يحاول بعض الناس إما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

 

 

أليس لكل أجل كتاب؟

 

أليس لكل أجل كتاب؟ فهل تنقص الاعمار او تزيد؟ وكل شيئ معلوم عند الله فلا يتغير ولا يتبدل. فكيف يدعى أحدهم بأن يطيل الله فى عمر أحد؟

نقول وبالله التوفيق: يقول المولى تبارك وتعالى ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ • يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ الرعد 38-39.

ومن هنا يفهم الكثيرون من المسلمين أن الآجل لا تزيد ولا تنقص ولكن الحقيقة عند أصحاب العلم من الأئمة الكرام رضوان الله عليهم ونسوق اليك من التفاسير تفسير ابن عجيبة وهو يعرض لنا كلام الأئمة أيضا:

﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ • يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ ﴿لكل أجلٍ﴾ من آجال بنى آدم وغيرهم، ﴿كتابٌ﴾ يُكتب فيه وقت موته، وانتقاله من الدنيا.

﴿يمحو الله ما يشاء﴾ من ديوان الأحياء، فيكتب فى الأموات، ﴿ويُثبتُ﴾ من لا يموت. قيل: إن هذا الكتاب يُكتب ليلة القدر، أو ليلة النصف من شعبان، ويجمع بينهما بأن الكتابة تقع ليلة النصف، وإبرازه للملائكة ليلة القدر، ﴿وعنده أُمُّ الكتاب﴾ أى: الأصل المنسوخ منه كتب الآجال، وهو اللوح المحفوظ، أو العلم القديم. وهذا التفسير يناسب اقتراح الآيات؛ لأنهم إذا أجيبوا بظهور الآية ولم يؤمنوا، عوجلوا بالهلاك، وذلك له كتاب محدود. قال الورتجبى: بيَّن الحق سبحانه أن أوان إتيان الآية بأجل معلوم فى وقت معروف، بقوله ﴿لكل أجل كتاب﴾ أى: لكل مقدور فى الأزل فى قضية مرادة وقت معلوم فى علم الله، لا يأتى إلا فى وقته. هـ.

أو ﴿لكل أجل﴾ أى: عصر وزمان، ﴿كتاب﴾ فيه شريعة مخصوصة على ما يقتضيه استصلاحهم. ﴿يمحو الله ما يشاء﴾ ينسخ ما يستصوب نسخه من الشرائع، ﴿ويُثبتُ﴾ ما تقتضى الحكمة عدم نسخه. ﴿وعنده أم الكتاب﴾ وهو: اللوح المحفوظ؛ فإنه جامع للكائنات. وهذا يترتب على قوله ﴿ومن الأحزاب من ينكر بعضه﴾ وهو ما لا يوافق شريعتهم. قال سيدى عبد الرحمن الفاسى ﴿يمحو الله ما يشاء﴾ ما يستصوب نسخه، ﴿ويُثبت﴾ ما تقتضيه حكمته، فلا ينكر مخالفته للشرائع فى بعض الأحكام مع موافقته للحكم، وهو الأصول الثابتة فى أصول الشرائع، ولذا قال ﴿وعنده أمُّ الكتاب﴾ أى: لا يبدل. هـ. وقريب منه للبيضاوى.

وقيل: إن المحو والإثبات عام فى جميع الأشياء. قال ابن جزى: وهذا ترده القاعدة المتقررة بأن القضاء والقدر لا يتبدل، وعلم الله لا يتغير. هـ. قلت: أما القضاء المبرم، وهو: علم الله القديم الذى استأثر الله به، فلا شك أنه لا يتبدل ولا يغير، وأما القضاء الذى يبرز إلى علم الخلائق من الملائكة وغيرهم، فيقع فيه المحو والإثبات، وذلك أن الحق تعالى قد يُطلعهم على بعض الأقضية، وهى عنده متوقفة على أسباب وشروط يخفيها عنهم بقهريته، ليظهر اختصاصه بالعلم الحقيقى، فإذا أراد الملائكة أن ينفذوا ذلك الأمر محاه الله تعالى، وأثبت ما عنده فى علم غيبه، وهو أُمُّ الكتاب، حتى قال بعضهم: إن اللوح المحفوظ له جهتان: جهة تلى عالَم الغيب، وفيه القضاء المبرم، وجهة تلى عالَم الشهادة، وفيه القضاء الذى يُرد ويُمْحى؛ لأنه قد تكتب فيه أمور، وهى متوقفة على شروط وأسباب فى علم الغيب، لم تظهر فى هذه الجهة التى تلى عَالَم الشهادة، فيقع فيها المحو والإثبات، وبهذا يندفع إشكالات كقوله فى الحديث: (لا يَرُدُ القَضَاءَ إلا الدُّعَاءُ، وصلة الرحم تزيد فى العُمُر).

وقول ابن مسعود وعمر : اللهم إن كنت كتبتنا فى ديوان الشقاء فامحنا، واكتبنا فى ديوان السعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت. هـ. أى: إن كنت أظهرت شقاوتنا فامحها، وأظهر سعادتنا؛ فإنك تمحو ما تشاء ... إلخ. وفى ابن عطية ما يشير إلى هذا، قال: وأصوب ما يفسر به أم الكتاب، أنه كتاب الأمور المجزومة التى سبق القضاء فيها بما هو كائن، وسبق ألا تبدل، ويبقى المحو والتثبيت فى الأمور التى سبق فى القضاء أن تبدل وتُمحى وتثبت. قال نحوه قتادة. هـ.

ومما يؤكد لنا أن الأعمار تزيد وتنقص قصة سيدنا الخضرمع سيدنا موسى حينما قتل الغلام معلّلا ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا • فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ الكهف 80-81.

وهنا رحمة من الله أن قتله قبل أن يكبر ويكفر أبواه فانظر يا أخى كيف أنقص الله عمره؟ وكذلك الرجل الذى كان فى زمن موسى فقال لسيدنا موسى كليم الله سل ربك يانبى الله عن عمرى فأخبره بذلك وقال له عن عمره فلما جا أجله، ولم تحدث له الوفاة فسأل سيدنا موسى ربه عن ذلك، فأجابه أن له أم يرعاها ويقوم على مصالحها ويبرها، فأمددنا له فى عمره وهذه قصة مشهورة.

ثم حديث المصطفى (من أحب أن يبسط له فى رزقه، وأن ينسأ له فى أثره، فليصل رحمه). وفى رواية أخرى (من سره أن يبسط له فى رزقه، وأن ينسأ له فى أثره، فليصل رحمه). البخارى الجزء الأول صفحة 86-87.

وأيضا فى الدعاء الوارد فى الصحيح عن سيد الخلق (لا يتمنين أحدكم الموت من ضر نزل به، فإن كنتم لا بد فاعلين فليقل: اللهم أحينا ما كانت الحياة خيرا لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيرا لنا) وهذا يفيد أيضا أنها تطول وتقصر.

﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِى كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ فاطر 11. صدق الله العظيم

اللهم امدد لنا فى أعمارنا ومتعنا بالصحة والعافيه واجعلهما فى سبيلك وذكرك وشكرك ورضاك والدعوة اليك وكل من اتبع هدى ما قلناه آمين.

وإلى العدد القادم بإذن الله تعالى وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين وآله وصحبه وسلم.

محمد مقبول