب الله له الفرج، بعث إليه الدودتين إحداهما إلى لسانه والأخرى إلى قلبه، فقال: يارب مابقى إلا هاتان الجارحتان أذكرك بهما، فأقبلت هاتان الدودتان إليهما ليشغلانى عنك، ويطلعان على سرى، ﴿مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ ربنا سبحانه وتعالى يقول في الآية 84 من سورة الأنبياء ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ كانت استجابة ربنا إزاى يقول المولى تبارك وتعالى في الآيات 42، 43، 44 من سورة ص ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ • وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِى الْأَلْبَابِ • وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ ربنا سبحانه وتعالى أرسل سيدنا جبريل إلى سيدنا أيوب بعد انتهاء فترة مرضه وقال له: اضرب برجلك الأرض، فضربها فنبعت عين فاغتسل منها وشرب فشفى وعاد شاباً صغيراً، وعاد إليه زوجته وأهله وزاد الله فيهم عدداً ولما أحب أن يفى بقسمه جاءه سيدنا جبريل وقال له: خذ مائة عود من القش واجعلهم حزمة واحدة واضربها بها.

أحمد نور الدين عباس