من كمال العطاء

 

من كَمَالِ الْعَطَاءِ مِنْ فَيْضِ وَهْبٍ     أَيُّهَا النَّاسُ جَاءَكُمْ إِبْرَاهِيمُ (12/1)

نتعرف اليوم على درة من ديوان شراب الوصل للإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى رضى الله عنه وأرضاه وأرضانا به أجمعين فهو يخبرنا عن وريثه وخليفته مولانا الشيخ إبراهيم من أين جاء وما هى مشروعيته؟ فيقول: من كمال العطاء، فالعطاء الإلهى الكامل إلى الخلق هو إرساله تبارك وتعالى الرسل والأنبياء والأولياء لهدايتهم إلى الطريق الموصلة إلى معرفته سبحانه وتعالى.

وعملاً بمنهجه المضمون حيث يقول:

 

وَمَنْ يَنْسِبْ إِلَى الْقُرْآنِ عِلْمِى        وَأَقْوالِى يُفِيدُ وَيَسْتَفِـــــــيدُ (42/21)

إِلَى الْقُرْآنِ رُدُّوا كُلَّ قَـــــوْلٍ        فَفِى الْقُرْآنِ تَخْلِيصُ الرِّقَابِ (74/13)

حتى أننا لو عددنا كلمات هذه القصيدة (74) حتى هذا البيت (13) إلى كلمة الرقاب لوجدناهم 114 كلمة وهى عدد سور القرآن الكريم وذلك زيادة لتأكيد المعنى وإعجازاً فى النظم.

ثم يقول لنا فى بيت آخر:

الْأَصْلُ عِنْدِى سُنَّةٌ مِنْ سُنَّةٍ     هُوَ ذَا لِسَانِى قَدْ أَفَادَ وَأَخْبَرَ (34/10)

فهو يرشدنا أيضاً إلى السنة النبوية الشريفة، لذلك كله نقول بالقران وبالسنة والله يوفقنا ويهدينا الى مراد شيخنا .

وروى أبو داود فى سننه والطبرانى فى معجمه الأوسط عن الحبيب المصطفى أنه قال (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها).

ولقد جاء القرآن الكريم بلفظ جاءكم فى الآية 128 من سورة التوبة ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ وخاطبنا الشيخ بلفظة جاءكم إبراهيم، فالذى أرسل الرسول هو الله سبحانه وتعالى والذى بعث المجدد هو الله سبحانه وتعالى وذلك لإشعارنا بأهمية الموضوع.

وحتى نسد باب الضلال على من يأخذ المعنى بمحمل آخر، نقول بيتاً من هذه الدرر لهذا الإمام :

وَلَسْتُ نِدًّا لِأَقْطَابٍ وَلَا رُسُلٍ     وَإِنَّمَا حُلَّةُ التَّوْحِيدِ حُـلَّتُنَا (35/3)

فهو خليفة مولانا الشيخ محمد عثمان، وكذلك مولانا الشيخ إبراهيم من الذين قال عنهم الرسول الكريم (عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى عضو عليها بالنواجز) ومن الذين قال عنهم الحديث الشريف (يجدد لها أمر دينها) أى لهذه الأمة.

هذا من ناحية لفظ جاءكم إبراهيم، أما من ناحية العطاء فقلنا إن كمال العطاء من الخالق إلى الخلق هو الهداية عن طريق الرسل والأنبياء والأولياء الهداه المهديين.

وسوف نعرف العطاء عندما ننسب كلام الشيخ الجليل إلى القرآن، فهو يقول:

من كَمَالِ الْعَطَاءِ مِنْ فَيْضِ وَهْبٍ    

فننظر فى هذا العطاء الذى هو من فيض الوهب فى كتاب الله فنبحث فى مادة "وهب" فى  كتاب الله عن طريق المعجم المفهرس للقرآن الكريم آخذين فى الاعتبار الحكمة المشهورة التى تقول رب العباد إذا وهب فلا تسألن عن السبب فنجد أن عدد مرات ذكر هذه المادة فى الآيات 25 مرة منه 19 مرة الآيات تحمل معنى النبوة والوراثة فى العلم والإمامة والذرية الصالحة لهداية الخلق، وهذا هو الواضح فى الآيات ونجد أن العطاء فى كل سورة يتمثل فى نبى أو اثنين فمثلاً: الآية 39 من سورة ابراهيم ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّى لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ وفى الآية 21 من سورة الشعراء ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِى رَبِّى حُكْمًا وَجَعَلَنِى مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ وفى الآية 49 من سورة مريم ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾ وفى الآية 53 من نفس سورة مريم ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾.

لكننا نريد الآية التى أفاض فيها اسمه الوهاب من هذا العطاء حيث يقول لنا شيخنا : من كَمَالِ الْعَطَاءِ مِنْ فَيْضِ وَهْبٍ: فعدد كلمات هذا الشطر من البيت هو 6 كلمات تشير إلى سورة السادسة فى كتاب الله وهى سورة الأنعام، الفيض من مادة فاض، وفاض الماء أى كثر حتى سال على ضفة الوادى، وفاض الشىء إذا كثر حتى وفى فوق الحاجة.

فلم نر سورة أفاض الوهاب فيها العطاء من هذا الصنف مثل سورة الأنعام فقد أفاض فيها الوهاب سبحانه بثمانية عشر نبياً مرسلاً ويقول سبحانه ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ﴾ ثم يقول سبحانه ﴿وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ...﴾ والآيات توضح لنا كل هذا المعنى:

وهذه آيات من سورة الأنعام من الآية 83 حتى الآية 90 يقول تبارك وتعالى ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ • وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ • وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ • وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ • وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ • ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِى بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ • أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ • أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾.

فانظر فى الآيات وتمعن فيها وانظر إلى العطاء الذى وهبه المولى تبارك وتعالى إلى سيدنا إبراهيم عطاء الحجة والبرهان والحكم والنبوة والهداية وجعل له من ذريته ورثة يحملون هذا الدين ويدعون إلى الله بالحجة والبرهان ولهم الحكم والوراثة والخلافة والنبوة والولاية بعد انتهاء الرسالة وقال سبحانه ﴿وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وبذلك يكون مولانا الشيخ إبراهيم المحقق النسب الحسينى الشريف من ذرياتهم المذكورين فى الآية الشريفة فى هذا الفيض الموهوب من الله إلى من يتبع الهدى فمن هذا الموطن يقول :

أَيُّهَا النَّاسُ جَاءَكُمْ إِبْرَاهِيمُ

جعلنا الله من جملة المهديين الهادين به وبوريثه وجده صاحب هذه الدرر آمين.

وصلى الله على سيدا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

محمد مقبول