يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمين عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

هل التوسل نوع من الشرك بالله؟

 

كيف يكون ذلك وقد اورد المولى تبارك وتعالى فى كتابه العزيز ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِى سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ المائدة 35، فمما قاله ابن كثير وذلك اختصاراً للوقت: أى تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه.

والوسيلة: هى التى يتوصل بها إلى تحصيل المقصود، والوسيلة أيضًا: علم على أعلى منزلة فى الجنة، وهى منزلة رسول الله وداره فى الجنة، وهى أقرب أمكنة الجنة إلى العرش.

ويقول ابن عجيبة: ﴿وابتغوا إليه الوسيلة أى: اطلبوا ما تتوسلون به إلى رضوانه، والقرب من جناب قدسه من الطاعات، وترك المخالفات.

ويقول فى الإشارة: لا وسيلة أقرب من صحبة العارفين، والجلوس بين أيديهم وخدمتهم، والتزام طاعتهم، فمن رام وسيلة توصله إلى الحضرة غير هذه فهو جاهل بعلم الطريق، قال أبو عمرو الزجّاجى : لو أن رجلاً كشف له عن الغيب، ولا يكون له أستاذ لا يجىء منه شىء.

وقال إبراهيم بن شيبان : لو أن رجلاً جمع العلوم كلها، وصحب طوائف الناس، لا يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة، من شيخ أو إمام أو مؤدب ناصح، ومن لا يأخذ أدبه من آمر له وناهٍ يريه عيوبَ أعماله ورُعونات نفسه، لا يجوز الإقتداء به فى تصحيح المعاملات. أهـ.

وقال الشيخ أبو العباس المرسى : كل من لا يكون له فى هذا الطريق شيخ لا يفرح به، ولو كان وافر العقل منقاد النفس، واقتصر على ما يلقى إليه شيخ التعليم فقط، فلا يكمل كمال من تقيد بالشيخ المربى؛ لأن النفس أبدًا كثيفة الحجاب عظيمة الإشراك، فلابد من بقاء شىء من الرعونات فيها، ولايزول عنها ذلك بالكلية، إلا بالانقياد للغير والدخول تحت الحكم والقهر، وكذلك لو كان سبقت إليه من الله عناية وأخذه الحق إليه، وجذبه إلى حضرته، لا يؤهل للمشيخة، ولو بلغ ما بلغ، والحاصل: أن الوسيلة العظمى، والفتح الكبير، إنما هو فى التحكيم للشيخ، لأن الخضوع لمن هو من جنسك تأنفه النفس، ولا تخضع له إلا النفس المطمئنة، التى سبقت لها من الله العناية. والله تعالى أعلم.

بعد ذلك سوف يأتى لك من يقول لك الاية ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا الإسراء 56، 57.

ونقول لك ياأخى ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا محمد 24، اتركهم وشأنهم يا أخى فقد قفلت قلوبهم فلا ينفعهم الوعظ لأنهم أساءوا الأدب على الأولياء، وتدبر معى هداك الله لما يحب ويرضى، فالوسيلة الأولى غير الوسيلة الثانية فالوسيلة الأولى نحن مأمورين بها أما الثانية فمنهيين عنها، فالثانية وسيلة من دون الله جعلوهم آلهة من دون الله مثل الأصنام والملائكة والعزير وعيسى فهذا توسل باطل أما فى الآية الأولى، فالفارق كبير فى المعنى.

ومثال ذلك تجدهم يقولون ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ الآية ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الأنعام 153، ونقول لهم ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ البقرة 85، وكأنهم لم يمروا على آية تقول ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ العنكبوت 69، وآية أخرى تقول ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ إبراهيم 12، نفهم من ذلك أن الله تعالى نهانا عن سبل الضلال ووعدنا إن جاهدنا فيه أن يهدينا إلى سبل هدايته، جعله من نصيب المصدقين، آمين.

