نشرنا فى صفحات القواطع عن موضوع القواطع عن المهيمن من كتاب المرشد الوجيز، وها نحن فى هذا الباب نستكمل الموضوع بجوانب أخرى تكمله حتى تعم الفائدة:

 

 

النيل ... ما جاشى

 

سحبت كرسى إلى البلكونة، وقعدت أنظر إلى النيل، والمراكب تمشى فوقه، والشجر وهو بيميل على شطوطه، وتذكرت أغنية الفنان الكبير محمد عبد الوهاب، وقعدت أرددها النيل نجاشى ... النيل نجاشى، وفجأة سمعت صوت ينادى: بابا ... بابا ... أصحى الساعة 5، قمت جريت على الشباك أفتحه ... أتارى فى شارعنا النيل ما جاشى، طيب ييجى إزاى واحنا فى عين شمس؟ نيل إيه؟ واحنا عندنا بحر من البشر، أمواج من الناس فى كل اتجاه، ومراكب أكتر من اللى فى النيل أشكال وألوان ده نقل، ودى ملاكى، وده تاكسى، عربيات كارو، وعجل، وموتوسيكلات، ودق وخبط ليل ونهار، قلت لنفسى ما تنزل وتروح للنيل، وافتكرت ميعادى مع صديقى، فقلت لنفسى: العلم بحر واسع ودى مية والنيل مية ... لكن الفرق بينهم أن مية النيل بتيجى لحد البيت، إنما مية العلم لازم نروح لها زى ما قالوا "العلم يسعى إليه" إيه ياواد الحكم اللى نازله عليك دى؟ قال إيه النيل مية، والعلم مية و... ياخبر أبيض ... دا ربنا بيقول ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ الأنبياء 30، وأحسست أن دماغى لفت من حاجات دارت فيها، وخرجت من الباب بسرعة، ولحقتنى ابنتى وأنا على السلالم ... بابا ... بابا فقلت: نعم ... عاوزه إيه؟ عاوز ألحق ميعادى ... فقالت: حتروح الميعاد وانت لابس البيجامة؟ ونظرت لنفسى، ورجعت الشقة بسرعة، وغيرت هدومى، ولقيتها واقفة على الباب ماسكة الجزمة ... بلاش مخكم يروح لبعيد ... دى بنتى ماسكة الجزمة علشان ألبسها فى رجلى ... المهم رحت عند صديقى فوجدت مدرس اللغة سبقنى عنده، وبعد السلام والذى منه، قلت لصديقى: فيه سؤال محيرنى، فقال: استنى شوية، قبل ما تيجى كنا بنتكلم فى ... فقاطعه المدرس: أصل المرة اللى فاتت، ختم كلامه بكلام الشيخ: إِنَّ فِى التَّوْحِيدِ إِحْكَامُ الْمَثَانِى، لما رحت البيت قعدت أحاول أفهم الكلام ده ... دورت فى معانى الكلمات، ووصلت لمفهوم إن الشيخ بيقول: إن التوحيد ربط المثانى بإحكام شديد، و... فقاطعه صديقى: الشيخ لم يقل إن التوحيد إحكام المثانى، ولكن قال إن فى التوحيد ... خللى بالك من ... فى ... ماشى؟ يعنى إحكام المثانى من التوحيد وليست التوحيد، ربنا سبحانه وتعالى قال فى كتابه الكريم ﴿وَمِنْ كُلِّ شَىْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الذاريات 49، يبقى لما أربط كل زوجين ببعض أقول وحدت ... طبعاً لأ ... إنما إذا رجعت كل زوجين لأصلهم اللى هو الشىء ورجعت الشىء لأصله وهو الخالق يبقى تقريباً وحدت ... فقاطعته قائلاً: تقريباً؟ بقى بعد الأيام دى كلها والكلام ده كله، والواحد ماشى يكلم نفسه ... تيجى وتقوللى تقريباً؟ فقاطعنى المدرس قائلاً: إهدء ... هو حيتكلم لوحده، ونظر إليه وقال: إتفضل قول ... فرد صديقى: تعالوا نرجع بالكلام تانى ... أنتم فاكرين لما اتكلمنا عن سيدنا آدم ... نوضح شوية ... كل رجل وإمرأة من سيدنا آدم وستنا حواء مظبوط؟ فقلنا: مظبوط، فأشار إلىّ وقال: إنت ومراتك زوج، وهو ومراته زوج، وغيركم كثير، فالبشر نوع من المثانى المتجانسة، وعلشان ما تسألش يعنى جنسهم واحد وهو الإنسان، فرد المدرس قائلاً: يعنى أنت قصدك إن البشر كله نرده لسيدنا آدم يبقى ... فقاطعه صديقى: يبقى وحدنا الصورة البشرية فقط فى سيدنا آدم، سيدنا آدم إتخلق من إيه؟ من عناصر أربعة التراب والهواء والنار والماء، أدى نوع تانى من المثانى بس مش متجانس، ربنا سبحانه وتعالى قال فى كتابه العزيز ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا الأنبياء 30، مثانى تانى السموات والأرض، الليل والنهار، أشكال وأنواع كتير اللى نعرفه، واللى مانعرفوش، سيدنا آدم ذاته لما نرجعه لأصله حيبقى إتخلق من ماء ونار وهواء وتراب ومابقاش سيدنا آدم إلا لما نفخ فيه الروح، فكان سيدنا آدم واحد البشر، والجان واحد الجن ... أدى مثانى تانى ... مادام فيه مثانى، يبقى مفيش توحيد علشان كده الشيخ قال: إِنَّ فِى التَّوْحِيدِ إِحْكَامُ الْمَثَانِى، والكلام اللى أنا قلته حسب مفهومى، وفوق كل ذى علم عليم، فقلت له: والشيخ قال حاجة تانى فى التوحيد؟ فقال: قال تكملة للبيت:

