كتب السلف

لما كنا نحتاج باستمرار إلى كتب السابقين الغير محرفة، ولما كثر التحريف بفعل قلة غير مسئولة تقوم بإصدار الكتب المحرفة وطرحها فى الأسواق أو عرضها فى الشبكة العالمية للمعلومات، وسواء كان ذلك يتم بحسن نية أو بغيرها، فقد ظهرت الحاجة إلى البحث عن المصادر الصحيحة فى هذه الشبكة لكتب الصالحين وعلوم السابقين، ونحن نرشح لكم المواقع الصديقة التى تتحرى الدقة فيما تعرضه من كتب حتى تجدوا ما تحتاجونه من كتب وعلوم السابقين التى حاول البعض أن يدثروها ويغطوا عليها، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المغرضون، وسنقوم باستعراض بعض الكتب التى أستشهد بها الإمام فخر الدين فى مؤلفاته ودروسه من هذه المواقع، وللمزيد عن تلك المواقع زوروا صفحة المكتبة من الموقع الرئيسى.

 

كتاب من المكتبة:

من كتب الأعلام:

الموطأ

 

كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس، وهو أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، ومالك جد الإمام من كبار التابعين، والذى روى عنه أكثر من ألفى ومائتان حديث، وقضى الإمام مالك معظم حياته بالمدينة ولم يكن ينتعل فيها أى نعل خوفا من أن يدوس بنعله موضعا داسه الرسول ، واشتهر بالعلم وصار إمام الحجاز وفقيه دار الهجرة حتى قيل (لا يفتى ومالك فى المدينة)، وكان صلبا فى دينه جريئا فى رأيه واسع المعرفة والعلم متواضعا مع تلاميذه، وقد طلب منه الخليفة أن يوطئ للناس كتابا ليعملوا به فصنف هذا الكتاب وأسماه الموطأ، وكتب رسالة فى الوعظ إلى هارون الرشيد، وقد احتوى الموطأ على مذهبه المالكى كما احتوى على أسلوبه العلمى فى الفقه من القياس والإجماع وعمل أهل المدينة وما أثر عن الصحابة، وكان يجمع بين مذهب أهل الرأى وأهل الحديث فى الاستدلال الفقهى.

ويوجد بالذيل (إسعاف المبطأ برجال الموطأ) للإمام السيوطى.

رابط كتاب المنهاج فى موقع التراث

 

 

أسرة التحرير

 

ملحوظة: لتحميل كتاب من موقع التراث؛ يتم تنزيل جميع الملفات المضغوطة (rar files) الخاصة بالكتاب ثم توضع معا فى نفس الفولدر ولا يتم تغيير أسمائها أبدا ثم بفتح أى ملف منها وعندها يمكن أن تجد الكتاب والذى يكون أما ملف واحد أو عدة ملفات من طراز (pdf) فيتم نقلها إلى خارج الملف المضغوط فى فولدر واحد أيضا ولا يتم تغيير أسمائها أبدا ثم تفتح باستعمال برنامج قراءة الأكروبات

 

 

 

أماجد العلماء

الحمد لله الذى اختص العلماء بوراثه الانبياء والتخلق باخلاقهم وجعلهم القدوه للكافه، فقد ضل كثير من الناس وابتعدوا عن هدى الحبيب عندما تركوا الاخذ عن اكابر علماء هذه الامه وادمنوا الاخذ من الاصاغر ففارقوا ما كان عليه سلفهم الصالح وما استقرت عليه أمة المسلمين عقودا وقرونا.

قال : (لازال الناس بخير ما اخذوا العلم عن اكابرهم، فاذا اخذوا العلم عن اصاغرهم هلكوا)، وقال : (ان هذا الدين علم، فانظروا عمن تاخذون)، وقال : (اذا قبض العلماء اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا، ولا حول ولا قوه الا بالله).

