الحسد

 

من الخصال الذميمة التى طالما حذرنا منها الحق تبارك وتعالى والرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، الحسد، فما هو الحسد وما أضراره وما نتائجه، تعالوا بنا نتعرف على إجابة هذه التسؤلات من خلا هذه الكلمات البسيطة التالية:

حقيقة الحسد: الأسف على الخير عند الغير، وتمنى زواله عنه، وأمّا تمنى مثله مع بقائه لصاحبه فهى الغِبطة وهى ممدوحة، كالعلم والعمل، والذوق والحال.

والحسد خُلقٌ مذموم لايتطهر منه إلا الصديقون، وكل من بقى فيه بقية من الحسد لايشم رائحة المعرفة، إذ لو عرَف الله لم يجد من يَحسِد، وقد قيل "الحسود لايسود" وفى الحديث الشريف عنه أنه قال (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب).

وقال الإمام فخر الدين :

وليس لحساد المنائح مهرب         بأرض أقلت أو سماء أظلت

وقيل أن الله تبارك وتعالى يقول: {الحاسد عدو نعمتى، غير راض بقسمتى التى قسمت بين عبادى}. وأنشدوا:

ألا قل لمن كان حاسدا       أتدرى على من أسأت الأدب

أسأت على الله فى فعله       إذا أنت لم ترض لى ما وهب

جَزَاؤُكَ منه الزيادةُ لى                 وألاَّ تَنَالَ الذِى تَطَّــلِب

ثم إن الحسود لا تزول عداواته، ولا تنفع مداواته، وهو ظالم يشتكى كأنه مظلوم، ولقد صدق القائل:

كلُ العَدَاوةِ قد تُرجىَ إزالتُها        إلا عداوة مَن عَادَاكَ مِن حَسَدٍ

وقال حكيم الشعراء:

وأظلمُ خَلقِ اللهِ مَن بَاتَ حَاسِدًا       لِمَن بَاتَ فى نَعمَائِه يَتَقَلَّبُ

وقال آخر :

انى لأرحمُ حاسِدِىَّ لفرطِ ما        ضَمَّت صُدُورُهُم مِن الأوغَارِ

نَظَرُوا صنيعَ اللهِ فىَّ فَعُيُونهُم            فى جَنَّةٍ وقَلوبُهُم فى نارِ

وفى الحديث أن النبى : (العين حق، وإن العين لَتُدْخِل الجمل القِدر والرجلَ القبر) وهى من خصائص بعض النفوس.

يقول الإمام ابن عجيبة فى تفسيره (البحر المديد): لا ينفع فى أهل الحسد والعناد ظهور معجزة ولا آية، ولا يتوقف عليها من سبقت له العناية، لكنها تزيد تأييدًا وطمأنينة لأهل اليقين، وتزيد نفورًا وعنادًا لأهل الحسد من المعاندين.

ويقول أيضاً: أهل الحسد والعناد لا ينفعهم ما يرونه من المعجزات والكرامات، فالحسد يُغطى نور البصيرة، فذرهم فى غفلتهم وحيرتهم، وكثافة حجابهم، حتى يُصعقوا بالموت، فيعرفون الحق، حين لا تنفع المعرفة فيقع الندم والتحسُّر، وإنَّ لهم عذاباً دون ذلك، وهو عيشهم فى الدنيا عيش ضنك فى هَم وغم وجزع وهلع، ولكنَّ أكثرهم لا يعلمون ذلك، لأنهم لا يرون إلا مَن هو مثلهم. ومَن توسعت دائرة معرفته، فعاش فى روح وريحان، فهو غائب عنهم، لا يعرفون مقامه ولا منزلته.

ولتعلم أيها القارئ الكريم أن ما حَرَم الناسَ من الخير إلا خصلتان: التكبر والحسد، فمن طهر قلبه من الحسد، وتواضع لكل أحد، نال الرفعة والشرف عند الله فى الدنيا والآخرة، ولا يضع الله سر الخصوصية إلا فى قلب طاهر متواضع، يحط صاحبه رأسه لأقدام الرجال، ويذل نفسه لأهل الصفاء والكمال، وفى ذلك يقول الشاعر:

يا مَن يَلُوم خمْرَة المحَبَّة           قُولُوا له عَنِّى هىَ حَلالْ

ومَن يُرِدْ يُسْقَى منها غِبَّا            خَدّ يضَع لأقدام الرَجالْ

رأسِى حطَطت بكُلِّ شَيبه          هُم المَوالِى سَقَونِى زلالْ

فكما أن الحق تعالى علم حيث يجعل رسالته، علم حيث يجعل سر ولايته، وهى النفوس المتواضعة المتطهرة من رذائل النفوس، كالحسد والكبر وسائر الأوصاف المذمومة.

وقال بعض الحكماء الحاسد يضر نفسه ثلاث مضرات:

إحداها: اكتساب الذنوب لأن الحسد حرام.

الثانية: سوء الأدب مع الله تعالى، فإن حقيقة الحسد كراهية إنعام الله على غيره، واعتراض على الله فى فعله.

الثالثة: تألم قلبه وكثرة همه وغمه.

عافانا الله من ذلك كله، فالحاسد لاينفك عن نار الحجاب وغم الحساب، والتطهر منه يدخل جنة الرضى والتسليم فى جوار الحبيب، وهو محل الراحة والأمن فى الدارين، وهو الظل الظليل، فإذا وجدتَ من أعطاه الله من العطايا والمِنح مالم يُعطِكَ فلا تحسد وارض بما قسم الله لك.

