يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

 

 

إحذروا الواسطة !! 2

 

نستكمل ما بدأناه فى العدد القادم من الحديث على الواسطة، والرد على من ينكرونها ويقولون بخلاف ذلك، ونذكر ما بدأنا به كلامنا فى العدد السابق إدحاضاً لحجتهم، موضوع الاستسقاء وما فيه من معانٍ ودلائل صريحة على وجود الواسطة بيننا وبين الحق تبارك وتعالى، وإذا نظرنا نظرة أخرى لموضوع الواسطة، لوجدنا أن الواسطة من بداية الأمر ظاهرة جَلِيّة، ولكن هناك أُناساً أرادوا أن يتعاموا عن هذا الأمر اتباعاً لأهوائهم وضلالاً للعباد وسعياً فى الأرض بالفساد، غير عابئين من جرّاء أقوالهم وخطورة ما قد تصل إليه الأمة نتيجة لهذه الأقوال، فالأمر يخص قسماً هاماً فى الدين، بل أهم قسم فيه، ألا وهو قسم العقيدة، فأول ما يسأل المرء إنما يسأل عن عقيدته، قبل أى شئ، فإذا كانت سليمة، تكون المناقشة بعد ذلك فيما قام به من حسنات أو ما اقترفه من خطايا، وأما إذا كانت والعياذ بالله غير ذلك، فعماد الأمر غير سليم، ولك أيها القارئ الكريم أن تستنبط ما يحدث بعد ذلك...

ونرجع لما كنا عليه من ادحاض حجة هؤلاء الضالين المضللين، ولنتذكر شيئاً لا يخفى على أحد، ألا وهو كيف كانت الهداية منذ الأزل، هل كانت تأتى من الحق مباشرة لعباده، دون ستر أو حجاب، أو هل أنها كانت تأتى من الحق مباشرة لأنبيائه دون ستر أو حجاب، تجد أنها فى الأمرين لم تكن على تلك الحالة، وإنما كانت الواسطة التى وضعها الحق سبحانه وتعالى فى هداية الناس هم الأنبياء، فكانوا سلام الله عليهم أجمعين هم الواسطة فى الهداية، ولا يستطيع أحد أن ينكر هذا الأمر، فياسبحان الله، عندما يتخذ الحق جل وعلا أنبيائه واسطة بينه وبين خلقه نصدق ونؤمن ونطيع أوامرهم ولا نعترض، وعندما نتخذ نحن الأنبياء واسطة بيننا وبين الحق جل وعلا يقولون هذا شرك!!

بالله عليكم أى عقول مريضة أو أفهام عقيمة تقول بمثل هذا!! وإذا تدبرنا الأمر فى كلامهم بقول هذا شرك، لنا هنا سؤال: هل وجدتم فيمن يتخذ الأنبياء والأولياء واسطة بينه وبين الحق أنه يعبدهم أو يشركهم فى العبادة مع الله؟ أم وجدتوهم يقولون كما أمر الحق سبحانه وتعالى أن نقول عليهم وأن نعاملهم ونتبعهم؟ فهل هؤلاء يحقدون على الأنبياء والأولياء أو يحسدوهم على مكانتهم من الحق جل وعلا؟!!

ولم ينته الأمر عند هذا الحد، فلم يكن جعل المولى سبحانه وتعالى الأنبياء والأولياء واسطة بينه وبين خلقه لهدايتهم وإرشادهم إليه جل وعلا نهاية المطاف، ولعل أحداً يسألنى هنا: لما أدخلت كلمة الأولياء مع الأنبياء؟ فأين دليلهم من الكتاب أو السنة على مشاركتهم للأنبياء فى هداية الخلق، أقول لهم ألم يقل الحق سبحانه وتعالى فى محكم التنزيل فى الآية 17 من سورة الكهف ﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ ألم يكن هذا نصاً على وجود الولى المرشد إلى طريق الحق جل وعلا، وفى مسند الحميدى (إِنَّ اللهَ لَيَحْفَظُ بِحِفْظِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَدُوَيْرَتَهُ الَّتِى فِيهَا وَالدُّوَيْرَاتِ حَوْلَهُ، فَمَا يَزَالُونَ فِى حِفْظٍ مِنَ اللهِ ) فكان الرجل الصالح سببا فى حفظ اولاده وأولاد أولاده بل ومن حوله أيضاً، ولا ننسى فى هذا المقام أيضاً قصة سيدنا موسى وسيدنا الخضر وما كان منها فى شأن الجدار الذى أقامه وكان الجدار ليتيمين كما ذكر المولى تبارك وتعالى فى الكتاب الكريم، وكان اليتيمان لهم شأن عند الحق سبحانه ليرسل لهما نبى ورسول ومن أولى العزم من الرسل ومعه سيدنا الخضر الذى قالت عنه التفاسير أنه ولى، فيرسلهما الحق لليتيمين لكى يحفظا لهما كنزهما وكل هذا الأمر لسبب واحد فقط ألا وهو قول الحق جل وعلا فى الآية ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ فكان كل هذا الأمر أن أبوهما كان صالحا وقال الإمام ابن كثير فى هذا المعنى "فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ فى ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم فى الدنيا والآخرة، بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة فى الجنة لتقر عينه بهم، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: حُفِظا بصلاح أبيهما" ولعل من عجائب هذه القصة أن كلمة ﴿أبوهما﴾ فى الآية كانت تعنى الأب السابع لهما، وليس أبوهما بمعنى والدهما، فهو أب الأب لسابع درجة، فلتنظر معى أيها القارئ الكريم كيف كانت درجة الصالحين عند المولى وكيف كان حفظه لذريتهم، وروى الطبرانى فى معجمه الأوسط والسيوطى فى جمع الجوامع عن سيدنا عبد الله بن عمر أن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه (إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء) ألم يكن المسلم الصالح بهذا الحديث واسطة وسببا فى دفع البلاء عن جيرانه؟

ولم يكن هذا كما ذكرنا هو نهاية المطاف بل وإن الحق سبحانه وتعالى كما جعل بيننا وبينه أنبيائه واسطة، فجعل أيضاً الملائكة واسطة بينه وبين أنبيائه، ولا يخفى علينا هذا الأمر فنرى من الملائكة أمين الوحى الذى يرسله المولى تبارك وتعالى لأنبيائه بالوحى، وفى هذا نجد قول المولى تبارك وتعالى فى محكم التنزيل فى الآية 51 سورة الشورى ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِىٌّ حَكِيمٌ﴾ ألم تكن هذه واسطة أخرى جعلها الحق سبحانه وتعالى بينه وبين أنبيائه.

ولعل كل ما ذكرناه وما سوف نذكره لاحقا بإذن الله تعالى من حجج واضحة دالة على وجود الواسطة إنما هى من الأمور التى لا يختلف عليها أحد لثبوتها بالكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة، وليعتبر بها من بعتبر، ولنا لقاء فى أعداد قادمة بإذن الله تعالى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

عصام