سيدة من نساء الجنة:

أم ايمن

حاضنة رسول الله

نسبها

هى بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمر ابن النعمان الحبشية وقعت أسيرة أثناء حملة أبرهة على الكعبة. عاشت فى بيت عبد المطلب جد النبى ، وهبها بعد ذلك لابنه عبد الله، ومن بعدها إلى ولده خير الأنام وكانت له بمثابة الأم بعد موت أمه.

و قد عاصرت النبى طفلاً وصبياً ثم زوجاً للسيدة خديجة
و قد اعتقها رسول الله يوم زواجه بالسيدة خديجة وقد تزوجها عبيد بن الحارث الخزرجى، فولدت له: أيمن المهاجر الشهيد يوم حنين وبه كانت تكنى.

إسلامها وهجرتها :

تعتبر أم أيمن من آل بيت النبى فقد قال عنها (هذه بقية من أهلى) وقد أسلمت أم أيمن فى أول العهد بالإسلام مع من أسلم من بيت النبى فكانت من السابقين الأولين وقد كانت من الذين هاجروا إلى الحبشة فراراً بدينهم.

زواجها من زيد بن حارثة :

استشهد زوجها عبيد الخزرجى ثم تزوجها زيد بن حارثة أيام بعث النبى فولدت له أسامة بن زيد، الذي سمى بـ"حب رسول الله ". وكان الرسول قد قال فى أم أيمن (من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة، فليتزوج أم أيمن)، فحظى بها زيد بن حارثة .

ومن مناقب هذه السيدة المباركة أنه لما أذن الرسول بالهجرة إلى المدينة المنورة هاجرت أم أيمن بمفردها من مكة إلى المدينة سيرا على الأقدام، وكانت صائمة وليس معها لا ماء ولا زاد... وجهدها العطش وكادت أن تهلك، فأتى الله لها بمعجزته التى روتها أم أيمن وهى ثقة لا تكذب فتقول "تدلى لى دلو من السماء فيه ماء برشاء أبيض، فأخذته وشربت منه حتى رُويت، واستطردت تقول ما أصابنى بعد ذلك عطش، ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر فما عطشت بعد تلك الشربة، وإننى كنت لأصوم فى اليوم الحار فما أعطش".

روت أم أيمن عن النبى الكثير من الأحاديث وروى عنها أنس بن مالك، والصنعانى، والمدنى من أئمة الحديث.

جهادها

كانت ام أيمن لا تفارق الرسول فى جهاده وكانت لها مواقف مشهودة ومنها:

شهود الغزوات شأنها شأن جميع الصحابيات اللواتى وقر الإسلام فى قلوبهن فجاهدن وبذلن الغالى والنفيس والأرواح لإعلاء راية الإسلام ولنشر الدعوة الإسلامية، فهاهى أم أيمن تشهد "أحد" وتطوف بالماء وتسقى الجرحى وتشهدخيبر وحنينا وكان النبى يخصها ببعض العطاء، تعويضا لها ومكافأة على ما تقدمه من جهد وجهاد.

ولما خالف الرماة أوامر الرسول وانهزم بعض المسلمون لقيتهم أم أيمن وحثت فى وجوههم التراب وهى تقول لبعضهم: هاك المغزل فاغزل به وهلم سيفك. ثم اتجهت نحو الرسول تستطلع أخباره حتى اطمأنت على سلامته فاطمأن قلبها.

صبرها :

بعث رسول الله زيداً لغزوة مؤتة فرزقه الله تعالى الشهادة فاحتسبته عند الله تعالى ثم رزق الله تعالى ابنها أيمن الشهادة فى غزوة حنين وكان من الفئة التى صبرت حول رسول الله ، فصبرت واحتسبت، وقالت “حسبنا الله ونعم الوكيل” وهتف قلبها قبل لسانها "إنا لله وإنا إليه راجعون".

مكانتها عند رسول الله :

كانت عظيمة المكانة عند رسول الله وكفاها انه كان يناديها "يا أمه" كفاها هذا التشريف.

وذكر النووى فى "تهذيب الأسماء واللغات" أن الرسول كان يقول (أم أيمن أمى بعد أمى).

وفى قصة طريفة أوردها صاحب السيرة الحلبية عن عائشة أم المؤمنين قالت: شرب رسول الله يوماً وأم أيمن عنده فقالت: يا رسول الله اسقنى. فقلت لها: ألرسول الله تقولين هذا؟ قالت: ما خدمته أكثر. فقال النبى (صدقت) فسقاها.

ويروي أنس بن مالك فيقول: ذهبت مع النبى الى أم أيمن نزورها فقربت له طعاماً أو شراباً فإما كان صائما وإما لم يرده فجعلت تخاصمه: أى كل (رواه مسلم) وفى رواية فأقبلت تضاحكه وكان المصطفى يبتسم لتصرفات أم أيمن.