ويقول السيد فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبد البرهانى :

ولإن سُئلتم ما الكتاب فانه     مما رواه أماجد الأعلام

 والمجمع عليه عند الساده العلماء ان الواحد منهم لا ينتقص كلام سيدنا رسول الله  ولا يحكم بوضعه ولا يضعفه ولايقدح فيه الا اذا كان فى يده سند من آيات كتاب الله او سنه نبيه عليه افضل الصلاه وازكى السلام, ومنذ بدايه القرن الاول الهجرى والثانى والثالث والرابع وحتى يومنا هذا تولى ساداتنا من اماجد العلماء رضوان الله عليهم الحفاظ على تراث ديننا الحنيف كما احب واراد فكانت الاحاديث الصحيحة والتفاسير الصادقه واحداث التاريخ من بدايه الرساله المحمديه مع تسلسلها التاريخى إلى يومنا هذا محفوظه ومسنده بكل امانه وصدق، ومن هؤلاء الساده العلماء الاجلاء ومع سيرته الطيبه كان:

 

الإمام مالك بن أنس

نسبه:

هو الإمام المتق الثقة إمام اهل السنة والجماعة أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو بن حارث من ملوك اليمن, الحميرى ثم الأصبحى, المدنى. وأمه هى العالية وقيل الغالية بنت الشريك الأزدية. ومالك جد الإمام من كبار التابعين وكان من أفاضل الناس وأحد الأربعة الذين حملوا عثمان بن عفان ومات سنة اثنتى وعشر ومائة. ولد للإمام أربعة أبناء وبنت هى أم البهاء وكانت ممن يحفظون علمه. وكان رجلا مهيبا طويلا فارعا أشقر، أبيض الوجه، واسع العينين أزرقهما، أشم الأنف، كبير اللحية، مفتول الشارب.

مولده ونشأته:

ولد مالك بن أنس فى ربيع الأول سنة 93 هـ بذى المروة، نزل أولا بالعقيق ثم نزل المدينة المنورة. ونشأ مالك فى بيت اشتغل بعلم الحديث. وكان أكثرهم عناية عمه نافع المكنى بـ "أبى سهيل", وكان أخوه النضر مشتغلا بالعلم ملازما للعلماء حتى أن مالك كان يكنى بأخى النضر لشهرة أخيه. بدأ مالك يطلب العلم صغيرا تحت تأثير البيئة التى نشأ فيها وتبعا لتوجيه أمه له، ويقول الإمام مالك "حينما بلغت سن التعليم جاءت عمتى وقالت: إذهب فاكتب (تريد الحديث)".

ففى نحو العاشرة، كان قد حفظ القرآن وبعض الأحاديث، عندما دفعته أمه إلى مسجد رسول الله ليتلقى العلم، بعد أن استحم وطيبته وألبسته احسن ثياب وعممته واختارت له حلقة "ربيعة" من بين سبعين حلقة تلتف حول أعمدة المسجد النبوى، وكان "ربيعة" هو حينذاك اكبر فقيه يجتهد رأيه ليستنبط الحكم عندما لا يجده فى نص قطعى الدلالة.

وقد كانت هذه عادة مالك طيلة حياته أن يستحم ويتطيب ويلبس خير ثيابه كلما جلس يتعلم أو يعلم. ومنذ ذلك اليوم من أوائل القرن الثانى للهجرة أخذ مالك نفسه بالمشقة فى طلب العلم، ولكنه لم يعكف على ربيعة وحده، فقد تنقل بين حلقات الفقهاء فى المعارف المختلفة، وما كان يكتفى بما يتعلم فى المسجد بل يلتمس الشيوخ فى دروهم يستزيد من علمهم ويصبر على ما فى بعضهم من حدة، وكان مالك إذا جلس ليستمع للأحاديث وهو صبى يحمل معه خيطا فيعقد مع كل حديث عقدة، حتى إذا كان آخر النهار، أعاد على نفسه الأحاديث وعد العقد، فإن وجد نفسه قد نسى شيئا قرع باب الشيخ الذى سمع منه الأحاديث فيحفظ منه ما نسى.

