الصحابى الجليل:

عامر بن فهيرة

 

نزل الصحابة عند حكم مليكهم  سيدنا محمد فغنموا الاخرة وسبقت لهم البشرى فى الحياة الدنيا رفع الله ذكرهم مع حبيبهم وإمامهم بمحبتهم له وخدمتهم لدعوته الساطعة وكانت لهم الكرامات فى الدنيا ولهم المزيد فى الاخرة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فيعز بالنعمة أوليائه ويذل بالنقمة أعدائه ويصطفى إليه من يشاء من خلقه وينيب ويجعلهم نجوم الهداية وكان من هذه النجوم الصحابى الجليل ذو البشرة السمراء من المهاجرين السابقين الذين سبقت لهم الحسنى بالعناية الى محبة رحمة الله للعالمين الهادى الى صراط الله المستقيم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الهداة المهديين شهد بدرا وأحد وخدم الحبيب وخدم الصديق سيدنا ابو بكر وتشرف بشرف الخدمة فرفع الله قدره واعطاه صحبة الحبيب والصديق فى هجرتهم الى المدينة المنورة انه الصحابى الجليل سيدنا عامر بن فهيرة .

كان من المستضعفين فى الارض ومولى من الموالى ملكه الطفيل بن الحارث اخو أم المؤمنين السيدة عائشة لأمها السيدة ام رومان أسلم قديما قبل ان يدخل الرسول دار الأرقم بن أبى الأرقم فكان من السابقين فى الإسلام له الحظوة بالمحبة والرفعة بالخدمة أثنى الله عليه مع إخوانه من الصحب الكرام فى كتابه الكريم فقال ﴿وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِى اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ التوبة 9: 100.

كان الصحابى الجليل عامر بن فهيرة منذو دخل فى قلبه محبة رسول الله وآمن برسالته وصدق بدعوته يعذب عذابا شديدا بسبب أنه طهر قلبه من الاوثان وانشغل بعبادة الرحمن واتبع سبيل المحسنين وسلك طريق المحبين ورفع لواء الموحدين، فكان لا يبالى من عذابه شيئا حيث شأنه فى العذاب من اجل دعوة الحق شأن باقى إخوانه من الصحابة السابقين المحبين أمثال سيدنا بلال بن رباح وسيدنا عمار بن ياسر وزوجته السيدة سمية وأمثالهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

كان الألم يعتصر قلب سيدنا ابوبكر الصديق رفقا ولينا وشفقة على حال هذا المؤمن الموحد الذى لا يعذب على شىء الا انه قال ربى الله وشهد بنبوة النبى العدنان وتخلق بأخلاق القران، فتقدم الصديق الى مولاه لشرائه وأعتقه مع نفرا من الضعفاء قيل ستة او سبعة من خيرة الصحابة الكرام منهم  سيدنا عامر بن فهيرة ومنهم سيدنا بلال بن رباح فنزل الوحى بالثناء على فعل سيدنا ابوبكر بقوله تعالى ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى • إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى • وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ الليل 92: 19-21.

 ولما حانت الهجرة النبوية أختار النبى صاحبه الصديق سيدنا ابوبكر ليكون رفيقا له فى الهجرة فكان من شرف هذا الصحابى الجليل سيدنا عامر بن فهيرة انه نال شرف الهجرة مع الحبيب وصحبه الصديق ببركة محبته وخدمته لهما، ولما خرجوا من مكة نزلوا بغار ثور ثلاثة ليالى فكان سيدنا عبد الله ابن الصديق يحرسهم ويقوم على خدمتهم ليلا وذات النطاقين السيدة اسماء بنت الصديق تأتيهم بالطعام والاخبار نهارا وسيدنا عامر بن فهيرة يرعى الغنم على باب الغار وحوله نهارا ليعفى الاثار حول الغار وليكون فى خدمة الحبيب وصحبه ويحرسهم من عين الفجار حتى جاء موعد رحلة الهجرة النبوية.

وروى عن سيدنا ابن عباس ان النبى جلس فى الغار ثلاثة أيام يختلف إليهما بالطعام عامر بن فهيرة وعلى بن ابى طالب يجهزهما بالمطايا فاشترى ثلاثة أباعر من إبل البحرين واستأجر لهما دليلا فلما كانا فى بعض الليل من الليلة الثالثة أتاهم على بن ابى طالب بالإبل والدليل فركبوا وتوجهوا نحو المدينة.

