يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

 

 

إحذروا الواسطة !!

 

إحذروا الواسطة فإنها الشرك بالله وهو شرك واضح جلى يفعله القبوريون وفاسدى العقيدة ... هذا القول هو ما نسمعه فى هذه الأيام من الكثير من الناس باتباعهم الهوى ومخالفة النص أو اتباعهم من النصوص ما يروق لهم ويكون وفقاً لأهوائهم وقلوبهم المريضة، فنجدهم كثيراً ما يتخبطون بين الأمر ونقيضه، فنراهم ينهون الناس عن فعل أشياء، وفى ذات الوقت نرى كتبهم وأساتذتهم تُقرّها، وعلى سبيل المثال من هذه الأمور التى نرى كثيراً ممن يدعون أنهم حماة الإسلام والمحافظين على تعاليمه من البدع والخرافات، يقولون أنه ليس هناك واسطة بين العبد وربه، متمسكين بهذا القول لفهم عقيم لكتاب الله وسنة رسوله الحبيب المصطفى ، ويقولون بكل بساطة وهدوء بأن "احذروا الواسطة" ويرمون كل من يعتقد أو يقول بالواسطة بالشرك، غير عابئين بهذا القول الخطير الذى بمقتضاه يُخرجوا أناس من ملة الإسلام، وهؤلاء الأُناس يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ويعملون بها ويؤدوا أركان الإسلام الخمس كما أمر الله سبحانه وتعالى وحبيبه المصطفى ، فيُخرجوا مثل هؤلاء الأُناس من الملة تارة لمجرد أنهم فهموا آيةً أو حديثاً خطأً أو فَسَّروا القرآن الكريم بأهوائهم، وتارة أخرى لعدم إلمامهم بجميع النصوص القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، ولو نظرنا إلى كتبهم كما ذكرنا سابقا نراهم يعتمدون الواسطة ولا يقدروا أن ينكرونها، فتجد فى كتبهم مثلاً:

صلاة الاستسقاء: ومعنى الاستسقاء فى اللغة طلب السقيا من الله أو من الناس، فإذا احتاج أحد إلى الماء وطلبه من الآخر فإنه يقال لذلك الطلب: استسقاء، وأما معناه فى الشرع فهو: طلب سقى العباد من الله تعالى عند حاجتهم إلى الماء كما إذا كانوا فى موضع لا يكون لأهله أودية وأنهار وآبار يشربون منها ويسقون زرعهم ومواشيهم أو يكون لهم ذلك ولكن الماء لا يكفيهم.

وفى الحديث المروى فى السن الكبرى للإمام البيهقى عنه أنه قال (لَوْلاَ عِبَادٌ للهِ رُكَّعٌ وَصِبْيَةٌ رُضَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبًّا ثُمَّ لَتُرَضُّنَّ رَضًّا) فكان الاستسقاء بأن يخرج الشيوخ والأطفال والبهائم فى المقدمة، وذلك للحديث السابق لكى يستسقى الناس بهم، وكان الناس فى عهد الرسول يستسقون به ، وبعد انتقال رسول الله كانوا يستسقون بأقارب رسول الله ، وهذا ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بسيدنا العباس بن عبد المطلب عم النبى ، وقال سيدنا عمر بن الخطاب : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال فيسقون، وهذا ما أورده الإمام البخارى فى صحيحه فى باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء، ولا يختلف عليه أحد من هذه الأمة فى صحته، وفى هذا الحديث نص صريح على مشروعية التوسل وهذا عند قول سيدنا عمر بن الخطاب "وإنا نتوسل إليك بعم نبينا" فأين الذين ينكرون التوسل ويصدقون بهذا الحديث، ألهذا الحد يصل التناقض بالمرء فى نفسه، فينكر أفعالاً يُقر هو صحتها، وأيضاً هذا الحديث دليل صريح على وجود الواسطة بين العبد وربه، وإلا لكان الناس اتجهوا إلى الله صراحة دون التوسل بأحد، ولكن لكى يعلمنا سيدنا عمر بن الخطاب أن التوسل والواسطة من الأمور المشروعة منذ عهد رسول الله ، أتى بهذا الحديث ويقول "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا" ليعلمنا بمشروعية التوسل بالأنبياء وجعلهم واسطة بيننا وبين الحق سبحانه وتعالى، ويضيف بعد ذلك ويقول "وإنا نتوسل إليك بعم نبينا" ليعلمنا أيضاً بمشروعية التوسل بالأولياء من أمة الحبيب المصطفى وجعلهم واسطة بيننا وبين الحق سبحانه وتعالى، ولكن للأسف فأصحاب العقول المريضة الذين كانوا ينكرون التوسل والواسطة بالمرة ويقولون بشرك من أتى بمثل هذه الأفعال، بعد أن نمى إلى أسماعهم هذا الحديث الذى ذكرناه سابقاً وبعد أن دققوا فيه وبحثوا وراءه كى يضعفوه، فلم يجدوا لأنفسهم سبيلاً سوى الاعتراف به، وكما قال الإمام فخر الدين :