انقطع مالك لطلب العلم، ومات عائله وشب وأصبح عليه أن يعول نفسه وزوجته وبنته، وكانت له تجارة بأربعمائة دينار ورثها عن أبيه. ولكنه كان مشغولا عنها بطلب العلم فكسدت، واضطر أن يبيع خشبا من سقف بيته ليعيش هو وأسرته بثمنه، وبدأ مناشدة الحاكمين أن يمكنوا أهل العلم من التفرغ للعلم، وأن يجروا عليهم رواتب تكفل لهم الحياة الكريمة، والتقى به فى تلك الفترة طالب عالم شاب من أهل مصر هو الليث بن سعد، وصارت بينهما صداقة، ولاحظ الليث بن سعد أن صديقه. على الرغم من أناقة ثيابه ونظافتها وطيبها، فقير جهد الفقر، وإن كان ليدارى فقره تعففا وإباء، وكان الليث واسع الغنى، فمنح صاحبه مالا كثيرا وأقسم عليه أن يقبله. ثم عاد إلى مصر وظل يصل صاحبه بالهدايا وبالمال، حتى أصلح الله حال مالك ووجد من الخلفاء من يستجيب إلى ندائه بإجراء الرواتب على أهل العلم. وقد سئل مالك عن ذلك فقال "لا يبلغ أحد ما يريد من هذا العلم حتى يضر به الفقر ويؤثره على كل حال. ومن طلب هذا الأمر صبر عليه".

وقد لازم مالك فى بداياته ابن هرمز المتوفى سنة 148 هـ سبع سنين حتى كان يقول "كنت آتى ابن هرمز من بكرة فما أخرج من بيته حتى الليل". وبعد ذلك اتجه مالك إلى نافع مولى ابن عمر فجالسه وأخذ عنه علما كثيرا وكانت أصح الأحاديث هى المروية عن مالك عن نافع عن ابن عمر. كما أخذ مالك عن ابن شهاب الزهرى وهو أول من دون الحديث ومن أشهر شيوخ المدينة المنورة. كما أخذ عن الإمام جعفر الصادق من آل البيت وأخرج له فى موطأه 9 أحاديث. كذلك روى عن كثيرين. وقد بلغ عدد شيوخه على ما قيل 300 من التابعين و600 من أتباع التابعين.

وكان الإمام مالك عاشق لمدينة رسول الله ولقد عاش فيها لم يبرحها قط إلا لحج أو عمرة، كان يجد فيها نفحات علوية من أنفاس الرسول. وكان أهل المدينة يتوارثون سنته الشريفة فى القول والعمل، حتى لقد صح عند الإمام مالك أن عمل أهل المدينة فى عصره سنة مؤكدة، واعتبره عند الفتيا من أحاديث الآحاد. وكان مالك يكاد يحمل للمدينة من التعظيم ما يحمله للرسول نفسه. وحكى الشافعى أنه رأى على باب مالك هدايا من خيل خراسانية وبغال مصرية فقال الشافعى "ما احسن هذه الأفراس والبغال" فقال مالك "هى لك فخذها جميعا" قال الشافعى "ألا تبقى لك منها دابة تركبها؟" قال مالك: "إنى لأستحى من الله تعالى أن أطأ تربة فيها رسول الله بحافر دابة."

وكان مالك يكره الجدل ولقد صد عنه هارون الرشيد عندما لقيه فى المدينة وطلب منه أن يناظر أبا يوسف صاحب أبى حنيفة، فقال مالك مغضبا "إن العلم ليس كالتحريش بين البهائم والديكة" وكان يعتقد أن الجدال فى الدين مفسدة للدين. وسئل "رجل له علم بالسنة ألا يجادل عنها؟" فقال "يخبر بالسنة فان قُبِل منه، وإلا سكت". وقد قال مالك: "الكلام فى الدين أكرهه وأنهى عنه ولم يزل أهل بلدنا (المدينة) يكرهونه وينهون عنه". ولقد أطلق مالك على أصحاب الكلام فى العقائد والجبر ونحو ذلك "أصحاب بدع".