ولما كانوا جميعا اثناء الطريق الى المدينة المنورة أراد سراقة بن مالك ان يلحق بهم فساخت فرسه فى الرمال فقام الفرس وأراد اللحوق بهم مرة أخرى فساخت الفرس فى الرمال حتى ثلاث مرات فعلم بظهور أمر النبى وعلو دعوته فطلب سراقة أن يكتب له الرسول كتاب أمن يكون له فأمر النبى سيدنا عامر بن فهيرة ان يكتب هذا الكتاب فكتبه فى رقعة من أديم مما يدل على ان سيدنا عامر بن فهيرة كان من كتاب رسول الله الماهرين.

ولما وصلوا المدينة المنورة كان سيدنا عامر بن فهيرة وسيدنا بلال بن رباح يقيمان مع سيدنا ابو بكر الصديق فى بيت واحد فأصابتهم جميعا الحمى فدخل النبى على سيدنا ابو بكر الصديق يعوده فقال (كيف تجدك يا أبا بكر؟) فقال الصديق :

كل امرئ مصبح فى أهله .... والموت أدنى من شراك نعله

 ودخل على عامر بن فهيرة فقال (كيف تجدك؟) فقال سيدنا عامر بن فهيرة :

إنى وجدت الموت قبل ذوقه .... إن الجبان حتفه من فوقه .... كالثور يحمى جلده بروقه

ودخل على بلالا فقال (كيف تجدك؟) فقال سيدنا بلال :

ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة .... بفخ وحولى إذخر وجليل

فقال رسول الله (اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة، وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة مثل ما دعاك لأهل مكة، اللهم بارك لنا فى صاعنا، وبارك لنا فى مدنا، وبارك لنا فى مدينتنا، اللهم حببها إلينا مثل ما حببت إلينا مكة أو أشد، وصححها وانقل وباءها وحماها إلى خم او إلى الجحفة).

وأخرج ابن أبى حاتم عن مقاتل فى قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ﴾ الحجرات 49: 11، قال: نزلت فى قوم من بنى تميم استهزأوا من بلال وسلمان وعمار وخباب وصهيب وعامر بن فهيرة وسالم مولى أبى حذيفة وأرضاهم اجمعين.

وحدث يوما بينه وبين سيدنا طلحة بن عبيد الله اجمعين شيئا فيما يحدث بين الاخوة والاحبة فيروى لنا سيدنا عبد الرحمن بن عوف فيقول: كلم طلحة بن عبيد الله عامر بن فهيرة بشىء، فقال النبى (مهلاً يا طلحة، إنه قد شهد بدراً كما شهدته، وخيركم خيركم لمواليهم). رواه الطبرانى.

وكان سيدنا عامر بن فهيرة من البدريين الذين  شهدوا بدرا والمشهور لأهل الفضل أن أهل بدر لهم السبق فى الفضل عن إخوانهم من سائر الصحابة الكرام، كما شهد عامر بن فهيرة غزوة أحد ثم واصل مسيره فى خدمة الصديق حتى جاء العام الرابع من الهجرة النبوية المشرفة.

فى العام الرابع من الهجرة وفى شهر صفر وبناءا على دعوة وإلحاح من أحد افراد قبيلة بنى سليم أرسل النبى سيدنا عامر بن فهيرة مع وفدا يتكون من سبعين شابا من شباب الصحابة الكرام يقال لهم القرآء الى أهل نجد وفى مكان يدعى بها بئر معونة ليعلموا أهل هذا الحى من قبائل بنى سليم وبنى عامر وغيرهم من القبائل أمور دينهم ويرشدوهم إلى طريق الهداية وكان هولاء السبعين شابا من الصحابة الكرام كانوا أجمعين على علم بعلوم الدعوة النبوية المطهرة ويحفظون القرآن الكريم متفقهين فى أمور دينهم لهم طهارة القلب ونقاء السريرة تملاء قلوبهم جميعا المحبة والفداء.

