التآخى

 

بَنِىَّ كُفُّوا فَمَا كُفْرَانُ نِعْمَتِنَا     يُفِيدُكُمْ وَالتَّآخِى شُكْرُ نِعْمَتِنَا (35/51)

كان تدارس العدد السابق عن الحب وأحببنا فى هذا العدد أن يكون التدارس عن التآخى وهو ثمرة من أهم ثمار الحب، بل أعظمها بل هى ثمن النصر والانتصار.

بنى كفوا: خطاب من الأب الرحيم بأبنائه بالكف عن الكفران بالنعمة والانتهاء عنه وهذا الأمر فى غاية الأهمية إذا انتهينا عنه وفهمناه، وأمامنا تساؤل بداية، فماهى هذه النعمة وهل المقصود الكفران الصريح به أم ماذا؟

أولاً: النعمة من كتاب الله:

نعمتان:

النعمة الأولى: فى الدنيا ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ آل عمران 3: 103 فهذه نعمة المحبة بعد العداوة وفى ذلك يقول ابن كثير:

وهذا السياق فى شأن الأوْس والخَزْرَج، فإنه كانت بينهم حُروبٌ كثيرة فى الجاهلية، وعداوة شديدة وضغائن طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم، فلما جاء الله بالإسلام فدخل فيه من دخل منهم، صاروا إخوانا متحابين بجلال الله، متواصلين فى ذات الله، متعاونين على البر والتقوى، قال الله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ • وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ الأنفال 8: 62، 63 أ.ه

النعمة الثانية: فى الآخرة ﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾ آل عمران 3: 103 وهى النجاة فى الآخرة.

فالمحبة فى الدنيا نجاة فى الآخرة والعداء والعياذ بالله هلكة فى النار فى الآخرة، فلنحافظ على نعمة الحب فى الدنيا للفوز بالنجاة فى الآخرة، وفى بعض التفاسير مثل سيدى ابن عجيبة رضى الله على كل من ذكرناهم ونذكرهم من الأئمة يقول ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ التى من جملتها الهداية للإسلام المؤدِّى إلى التآلف وزوال الغِلِّ ﴿إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً﴾ فى الجاهلية، يقتل بعضُكم بعضاً ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾ بالإسلام، ﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ متحابين مجتمعين على الأخوة فى الله، قال (لا تَحَاسَدُوا، ولا تَبَاغَضُوا، ولا تَدَابَرُوا، وكُونُوا عبادَ الله إخْواناً، المسلمُ أَخُوا المسلمُ لا يَظْلِمُه ولا يَخْذُلُه).

ورُوى أن الأوس والخزرج كانوا أخَوَيْن، فوقع بين أولادهما العداوة، وتطاولت الحرب بينهما مائة وعشرين سنة، حتى أطفأها الله بالإسلام، وألف بينهم برسول الله - فنزلت فيهم هذه الآية.

فمنهج الإسلام نعمة ومنهج الطريقة نعمة، والطريقة تشمل الإسلام والإيمان والإحسان وقد وضع شيخنا منهجه المضمون فى قصائده وهنا نحاول أن نفهم شيئاً مهماً، فهل يوجد مسلماً يعترض على منهج الإسلام؟ ألف حاشا، وهل يوجد ابن طريق يعترض على منهج الطريقة؟ ألف ألف حاشا، فماهو الكفران إذاً؟

الموضوع هو أن المنهج ينادى بالحب والألفة والتآخى، وشكر النعمة يقتضى منا العمل بها بأن نتآخى ونحب بعضنا بعضاً ونتآلف ولا نتحاسد ولا نتباغض ولا نتجادل ونكون عباد الله إخواناً وعكس هذا يكون كفران بالنعمة أعاذنا الله منها.

ولتوضيح الموضوع أكثر نجد شيخنا يقول عن التدارس:

مَنْ يَطْرُقِ الْكَلِمَاتِ يَسْأَلُ مَدَّنَا     لَا يَلْقَى إِلَّا الرِّفْدَ وَهُوَ سَخَاءُ 

فالذى يتعرض لمعرفة معانى منهجه لايلقى إلا العطاء والسخاء وذلك بشروط:

إِذَا اجْتَمَعْتُمْ عَلَى حُبٍّ وَمَرْحَمَةٍ              فَأَيْقِنُوا الْوَصْلَ إِنَّ اللهَ مُعْطِينِى

وَتَجَمَّعُوا وَبِـــــــــــلَا عِنَادٍ كُـلَّمَا             غُمَّتْ مَعَانِيهَا لِأُعْطِىَ حَلَّــــــــهَا

وَخَزَائِنُ الْأَسْرَارِ أَعْـــــــرِفُ مَابِهَا               مَا ذَاقَ مِنْهَا مَنْ أَحَسَّ بِذَاتِهِ 

بعد ذلك قال :

فَعِيشُوا فِى رِحَابِ الرِّفْدِ شُكْرًا     لِتَنْجُوا مِنْ فُتُونٍ مُهْلِكَاتِ

اجعلوا هذه المعانى هى أعمالكم تتخلقون بها ووتتآخون بها فيكون تآخيكم هذا هو شكر النعمة، وما فائدة هذا الشكر؟ يكون بعده أن أمدّكم بالمعانى التى من شأنها أن تتآلفوا وتتحابوا سبباً للنجاة من الفتون المهلكة ثم يكون سبباً فى النصر على أعدى الأعداء وهم الهوى والدنيا والنفس والشيطان وبالتالى كل من سيطر عليه عدو من هذه الأعداء لاينتصر عليك أبداً بل ينصرك الله عليه حيث يقول شيخنا :

وَلَئِنْ شَكَرْتُمْ بَعْدَهَا لَأَزِيدَكُمْ     نَصْرًا فَإِنَّ النَّافِذَاتِ سِهَامِى

نصرنا الله تعالى وأيدنا بتأييده وأرضانا به أجمعين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وإلى اللقاء فى درة من درر شراب الوصل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 محمد مقبول