عبد الستار الفقى
 

 

 

فضل البسملة

 

الكلام عن البسملة بحر زاخر خاض فى لججه الأوائل والأواخر فلم يصلوا إلى غايته ولم يبلغوا نهايته، وقد أكرمنا المولى بها فى ابتداء كل أعمالنا، وإن الله سبحانه وتعالى زين السماء بالكواكب وزين الملائكة بجبريل وزين الجنه بالحور والقصور وزين الأنبياء بمحمد وزين الأيام بيوم الجمعة وزين الليالى بليلة القدر وزين الشهور بشهر رمضان وزين المساجد بالكعبة وزين الكتب بالقرآن وزين القرآن ببسم الله الرحمن الرحيم.

فقد أخرج الدارقطنى عن ابن عمر أن رسول الله  قال: (كان جبريل إذا جاءنى بالوحى أول ما يلقى على بسم الله الرحمن الرحيم) وأخرج ابن ابى حاتم والحاكم والبيهقى وأبو ذر الهروى والخطيب البغدادى عن ابن عباس أن عثمان بن عفان سأل النبى عن بسم الله الرحمن الرحيم فقال: (هو اسم من أسماء الله تعالى وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين وبياضها من القرب) وروى عمرو بن شرحبيل أن جبريل أول ما جاء به النبى قال له قل بسم الله الرحمن الرحيم، وقال : (لا يرد دعاء أوله بسم الله الرحمن الرحيم) والحديث المشهور الذى أخرجه أبو داود والنسائى وابن ماجه عن أبى هريرة عن النبى أنه قال: (كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع) وفى راوية (أبتر) أى ناقص البركة وقليل الفائدة وفى راوية (أجزم) وقال النووى فى شرح مسلم معناه لا بركة فيه، وأخرج أبو نعيم وابن السنى عن السيدة عائشة أنها قالت: لما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم سبحت الجبال حتى سمعها أهل مكة ومن بها، فقالوا سحر محمد الجبال، فبعث الله دخانا حتى أظل على أهل مكة فقال رسول الله : (من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم موقنا سبحت معه الجبال إلا أنه لا يسمع منها) وفى رواية (الجبال والأحجار ولكن لا يسمع الناس تسبيحهما) وأخرج ابن السنى والديلمى عن الإمام على مرفوعا: إذا وقعت فى ورطة فقل بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم فإن الله يصرف بها ما يشاء من أنواع البلايا، وعن ابن عباس أنه قال قال رسول الله (من قال بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم صرف الله عنه سبعين بابا من أنواع البلايا والهم والغم واللمم) وأخرج الديلمى عن ابن مسعود قال قال رسول الله : (من قرأ بسـم الله الرحمن الرحيم كتب الله له بكل حرف أربعة آلاف حسـنة ومحى عنه أربعة آلاف سـيئة ورفع له أربعة آلاف درجة).

وحكى عن سيدنا عيسى أنه مر على قبر فرأى ملائكة العذاب يعذبون ميتا فلما عاد من سياحته مر على ذلك القبر فوجد العذاب قد رفع عن صاحبه فصلى ودعا الله تعالى فأوحى الله تعالى إليه: {يا عيسى كان هذا العبد عاصيا وقد مات محبوسا فى عذابى وقد ترك امرأة حامل فولدت ولدا وربته حتى كبر فسلمته إلى المعلم فلقنه المعلم بسم الله الرحمن الرحيم فاستحييت من عبدى أن أعذبه فى بطن الأرض وولده يذكر اسمى على ظهرها}.

وأخرج الطبرانى عن سلمان الفارسى أنه قال قال رسول الله : (لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز بسـم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان ابن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية).

وأخرج الطبرانى وابن مردويه وعبد الرزاق وابن المنذر والشيرازى والخطيب عن سلمان وأبى هريرة أن النبى قال: (يا أبا هريرة إذا توضأت فقل بسم الله الرحمن الرحيم فإن حفظتك لا تستريح أن تكتب لك الحسنات حتى تفرغ وإذا غشيت أهلك فقل بسم الله الرحمن الرحيم فان حفظتك يكتبون لك الحسنات حتى تغتسل من الجنابة فإن حصل لك من تلك المواقعة ولد كتب لك الحسنات بعدد أنفاس ذلك الولد وبعدد أعقابه إن كان له عقب حتى لا يبقى منهم واحد).

وكتب قيصر ملك الروم إلى سيدنا عمر بن الخطاب أن بى صداعا لا يسكن فابعث لى دواء إن كان عندك فإن الأطباء عجزوا عن المعالجة فبعث له سيدنا عمر قلنسوه فكان إذا وضعها على رأسه سكن صداعه وإذا رفعها عن رأسه عاد صداعه فتعجب منه ففتش القلنسوه فإذا فيها كاغد (قرطاس) مكتوب عليه بسم الله الرحمن الرحيم، فقال ما أكرم هذا الدين وأعزه حيث شفانى الله عز وجل بآية واحدة فأسلم وحسن إسلامه.

وذكر سيدى جلال الدين السيوطى فى كتاب (لباب الحديث) أحاديث فى فضل البسملة منها أنه قال: (ما من عبد يقول بسم الله الرحمن الرحيم إلا ذاب الشيطان كما يذوب الرصاص على النار) وقال : (ما من عبد يقول بسم الله الرحمن الرحيم إلا أمر الله تعالى الكرام الكاتبين أن يكتبوا فى ديوانه أربعمائه حسنة) وقال : (إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فليمد الرحمن).

وقال : (من قال بسم الله الرحمن الرحيم كتب اسمه من الأبرار وتبرأ من الكفر والنفاق).

عبد الباسط محمد

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصوفية فى موقع الطريقة البرهانية.

أسرة التحرير