جلوسه للفتوى:

تحلق الناس عنده لطلب العلم وهو ابن سبع عشرة سنة ولم يفتى إلا بعدما استشار سبعين عالما من علماء المدينة وهو ابن اربعين سنة. وكان مالك قد اختلف مع أستاذه ربيعة، فرأى أن يستقل بحلقة، غير أنه لم يفعل إلا بعد أن طاف على سبعين من أصحاب الحلقات والشيوخ فى المسجد النبوى، يعرض عليهم فقهه، ويستأذنهم فى أن يجلس ليعلم الناس فأجازوه.

وكان الإمام مالك يغدق على الفقراء من طلاب العلم، وكان يحرص على طعام حسن وثياب أنيقة بيضاء من خير ما تنتجه مصر وخرسان وعدن. وقال أحد تلاميذه:"إنه كان عندما انتقل درسه إلى بيته، إذا أتاه الناس تخرج لهم الجارية فتقول لهم: يقول لكم الشيخ أتريدون الحديث أم المسائل؟ فإن قالوا المسائل خرج إليهم فأفتاهم، وإن قالوا الحديث قالت لهم اجلسوا، ودخل مغسله فاغتسل وتطيب، ولبس ثيابا جددا وتعمم، فيخرج إليهم وقد لبس وتطيب وعليه الخشوع، ويوضع عود فلا يزال يبخر حتى يفرغ من حديث رسول الله . وكان من توقيره للعلم لا يحدث إلا على طهارة ولا يحدث أو يكتب حديثا واقفا.

تحريه فى العلم والفتوى:

يروى عن النبى من حديث أبى هريرة أنه قال (ليضربن الناس أكباد الإبل فى طلب العلم, فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة) وقال غير واحد بأنه مالك بن أنس.

ولهذا كان يتحرى تحريا عظيما فى الفتوى عند التحمل وعند الأداء فكان يسأل فى العدد الكثير من المسائل ولا يجيب إلا فى القليل وكان يفكر فى المسألة سنين فما يتفق فيها رأى. وكثيرا ما كان يتبع فتواه بالآية الكريمة ﴿إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين﴾ الجاثية 32. وكان لا يحدث إلا عن ثقة وكان إذا شك فى الحديث طرحه. ولقد عاتبه بعض تلاميذه على تحرجه فى الفتوى، فاستعبر وبكى وهو يقول: إنى أخاف أن يكون لى منها يوم وأى يوم. وقال يوما لأحد تلاميذه ليس فى العلم شيئ خفيف. أما سمعت قول الله تعالى ﴿إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ المزمل 6. فالعلم كله ثقيل وخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة".

ولقد عاتبه بعض الناس فى عنايته الفائقة بأثاث البيت، وبملبسه ومأكله فقال: "أما البيت فهو نسب الإنسان. ثم إنى لا أحب لامرئ أنعم الله عليه ألا يرى أثر نعمته وخاصة أهل العلم".

وكان راغبا عن مصاولة الحكام وإن كانوا ظالمين حتى لقد أفتى بوجوب الطاعة للحاكم حتى إن كان ظالما. وآثر الحياد، وترك السياسة، على أن السياسة لم تتركه ولم ينفعه حياد، فقد كان يشرح فى المسجد الحديث الشريف (ليس على مستكره يمين) ويبين للناس أن من طلق مكرها لا يقع منه طلاق، فإذ بأحد أحفاد الحسن بن على وهو محمد النفس الزكية، يثور على الخليفة المنصور، لأنه أخذ البيعة لنفسه قسرا فبايعه الناس مستكرهين. وإذ ببعض الناس فى المدينة ينتقض بيعته للمنصور وينضم لمحمد النفس الزكية إعمالا لهذا الحديث وتطبيقا للسنة. فأرسل والى المدينة إلى الإمام مالك أن يكف عن هذا الحديث، لأنه يحرض على الثورة ونقض البيعة، ولكن الإمام مالك أبى أن يكتم العلم، وأطلق الحكم الذى جاء به الحديث على كل صور الإكراه فى المعاملات والحياة، فأمر والى المدينة رجاله فضربوا مالكا أسواطا، وجروه فانخلع كتفه، ثم حبسوه فى داره، لا يقابل أحد. وفزع الناس فى المدينة وثار سخطهم على الوالى والخليفة نفسه وغضب الفقهاء والعلماء من كل الأمصار والأقطار. لأنه يلتزم الحياد، وينأى عن السياسة. فلما قمع المنصور ثورة النفس الزكية استقدم مالكا ليسترضيه ولكن مالكا لم يقم ولم يبرح محبسه فى منزله، فأمر المنصور والى المدينة فأطلق سراح مالك. ثم جاء المنصور بنفسه من العراق إلى الحجاز فى موسم الحج، واستقبل الإمام مالك واعتذر له. ثم أمر أن ينزل بوالى المدينة عقوبة أضعاف ما نال الإمام مالك. فقال الإمام مالك "عافى الله أمير المؤمنين وأكرم مثواه فقد عفوت عنه لقرابته من رسول الله ومنك". وعلى الرغم من أن المنصور أخبر مالك بأن يكتب له فى أى وقت عمن يخطئ من الولاة، إلا أنه لم يكتب له، بل اكتفى بتوجيه النصح والموعظة الحسنة إلى هؤلاء الولاة.