عَالِمُ التَّوْحِيدِ بُغْيَتُهُ الْمَعَانِى  (65/1)

فرد المدرس: استنى ... يعنى إيه الكلام الجديد ده؟ فرد صديقى: سيبك من الكلام وامسك فى كلمة عالم التوحيد يعنى إيه؟ أو نستفيد إيه من الكلام ده؟ فقلت: أيوه ... نستفيد إيه؟ فقال: الشيخ لما قال عالم التوحيد، أشار إلينا إن التوحيد علم، وده العلم المفروض تعلمه، سيدنا رسول الله ، قال لسيدنا أبا ذر (ياأبا ذر لأن تغدو فتعلم باباً من كتاب الله خير لك من أن تصلى مائة ركعة، ولأن تغدو تتعلم باباً من العلم عمل به أو لم يعمل خير لك من أن تصلى ألف ركعة) خدوا بالكم ... ألف ركعة ... شوفوا بقى إذا كان العلم ده هو علم التوحيد، فقاطعه المدرس: انت حتجننا، المرة اللى فاتت الراجل قعد 7 سنين يدرس التوحيد، وفهمنا من كلامك إنه ضيع 7 سنين من عمره فى الهوا، فرد صديقى: تانى ... تانى، إحنا قلنا قبل كده إنك لما تقعد فترة طويلة تحاول فيها أن تثبت أن الله واحد، يبقى كان عندك شكوك فى إن الله واحد، هو قال سبحانه وتعالى إنه الواحد... خلاص أبتدى أفكر واتعلم إزاى أحكم المثانى علشان فى الآخر تبقى واحد لأن كل ما اتعلمت ذلك كل ما تقربت إليه بالمعرفة، عارف انت فكرتنى بواحد متفلسف مع الفارق الكبير بينك وبينه، انت بتسأل للعلم، وهو عكس كده، فقلت له: إيه اللى عمله المتفلسف ده؟ فقال: بس الموضوع ده مختلف شوية عن موضوعنا، فقال المدرس: معلهش ... برضُه نعرفه، فقال صديقى: زمان ذهب أحد المتفلسفين، فأجلسه الشيخ، فقال الرجل: أنا رحت للمكان الفلانى، والعالم الفلانى علشان أعرف كيفية وجود الله فى الكون، فكانوا يشتمونى ويطردونى، وحتى الآن لم أعرف، فقال الشيخ: وما دليلك؟ اللى فهمته من سؤال الشيخ ما هو دليلك على عكس ذلك؟ انت بتسأل عن كيفية وجود الله فى الكون... يعنى بتشك فى هذا الكلام إيه هو الدليل اللى بستند عليه؟ فشعر المتفلسف بالضيق، فقال له الشيخ: ماذا حدث؟ فقال الرجل: ظننت أنك لن تجيبنى، فقال له الشيخ: انت بتشتغل إيه؟ فقال له الرجل إن شغله متعلق بالحسابات، فقال له الشيخ: ماذا يعنى الواحد؟ قال الرجل: إنه واحد، قال الشيخ: وما مدلول الاتنين؟ قال الرجل: إثنان، فقال الشيخ: والثلاثة، والأربعة ...؟ أليس هذا هو الجمع؟ قال الرجل: أيوه، قال الشيخ: وتضعيف العدد مش هو الضرب؟ قال الرجل: أيوه، قال الشيخ: وتقسيم العدد مش هو القسمة؟ قال الرجل: أيوه، فقال الشيخ: الواحد الأول نضيف إليه واحد يصبح العدد 2؟ قال الرجل: أيوه، فقال الشيخ: نضيف إليه واحد يصبح آخر العدد مش يبقى ثلاثة؟ قال الرجل: أيوه، فقال الشيخ: فإذ حذفنا الواحد الأول؟ قال الرجل: مافيش فى الحساب مثل هذا، قال الشيخ: لولا الواحد ما كان اثنين أو ثلاثة، أو أى عدد، الراجل قال للشيخ: أمهلنى ثلاثة أيام، وذهب، وانتظرنا منه أن يكمل الكلام، وبعد فترة سكون قال له المدرس: انت مش حتكمل الحكاية؟ فقال صديقى: الراجل طلب من الشيخ ثلاثة ايام علشان يدور الكلام فى دماغه وانتوا مش عاوزين تقعدوا شوية تفكروا فى الكلام ده... أنتم أحرار لكن انا تعبت قوموا ناكل لقمة ونشرب شوية شاى، وبعدين نتكلم، فقلت ضاحكاً: وإلى هنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 أحمد نور الدين عباس