كان .. ما .. كان

سيدنا يوسف 2

 

لما وجد خبير السيارة البئر المغطى بجلد الجمل طعنه بحربة كانت فى يده، ثم أدلى بدلوه، فتعلق فيه سيدنا يوسف، وفرح خبير السيارة ومن معه، وقالوا: نبيعه بثمن غال، كان زمان سيدنا يوسف قال لنفسه: أنا جميل لو باعونى لكان الثمن غالياً، ربنا حاسبه على كده، راحوا مصر، عرضوه على عزيز مصر طمعاً فى أنه سوف يعطيهم مالاً كثيراً مقابل شراء هذا العيد الجميل، ولكنه قال: لا حاجة لى به، وظلوا يزينوا له أوصافه وهو يأبى، إلى أن اشتراه بأرخص سعر وكانت زوجته السيدة زليخة ذات جمال وافر وتصغره كثيراً فى السن، فجاء بسيدنا سيدنا يوسف وقال لها: أحسنى مثواه، واطعميه، واسقيه، وتوالت السنوات، وسيدنا يوسف يزداد جمالاً على جمال سنة بعد أخرى، فافتُتنت به السيدة زليخة ، وكلما تقربت منه تودداً، إزداد رفضاً، وازدادت محبتها له، شاع هذا الموضوع، فقالت نساء الوزراء: إمرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه، قد شغفها حباً، فلما سمعت مايدور بينهن من أحاديث عنها وعن فتاها، أرسلت إليهن، فحضر منهن الكثير، فأجلستهن وأحضرت لكل منهن الفواكه التى تقشر بالسكين، وكانت قبل ذلك أمرت سيدنا يوسف أن يستحم ويتعطر ويرتدى ملابس قد أعدتها له مزينة بالحرير واللؤلؤ، وقالت له: لا تدخل علينا إلا أن أناديك، وبعد ان قدمت إليهن الفواكه، وامسكت كل واحدة فيهن بسكين كى تقشر وتقطع ما أمامها من فواكه، نادته فخرج عليهن، فلما رأوه قطعن أصابعهن، وقلن حاشا لله، ماهذا ببشر، إن هذا إلا ملك كريم، فقالت السيدة زليخة : فذلكن الذى لُمتننى فيه.

وروى ان عدد النسوة اللاتى أفتتن بسيدنا يوسف أربعين امرأة، مات منهن تسع نسوة وجداً بسيدنا يوسف، وقيل أن النسوة قلن له: أطع مولاتك فيما تقول، وقالت السيدة زليخة : لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن، فلما رأى منهن ذلك قال: رب السجن احب إلىّ مما يدعوننى إليه، وذات مرة اغلقت الباب عليهما ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ يوسف 24، قالوا فى أحد التفاسير همت به اى أرادت، وهم بها أى مال إليها، وهناك فرق كبير بين الميل والأرادة فالميل أول درجات الحب أما الأرادة فهى آخر درجاته، والميل يمكن الرجوع عنه فى ثوانى أو أقل، أما الأرادة فهى تملك الإنسان ولا يستطيع منها هروباً أو رجوعاً، أما برهان ربه أنه رأى سيدنا يعقوب وهو يعض على أصابعه تحذيراً له، فهرب منها إلى الباب وهى تجرى خلفه، فأمسكت بقميصه من الخلف فقطع، ووجدا العزيز لدى الباب، فقالت ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ يوسف 25، العزيز نظر إلى سيدنا يوسف قائلاً: أمك التى ربتك، سيدنا يوسف قال: هى راودتنى عن نفسها، وإذا كنت مش مصدق اسأل الطفل ده، فى الوقت ده كان ابن أخت السيدة زليخة موجود فى الغرفة وكان عمره سنة واحدة راقد فى السرير ربنا سبحانه وتعالى أنطق الطفل فقال ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ • وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ يوسف 26-27، فلما رأى العزيز القميص نظر إلى السيدة زليخة وقال ﴿إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ يوسف 28، وخشى العزيز عاقبة هذه الأمور فأمر بسجن سيدنا يوسف، لما دخل سيدنا يوسف السجن كان معاه سفرجى الملك وطباخ الملك، وكان لا يتركان جلسات الصديق، وفى يوم قال السفرجى أو الساقى، لسيدنا يوسف: إنى رأيت فى منامى ثلاث طاسات من الذهب، وفى كل طاسة عنقود من العنب، وكأننى أعصر من العنب خمراً وأسقى الملك مرة بعد مرة، ثم قال الطباخ: وأنا رأيت فى منامى كأن لى ثلاث تنانير مملؤة بالنار، وكأنى خبزت خبزاً وضعته فى طبق، وحملته على رأسى، والطير تأكل منه، فقال لهما: سيدنا يوسف ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ﴾ يوسف 41، فلما سمع الطباخ ذلك قال: إنى لم أر شيئاً، فقال الصديق ﴿قُضِى الْأَمْرُ الَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ يوسف 41، وحدث ماقال صلب الطباخ وأكلت الطير من رأسه، وتم الإفراج عن السفرجى أو الساقى، وعند خروجه قال له سيدنا يوسف: اذكرنى عند ربك. ربنا سبحانه وتعالى غار، غيرة إلهية لأنه استنجد بالملك ولم يستنجد بالله فقضى فى السجن 6 سنوات بعدد حروف كلمة اذكرنى، فلما خرج الساقى نسى ماقاله سيدنا يوسف.

مرت سنوات السجن عليه سنة وراء أخرى إلى أن جاء الفرج، فلقد رأى الملك فى نومه رؤيا أزعجته وأقلقت نومه، رأى كأن النيل قد غار فى الأرض، وخرج منه سبع بقرات سمان، ثم خرج بعد ذلك سبع بقرات عجاف أكلن تلك البقرات السمان، ثم رأى سبع سنبلات خضر وسبع سنبلات صفر، وقد التفت السنبلات الصفر بالخضر فأيبستها، فقام مفزوعاً من النوم، وأمر بإحضار المفسرين، وقص عليهم رؤياه، فلما سمعوا ذلك قالوا: أضغاث أحلام ومانحن بتأويل الأحلام بعالمين، فغضب الملك عليهم، وأمر بإسقاط رواتبهم ومكانتهم فى ديوانه، وكان الساقى موجوداً، فتذكر ماقاله الصديق له، فجاء إلى الملك وسجد بين يديه، وقال: هل يأذن لى مولاى الملك فى أن أدله على من يفسر له هذه الرؤيا، فاذن له، فقال: إن فى السجن غلاماً هو أعلم بتعبير هذه الرؤيا، وقص على الملك ماكان بينه وبين سيدنا يوسف وماحدث بعد ذلك، فأمرهم الملك بالذهاب إلى السجن ليقصوا على الصديق رؤيا الملك ... فماذا حدث من سيدنا يوسف؟

أحمد نور الدين عباس