وقد طلب الخليفة المنصور من الإمام مالك أن يضع كتابا يتضمن أحاديث الرسول وأقضية الصحابة وأثارهم، ليكون قانون تطبقه الدولة فى كل أقطارها بدلا من خلافات المجتهدين والقضاة والفقهاء. وكانت هذه هى مشورة ابن المقفع الكاتب. فحاول مالك أن يعتذر عن المهمة ولكن المنصور ألح، وقال له "لا أحد اليوم أعلم منك" وأصر قائلا "أما أهل العراق فلا أقبل منهم، فالعلم علم أهل المدينة". واقتنع مالك برأى الخليفة، ليجتمع المجتهدون والفقهاء والقضاة على رأى واحد، وانقطع الإمام عاكفا على إعداد الكتاب وأخذ يكتب وينقح ويحذف أضعاف ما يثبت، وينقح ما يثبت وأسمى كتابه الموطأ، والموطأ لغة هو المنقح.

ولبث ينقح فى الكتاب سنين عددا، وخلال تلك السنين أخرج منافسوه من علماء المدينة كتبا كثيرة فى الأحاديث وآثار الصحابة أسموها الموطأت، وأخبروا بها الإمام فقال: "لا يرتفع إلا ما أريد به وجه الله". وبالفعل فقد اختفت تلك الكتب ولم يسمع بشيئ منها بعد ذلك. أما كتاب الموطأ فقد أنجزه الإمام مالك بعد أن قضى المنصور وجاء بعده خليفة وخليفة ثم جاء هارون الرشيد فأراد أن يعلق كتاب الموطأ فى الكعبة ولكن الإمام مالك أبى. وقد أخذ الإمام عن خلق كثير وهم مذكورون فى الموطأ. ونُقِل عنه أنه قال "عرضت كتابى هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة، فكلهم واطَأَنِى عليه، فسميته الموطأ".

وقد عرف الإمام كل آثار الصحابة إلا فقه الإمام على بن أبى طالب، إذ صادره الأمويين وحجبوه، وطارده العباسيون. غير أن ذلك الفقه كان فى حدود آل البيت وشيعتهم، وفى كتب يتداولونها خفية.

ولقد أتيح للإمام مالك أن يجلس إلى الإمام جعفر الصادق، وحمل تقديرا عظيما له. وفى الحق أن الإمام مالك قد أفاد من صحبة الإمام جعفر الصادق وأخذ منه الاعتماد على العقل فيما لم يرد فيه نص غير أنه أسماه بالاستحسان أو المصلحة المرسلة. وكما أعطى أعمال العقل لفقه الإمام الصادق ثراء وتجددا، فقد أثرى الفقه المالكى باعتماد المصلحة أساسا للحكم حيث لا نص.