وفى بئر معونة وصل وفد الشباب السبعين الذين أرسلهم نبى الرحمة إلى أهل هذا الحى فوقفوا جميعا يتشاورون كعادتهم - فقال بعضهم لبعض أيكم يبلغ رسالة رسول الله أهل هذا الماء؟ فقال أحدهم وهو الصحابى الجليل حرام بن ملحان : أنا. فخرج بكتاب رسول الله إلى رجل منهم يقال له عامر بن الطفيل، فلما أتاهم حرام بن ملحان : لم ينظر عامر بن الطفيل فى كتاب رسول الله ، فقال حرام بن ملحان يا أهل بئر معونة إنى رسول رسول الله إليكم وإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فآمنوا بالله ورسوله فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح فضربه به فى جنبه حتى خرج من الشق الآخر فقال الصحابى الجليل حرام بن ملحان: الله أكبر فزت ورب الكعبة. ولم يكتفى عدو الله عامر بن الطفيل بقتل هذا الصحابى الجليل وهو رسول رسول الله إليهم إلا انه دعى قبائل الحى لقتل هذا الوفد الشبابى من خيرة الصحابة الكرام فأبوا بنى عامر أن يجيبوه الى طلبه وقالوا لا نخفر ذمة أبا براء وهو الداعى لزيارة وفد رسول الله إليهم وقد عقد لهم عقدا وجوارا، فذهب عامر بن الطفيل إلى قبائل بنى سليم وهم "عصية، ورعلا، وذكران"  فأجابوه فخرجوا حتى غشوا الصحابة فأحاطوا بهم فى رحالهم. فلما رأوهم أخذوا السيوف وعرفوا أنهم مقتولون، قالوا: اللهم، إنك تعلم إن رسولك أرسلنا، وإنا لا نجد من يبلغ عنا رسولك غيرك، فاقرئه منا السلام، فقد رضينا بحسن قضائك لنا. ولما ضرب سيدنا عامر بن فهيرة بالرمح ونفذ من ظهره إلى صدره قال فزت ورب الكعبة.

وفى المدينة المنورة نعاهم النبى لأصحابه، وقال (أرسل إخوانكم يقرأونكم السلام فاستغفروا لهم). وقيل نزل فيهم قرآنا كان يتلى ثم نسخ وهو [أن بلغوا قومنا إن قد لقينا ربنا فرضى عنا وأرضانا].

وورد ان النبى لمحبته لهولاء الشباب واهتمامه بهم حتى أنه دعا على قتلتهم فى الصلاة، وكانت سببا فى دعاء القنوت. فدعا النبى على قتلتهم خمسة عشر يوما فى صلاة الغداة. وفى رواية اخرى انه قد دعا على قتلتهم أربعين صباحا.

ولم ينجو من هذه المذبحة التى أصابت شبابا يحمل راية الاصلاح ويبغى نشر الفضيلة ومكارم الاخلاق إلا رجلان هما الصحابى الجليل كعب بن زيد فإنهم تركوه بين القتلى وبه رمق فعاش حتى قتل يوم الخندق ورجل آخر كان يراقب المكان وهو الصحابى الجليل عمرو بن أمية الضمرى أُخذ أسيرا.

ولما علم عامر بن الطفيل نسب هذا الاسير وقبيلته أعتقه وقال له: هل تعرف أصحابك القتلى؟ قال: نعم. فطاف فيهم وجعل يسأله عن أنسابهم فقال: هل تفقد منهم أحدا؟ فقال: أفقد مولى لأبى بكر الصديق يقال له عامر بن فهيرة . قال: كيف كان فيكم؟ قال: قلت: كان من أفضلنا ومن أول أصحاب نبينا إسلاما. قال: ألا أخبرك خبره؟ وأشار له إلى رجل فقال: هذا طعنه برمحه ثم انتزع الرمح فذهب بالرجل علوا فى السماء حتى والله ما أراه. فقال عمرو: فقلت: ذاك عامر بن فهيرة .

وروى ابن أسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه أن عامر بن الطفيل كان يقول: من الرجل منهم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه؟ قالوا: هو عامر بن فهيرة .

وكان الذى قتله رجل من كلاب يقال له: جبار بن سلمى، ذكر فقال: أنه لما طعنته سمعته يقول: فزت والله، فقلت فى نفسى: ما قوله فزت؟ فأتيت الضحاك بن سفيان الكلابى فأخبرته بما كان، وسألته عن قوله: فزت والله؟ قال: الجنة. وعرض على الإسلام، فأسلمت، ودعانى إلى الإسلام ما رأيت من مقتل عامر بن فهيرة، ومن رفعه إلى السماء علوا، قال: وكتب الضحاك إلى رسول الله بأن «الملائكة وارت جثته، وأنزل عليين».

وروى الزهرى فقال: وبلغنى أنهم لما دفنوا التمسوا جسد عامر بن فهيرة فلم يقدروا عليه، فيرون أن الملائكة دفنته. وقال عروة بن الزبير: لم يوجد جسد عامر بن فهيرة فيرون أن الملائكة هى التى وارته. وقيل رفع عامر بن فهيرة مولى أبى بكر الصديق والناس ينظرون.

فرضى الله عن سيدنا عامر بن فهيرة وعن سائر أهل بدر والصحابة وأهل البيت أجمعين وعن المعنى يقول الامام فخرالدين :

يا أهل بدر يا صحابة أحمد ......... من للقلوب شرابها والزاد

نزل الصحابة عند حكم مليكهم .... غنموا وكان الرفد والإرفاد

ابراهيم جعفر

 

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب

أسرة التحرير