فَدَيْدَنُ أَهْلِ الزَّيْغِ فِى كُلِّ مِلَّةٍ         عُيُونُهُمُ غَانَتْ عَلَيْهَا الْقَرَائِحُ

فذهبوا إلى القول بشئ أخطر من إنكارهم قصة التوسل نفسه، وأثبتوا بهذا القول رسوخهم على العناد والإصرار فى إنكار التوسل والواسطة، أعاذنا الله جميعاً من هذا العناد والإصرار، وهو أنهم قالوا أن هذا الحديث يدل على التوسل بالأحياء فقط دون الأموات، وذلك لأن سيدنا عمر بن الخطاب توسل بسيدنا العباس بعد انتقال النبى ولم يتوسل بالنبى ، فمادام الإنسان انتقل فلا يجوز التوسل به، وللرد على زعمهم وإفكهم هذا، نرد بأمرين جليّين للأفهام واضحين لا مراء فيهما:

الأمر الأول:

أننا حينما نقول بالتوسل والواسطة، لا نفرق بين أفعال المُتوَسّل بهم حال الحياة وحال الممات، ولو سلمنا بغير ذلك، وقلنا بالتوسل حال حياتهم وفقط، لكان ذلك يعنى أن هؤلاء المتوسل بهم كانت بهم حال حياتهم قدرة مع الله يفعلون بها أشياء وانتفت عنهم حال الممات، وهذا عين الشرك والعياذ بالله، وإننا نقول فى الحالتين حالة التوسل بهم وهم أحياء أو التوسل بهم بعد الممات إنما القدرة الفعالة فى الحالتين من الله عز وجل فهو مَنَّ عليهم واصطفاهم وقربهم إليه فكانت المشروعية فى التوسل بهم دون غيرهم هو الاصطفاء والقربه من الله عز وجل، وكانت قدرة الله سبحانه وتعالى هى مشروعية التوسل بهم حال الحياة وحال الممات، فقدرة الله باقية أبد الدهر، ولا خلاف عليها، ومن يقول بغير هذا فقوله مردود عليه بصريح الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة. 

الأمر الثانى:

أن سيدنا عمر بن الخطاب لم يتوسل بسيدنا العباس فقط، بل توسل بعم النبى ، أى أدخل فى توسله سيدنا رسول الله ، رغم أن النبى كان قد انتقل فى ذلك الوقت وهذه القصة كانت أثناء خلافة سيدنا عمر بن الخطاب ، فقال سيدنا عمر بن الخطاب "وإنا نتوسل إليك بعم نبينا" فاللفظ واضح على إدخال النبى فى التوسل أيضاً.

وإذا تدبرنا هذا الأمر جيداً لوجدنا شيئاً آخر هام، وهو أن الذى قام بهذا الفعل من هو؟ هو الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب وهو من هو، فشهرته بين الخلفاء بل وبين صحابة رسول الله أجمعين بالحق وقيل سُمِّىَ بالفاروق لأن الله كان يفرق به بين الحق والباطل، وفى الحديث الذى رواه الإمام الطبرانى فى معجميه الكبير والأوسط عنه أنه قال (عمر معى وأنا معه والحق بعدى مع عمر حيث كان) ففى هذا الأمر إشارة لنا بأن من يعترض على هذا الأمر إنما هو جانبه الصواب، بل وأصبح يميل إلى جانب الباطل، أعاذنا الله والقارئين جميعاً من أن نركن للباطل أو نكون فى جانبه طرفة عين، وإلى عدد قادم نستكمل فيه الحديث عن قضية الواسطة إن شاء الله تعالى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

عصام