ويقول الإمام مالك عن علاقته بالإمام جعفر الصادق "كنت آتى جعفر بن محمد، وكان كثير المزاح والتبسم فإذا ذكر عنده النبى أخضر وأصفر. ولقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصليا وإما صائما وإما يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدث عن رسول الله إلا على الطهارة ولا يتكلم فيما لا يعنيه. وكان من العلماء الزهاد العباد الذين يخشون الله. وما رأيته قط إلا يخرج الوسادة من تحته ويجعلها تحتى". كما أخذ من أبيه الإمام محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب. ولزم مالك مجلس الإمام محمد الباقر وابنه الإمام جعفر وتعلم منهما.

الإمام مالك لم ينافق الخلفاء، وإذا كان لم يجهر بالاحتجاج على مظالمهم، فقد اختار أن يوجه إليهم الموعظة الحسنة كلما اقتضى، وأنكر عليه أحد تلاميذه أنه يتصل بالأمراء وبالخلفاء لأنهم ظالمون وما ينبغى أن يتصل بهم رجل صالح كالإمام مالك، فرد مالك "حق على كل مسلم أو رجل جعل الله فى صدره شيئا من العلم والفقه أن يدخل على ذى سلطان يأمره بالخير وينهاه عن الشر". وعندما ألح عليه تلاميذه فى إنكار علاقاته بالخلفاء والأمراء قال "لولا أنى آتيتهم؛ ما رأيت للنبى فى هذه المدينة سنة معمول بها". وكان يسر النصيحة إلى ولى الأمر بحيث لا يحرجه أمام الرعية ويصوغها بحيث تقع موقعا حسنا. فقد رأى أحدهم يذهب إلى الحج فى موكب فخيم وإسراف الترف باد عليه فقال له "كان عمر بن الخطاب على فضله ينفخ النار تحت القدر حتى يخرج الدخان من لحيته وقد رضى الناس منك بدون هذا". وقال لآخر "افتقد أمور الرعية، فإنك مسئول عنهم، فإن عمر بن الخطاب قال والذى نفسى بيده لو هلك جمل بشاطئ الفرات ضياعا لظننت أن الله يسألنى عنه يوم القيامة". وكتب لخليفة آخر "أحذر يوما لا ينجيك فيه إلا عملك وليكن لك أسوة بمن قد مضى من سلفك وعليك بتقوى الله."

وكان أحد الولاة يزور الإمام مالك بن أنس فى بيته، ويسأله النصيحة، فأثنى على الوالى بعض الحاضرين، فغضب مالك، وكان بعيد الغضب، وصاح فى الوالى، وقلما كان يصيح "إياك أن يغرك هؤلاء بثنائهم عليك، فإن من أثنى عليك وقال فيك من الخير ما ليس فيك، أوشك أن يقول فيك، من الشر ما ليس فيك، إنك أنت أعرف بنفسك منهم، ولقد قال رسول الله (احثوا التراب فى وجوه المداحين).

شهادة أهل العلم له بالإمامة وثناؤهم عليه:

· قال ابن هرمز "ادعيه, فإنه عالم النّاس". وقال ابن شهاب "أنت من أوعية العلم". قيل لأبى الأسود: من للرأى بعد ربيعة بالمدينة؟ قال "الغلام الأصبحى (مالك)".

· وقال سفيان بن عيينة "ما نحن عند مالك؟ إنما نحن نتبع آثار مالك". وقال أيضا "ما أرى المدينة إلا ستخرب بعد مالك". وقال كذلك "مالك سيد أهل المدينة". وقال أيضا "مالك سيد المسلمين".

· وقال الشافعى "إذا جاء الخبر فمالك النجم". وقال أيضا "مالك بن أنس معلمى وما أحد أمنّ على من مالك, وعنه أخذنا العلم وإنما أنا غلام من غلمان مالك". وقال كذلك "مالك وسفيان قرينان، ومالك النجم الثاقب الذى لا يلحق".

