يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

 

 

أينفع الحى الميت؟!!

 

أن الأموات لا ينفعها إلا أعمالها التى كانت قد عملتها فى الدنيا وهذا قول غير صحيح ومردود عليه مستندين إلى الحديث الشريف المروى عن خير البرية والذى يقول (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه الطبرى، والبيهقى، وابن حبان، والسيوطى، والنسائى، والترمذى، والبخارى.

وننبه هنا على أن الأحاديث لا تؤخذ إلا من العلماء لأن كما فى القرآن علم الناسخ والمنسوخ فكذلك فى علم الحديث، فمثلاً يقول المعصوم صوات ربى وسلامه عليه (كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَة الْقُبُور فَزُورُوهَا) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذى فى سننهم ومسلم فى صحيحه، يقو الامام النووى فى شرح الحديث: وَفِى هَذَا الْحَدِيث: التَّصْرِيح بِالْمَنْسُوخِ وَالنَّاسِخ فِى حَدِيث وَاحِد مِنْ كَلَام رَسُول اللَّه .

نرجع إلى حديث (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث...) فنقول أن الحديث لا يفيد بأن الأموات لا تنتفع من عمل الاحياء، لأن الحديث لايقول بذلك فالقول فى انقطاع عمل الإنسان نفسه لأنه قد مات ولكن عمل أقاربه له أو غيرهم إذا تبرعوا لهم وصل إليه بإذن الله تعالى ونسوق إليك الدليل وبالله التوفيق.

عن النبى أنه قال (ما الميت فى قبره إلا شبه الغريق المتغوث ينتظر دعوة من أب أو أم أو ولد أو صديق ثقة فإذا لحقته كان أحب إليه من الدنيا وما فيها وإن الله ليدخل على أهل القبور من دعاء أهل الدنيا أمثال الجبال وإن هدية الأحياء إلى الأموات الاستغفار لهم والصدقة عنهم) رواه الإمام البيهقى فى شعب الإيمان فى فصل زيارة القبور، وأخرجه الإمام السيوطى فى جمع الجوامع عن الإمام الديلمى عن ابن عباس أجمعين.

ثم إنهم يستندون أيضاً إلى الآيه ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ ويقول لهم السيد العلوى المالكى خادم العلم الشريف بالبلد الحرام: هذه الآية الكريمة من النصوص المهمة التى يتمسك بها كثيرون ممن يجرون وراء ظواهر الألفاظ وعمومات النصوص المطلقة دون مراعاة للأصول والقرائن الأخرى التى تفيد تخصيصاً أو تقييداً للنص، والتى يجب أن لا تفهم النصوص العلمية إلا بها لتدور جميعاً فى فلك واحد وتأتى متناسبة مترابطة فى نسق واحد يليق بصاحب الشريعة المحفوظ من التناقض والتعارض إذ لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى، فظاهر هذه الآية يفيد نفى انتفاع الميت بأى شىء بعد موته لأنه ما أثبت له إلا ما سعى فيه، ومحل سعيه هو الدنيا، لكن هناك نصوص أخرى تثبت انتفاعه بغير سعيه كما سيأتى بيانه.

قال العلامة الشيخ فخر الدين عثمان بن على الزيلعى فى شرحه على كنز الدقائق فى باب الحج عن الغير: أما قوله تعالى ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ فقد قال ابن عباس إنها منسوخة بقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ﴾ وقيل هى خاصة بقوم موسى وإبراهيم لأنه وقع حكاية عما فى صحفهما لقوله ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِى صُحُفِ مُوسَى • وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفَّى﴾ وقيل أريد الإنسان الكافر وأما المؤمن فله ما سعى أخوه، وقيل ليس له من طريق العدل وله من طريق الفضل، وقيل اللام فى الإنسان بمعنى: على، كقوله تعالى ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ أى عليها، وكقوله تعالى ﴿لَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾ أى عليهم.

وقيل ليس له إلا سعيه لكن سعيه قد يكون بمباشرة أسبابه بتكثير الإخوان وتحصيل الإيمان حتى صار ممن تنفعه شفاعة الشافعين، وأما قول النبى (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) فلا يدل على انقطاع عمل غيره، والكلام فيه وليس فى شىء مما يستبعد عقلاً لأنه ليس فيه إلا جعل ماله من الأجر لغيره والله تعالى هو الموصل إليه وهو قادر عليه ولا يختص ذلك بعمل دون عمل.

وهناك تحليل نفيس لشارح العقيدة الطحاوية: ذكر الشيخ ابن أبى العز فى شرح العقيدة الطحاوية مسألة انتفاع الميت بعمل غيره مما لم يتسبب فيه ورجح القول به وذكر الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس عليه ثم قال فى الجواب عن الآية التى يتمسك بظاهرها المانعون: والجواب عما استدلوا به من قوله تعالى ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ وقد أجاب العلماء بأجوبة، أصحها جوابان:

أحدهما: أن الإنسان بسعيه وحسن عشرته اكتسب الأصدقاء، وأولد الأولاد، ونكح الأزواج، وأسدى الخير، وتودد إلى الناس، فترحموا عليه ودعوا له، وأهدوا له ثواب الطاعات، فكان ذلك أثر سعيه، بل دخول المسلم مع جملة المسلمين فى عقد الإسلام من أعظم الأسباب فى وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه، فى حياته وبعد مماته، ودعوة المسلمين تحيط من ورائهم، يوضحه أن الله تعالى جعل الإيمان سبباً لانتفاع صاحبه بدعاء إخوانه من المؤمنين وسعيهم، فإذا أتى به فقد سعى فى السبب الذى يوصل إليه ذلك.

الثانى: وهو أقوى منه أن القرآن لم ينف انتفاع الرجل بسعى غيره، وإنما نفى ملكه لغير سعيه، وبين الأمرين من الفرق ما لا يخفى، فأخبر تعالى أنه لا يملك إلا سعيه، وأما سعى غيره فهو ملك لساعيه فإن شاء أن يبذله لغيره وإن شاء أن يبقيه لنفسه.

ثم نقول لماذا شُرعت صلاة الجنازه إن لم تنفع الميت؟!!

ولماذا ندعو للأموات فى خُطَب يوم الجمعة ونقول أنها ساعة إجابة؟!!

بل إنّ ثواب القراءة يصل إلى الميّت، وهذا مذهب الجمهور (الأئمّة الثلاثة، وجماعة من أصحاب الشافعى، وغيرهم) بل زُعمَ على وُصوله الإجماع السكوتى بل يقول المولى تبارك وتعالى مادح الذى يدعون للمنتقلين الذين سبقوهم بالايمان ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ فنرى هنا النص القرآنى واضح وصريح بل وقاطع على مشروعية الدعاء للأموات، فإن كان الدعاء لا يفى بالغرض منه وهو النفع والبركة للمدعو له، فلماذا إذاً شرعه الله سبحانه وتعالى!!  

اللهم ارحم أمواتنا وإخواننا الذين سبقونا بالإيمان وارحم أموات المسلمين أجمعين، وصلى اللهم على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين.

محمد مقبول