ننتقل بعد ذلك إلى البينات؛ إلى المذكرة التفصيلية للقرآن الكريم ألا وهى السنة النبوية المطهرة ألا وهو هدى حبيبنا وسيدنا محمد حيث وضح لنا كيف يكون التوسل وقبل أن نبدأ نتساءل ما معنى التوسل؟ كما جاء فى كتاب مفاهيم يجب أن تصحح للدكتور محمد علوى المالكى الحسنى نسباً إلى رسول الله خادم العلم الشريف بالبلد الحرام يقول:

أولاً: أن التوسل أحد الطرق إلى الدعاء وباب من أبواب التوجه إلى الله سبحانه وتعالى، فالمقصود الأصلى والحقيقى هو الله سبحانه وتعالى، والمتوسَّل به إنما هو واسطة ووسيلة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى ومن اعتقد غير ذلك فقد أشرك أهـ.

وأنبه القارىء إلى أنه يوجد مقالتين قيمتين وهما احذروا الواسطة، واحذروا الواسطة 2 بأرشيف المجلة تحت هذا الباب المسمى خُدعوا، تتحدثان عن الواسطة فمن المهم قراءتهما لاكتمال الموضوع وذلك لعدم الإعادة والإطالة.

وثانياً: أن المتوسل ما توسل بهذة الواسطة إلا لمحبته لها واعتقاده أن الله سبحانه يحبها، ولو ظهر خلاف ذلك لكان أبعد الناس عنها وأشد الناس كراهة لها.

وثالثاً: أن المتوسل لو اعتقد أن من توسل به ينفع ويضر بنفسه مثل الله أو دونه فقد أشرك أهـ.

ومن المتفق عليه أن التوسل بالعمل الصالح والدليل على حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار فتوسل أحدهم إلى الله ببره لوالديه، وتوسل الثانى بابتعاده عن الفاحشة بعد تمكنه من أسبابها، وتوسل الثالث بأمانته وحفظه لمال غيره وأدائه له كاملاً، وفرج الله عنهم ما هم فيه، ونقول وبالله التوفيق هم يستشهدون بهذا الحديث أن التوسل بالعمل الصالح وفقط، ونقول لهم أن التوسل بعمل كل واحد على حده كان لا يكفى لخروجه من الغار ولكن توسل الثلاثة مجتمعين أفادهم مجتمعين فلو أن واحد فيهم ليس له عمل على هذا الفهم لبقوا فى الغار ولَماَ خرجوا منه، إذاً عمل كل واحد منهم أفاد الآخر؛ أليس هذا توسل أو واسطة؟ فلماذا ينكرون التوسل؟

وماذا نقول فى الحديث المروى عن خير البرية صلوات ربى وسلامه عليه: حدثنا وكيع عن فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبى سعيد قال: من قال إذا خرج إلى الصلاة: اللهم إنى أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاى هذا لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة، خرجت ابتغاء مرضاتك واتقاء سخطك، أسألك أن تنقذنى من النار وأن تغفر لى ذنوبى، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أقبل الله عليه بوجهه حتى ينصرف، ووكل به سبعون ألف ملك يستغفرون له. جاء فى مسند ابن أبى شيبة، وكتاب الدعاء للطبرانى، ومسند ابن الجعد، وجمع الجوامع للسيوطى، وجامع الأصول من أحاديث الرسول ، وسنن ابن ماجة، واتحاف الخيرة المهرة، ومسند الإمام أحمد صاحب الشريعة، ومن العجيب أن من يقولون بأنه لا توسل إلا بالعمل الصالح يدعون أنهم حنابلة.

فالحبيب صلوات ربى وسلامه عليه يتوسل إلى الله تعالى بمن هم أدنى مرتبه منه وهو من هو؟ إنه سيد الخلق فلما هذا التكبر والعناد وتضييق رحمة الله تعالى؟ ألم تسمعوا بأن رحمة الله تعالى واسعة؟ وانظر أخى المسلم إلى جزاء من يدعوا بهذا الدعاء من الله، سبعون ألف ملك يستغفرون له، ونقول لهم أليست الملائكة من خلق الله تعالى؟ أليس العبد الصالح أعلى مرتبة من كثير من الملائكة؟ فلماذا لانتوسل به؟ أتكبر؟ أم عناد؟ أم هوى؟ أم دين آخر اخترعتموه؟

أعاذنا الله من هذا الإنكار والتخريب فى الدين بالهوى وجعلنا ممن يتبعون لايبتدعون آمين.

وإلى لقاء آخر لنستكمل موضوع التوسل والله الموفق والمعين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد مقبول