· وقال الأوزاعى "رأيت رجلا عالما(يقصد مالك)". وقال أبو يوسف "ما رأيت أعلم من ثلاث: مالك وأبى ليلى وأبى حنيفة". وقال الليث "علم مالك تقى, علم مالك نقى, مالك أمان لمن أخذ عنه من الأنام". وقال ابن المبارك "لو قيل لى اختر للأمة إماما, لأخترت مالكا".

· وقال يحى بن سعيد "مالك أمير المؤمنين فى الحديث". وقال أيضا "مالك هو أعلى أصحاب الزهرى, وأوثقهم وأثبت الناس فى كل شيئ". وقال "مالك نجم الحديث المتوقف عن الضعفاء, الناقل عن أولاد المهاجرين والانصار".

· وقال النسائى "أمناء الله على وحيه: شعبة, ومالك, ويحى بن سعيد القطان, ما أحد عندى أفضل بعد التابعين من مالك ولا أجل منه ولا أحد آمن على الحديث منه". وقال أحمد بن حنبل "مالك أحسن حديثا عن الزهرى من ابن عيينة, ومالك أثبت الناس فى الزهرى".

تلاميذه:

كان أكثر الأئمة الذين ظهروا فى عصر الإمام مالك تلامذة له، وقد كان تلاميذه من شتى بقاع الأرض لا يعدون ولا يحصون والذى ساعده على ذلك أنه كان مقيماً بالمدينة المنورة وكان الحجاج يذهبون لزيارة مسجد الرسول فيجلسون نحوه يتعلمون منه العلم، فمنهم من كان يطول به المقام عنده ومنهم من كان يقصر به المقام. والذى جعل أيضاً تلاميذ الإمام مالك كثيرين أن مالكاً كان معمراً فلقد عاش نحو تسعين عاماً. وأحصى الذهبى ما يزيد عن ألف وأربعمائة تلميذا.

مؤلفاته:

· "الموطأ" وهو أهم مؤلفاته وأجل آثاره الذى كتبه بيده حيث اشتغل فى تاليفه ما يقرب من 40 سنة. وهو الكتاب الذى طبقت شهرته الآفاق واعترف الأئمة له بالسبق على كل كتب الحديث فى عهده وبعد عهده. فقال الإمام الشافعى "ما ظهر على الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك"، وفى رواية "أكثر صوابا" وفى رواية "أنفع". وقال البخارى "أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر"، وكان البخارى يسمى هذا الإسناد بسلسلة الذهب، وكثيرا ما ورد هذا الإسناد فى الموطأ. وقال القاضى أبو بكر بن العربى فى شرح الترمذى "الموطأ هو الأصل واللباب وكتاب البخارى هو الأصل الثانى فى هذا الباب، وعليهما بنى الجميع كمسلم والترمذى".

· "الرد على القدرى" و"رسالة فى القدر" و"كتاب النجوم والحساب مدار الزمن" و"رسالة فى الأقضية" فى 10 أجزاء. و"تفسير غريب القرآن". ومجموعة رسائل فقهية رويت عنه بلغت نحو 36 ألف مسألة، وسميت بـ"المدونة الكبرى".

وفاته:

بعد حياة عريضة حافلة توفى مالك بن أنس فى ربيع الأول سنة 179 هـ الموافق 795م وهو فى نحو السادسة والثمانين، حيث صلى عليه أمير المدينة عبد الله بن محمد بن إبراهيم العباسي وشيع جنازته واشترك فى حمل نعشه ودفن فى البقيع. قال الشافعى "قالت لى عمتى ونحن بمكة: رأيت فى هذه الليلة عجبًا، فقلت لها: وما هو؟ قالت: رأيت كأن قائلاً يقول: مات الليلة أعلم أهل الأرض. قال الشافعى: فحسبنا ذلك، فإذا هو يوم مات مالك بن أنس".

انتشار المذهب المالكى:

يعتبر المذهب المالكى هو الغالب فى بلاد المغرب العربي والإمارات والبحرين، والأردن، والكويت، والسودان وصعيد مصر، والمنطقة الجنوبية من إيران ووسط وغرب أفريقيا ويبلغ عدد أتباعه فى العالم أكثر من 150 مليون تقريباً.

 

ع. صلاح