وكانت تتدلل عليه تدلل الأم على ابنها فقد روى أنس بن مالك أن الرجل كان يعطى من ماله النخلات أو ما شاء الله من ماله النبى حتى فتحت عليه قريظة والنضير فجعل يرد بعد ذلك فأمرنى أهلى أن آتيه فأسأله الذى كانوا أعطوه أو بعضه وكان النبى أعطاه أم أيمن أو كما شاء قال: فسألته فأعطنيهن فجاءت أم أيمن فلوت الثوب فى عنقى وجعلت تقول: كلا والله لا إله إلا هو لا نعطيكهن وقد أعطانيهن. فقال النبى (يا أم أيمن اتركى كذا وكذا). وهى تقول لا والله حتى أعطاها عشرة أمثال ذلك أو نحوه وفى لفظ الصحيح: كلا والله حتى أعطى عشرة أمثاله. متفق عليه.

رخصة نبوية:

كانت أم أيمن عسراء اللسان لا تستطيع نطق بعض الكلمات نطقاً سليماً وقد دخلت مرة على رسول الله وقالت: سلام لا عليكم. وكانت تريد أن تقول: سلام الله عليكم. فلما رأى النبى ذلك اختصر لها السلام إلى قولها: السلام. وذلك تيسيراً لها.

ممازحة النبى لها:

جاءت أم أيمن يوما إلى رسول الله وقالت له: يا رسول الله احملنى. فقال (أحملك على ولد الناقة) قالت: إنه لا يطيقن ولا أريده. فقال (لا أحملك إلا عليه). و قد كان رسول الله يمازحها بذلك حيث أن كل الإبل صغيرها وكبيرها ولد النوق.

أم أيمن و آل البيت :

كانت أم أيمن من أقرب المقربين إلى آل البيت فعندما وقعت حادثة الإفك سألها رسول الله : أى امرأة تعلمين عائشة قالت: حاشا سمعى وبصرى أن أكون علمت أو ظننت بها إلا خيراً.

وعندما تزوجت السيدة فاطمة كانت أم أيمن ممن جهزها لزوجها على بن ابي طالب هى وأسماء بنت عميس .

ولما توفيت السيدة زينب كانت أم أيمن ممن غسلها ومعها السيدة سودة بنت زمعة والسيدة أم سلمة جميعاً.

حزنها على وفاة الرسول :

حزنت أم أيمن لوفاة الرسول حزن الأم على ابنها ورثته بشعر معبر وقد بكت عليه أمام الصديق والفاروق عندما زاراها إكراما لها كما كان يفعل النبى .

قال أبو بكر بعد وفاة رسول الله لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله يزورها. فلما انتهينا إليها بكت فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله فقالت: ما أبكى أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله ، ولكن أبكى أن الوحى قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها.صحيح مسلم.

وقالت أم أيمن ترثى النبى :

عين جودى فإن بذلك للدمع        شفاء فأكثري م البكاء

حين قالوا الرسول أمسى فقيد       ميتا كان ذاك كل البلاء

وابكيا خير من رزئناه فى الدنى    ومن خصه بوحى السماء

بدموع غزيرة منك حتى         يقضى الله فيك خير القضاء

فلقد كان ما علمت وصول         ولقد جاء رحمة بالضياء

ولقد كان بعد ذلك نور          وسراجا يضيء فى الظلماء

طيب العود والضريبة والمعدن        والخيم خاتم الأنبياء

الطبقات الكبرى.

وفاتها :

اختلف فى وفاتها قال ابن كثير: وتوفيت بعد النبى بخمسة أشهر وقيل ستة أشهر وقيل أنها بقيت بعد قتل عمر بن الخطاب.

وجاء فى مستدرك الحاكم: توفيت أم أيمن مولاة رسول الله وحاضنته فى أول خلافة عثمان بن عفان .

بُعث رسول الله برسالة ربه إلى العالمين رجالا ونساءً ليُضيء مشارق الأرض ومغاربها، وليتمم مكارم الأخلاق. وشرُفت نساء كثيرات بصحبة الرسول الكريم، والتفت حول المائدة النبوية لتنهل من علمه وتستضيء بنوره ، فظهرت منهن الفقيهات والمقاتلات والطبيبات، والداعيات، والرافعات لراية الإسلام فى بداياته، وكانت لهن عند رسول الله المكانة العالية والإشادة، وكان لكل منهن شأن معه وأم أيمن حاضنة النبى شخصية إسلامية لها مكانتها ومنزلتها العالية فى قلب رسولنا الحبيب وارضاها.

راوية رمضان