عامر اليمن

إن من بشريات مولد النبى ان الله تعالى نشر نسمات هذه الرحمات الذى قال عنها فى كتابه العزيز ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الاعراف 7: 56، وقال عنها فى اية أخرى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ وقال الحبيب (إنما أنا رحمة مهداة) رواه الدارمى فى سننه، فلما أنتشرت سحائب الرحمات فى سائر الاقطار والبلاد استقبلها  أهل الفرس فكان أسبقهم وسيدهم سيدنا سلمان الفارسى واستقبلها أهل الروم فكان أسبقهم وسيدهم سيدنا صهيب الرومى واستقبلها أهل الحبشة فكان أسبقهم وسيدهم سيدنا بلال بن رباح واستقبلها اهل اليمن فكان أسبقهم وسيدهم قيل هو سيدنا أويس ابن عامر القرنى الذى خرج له المنشور ببلوغ الوطر بقول المصطفى وسيد البشر لثانى الخلفاء سيدنا عمر ابن الخطاب (إذا رأيت أويس القرنى فسلم عليه واطلب منه أن يستغفر لك فإنه يشفع فى مثل ربيعة ومضر)، وقيل أيضا أن أول السابقين من أهل اليمن هو عامر اليمن الذى هبت عليه نسائم الرحمات فكان من السابقين الى محبة سيد العالمين فى الاولين والاخرين، ويروى لنا قصته الامام ابن حجر الهيثمى فيقول: كان لعامر صنما من الاصنام وكانت له بنت مبتلية بالقولنج والجذام، وكانت مقعدة فلا تستطيع النهوض والقيام، وكان عامر ينصب الصنم ويضع أبنته أمامه ويقول هذه ابنتى سقيمة فداوها وإن كان عندك شفاء فاشفها من بلائها وعافها وأقام على ذلك سنين كثيرة وهو يطلب من الصنم حاجته فلم يقضها له، فلما هبت نسمات العنايات بالتوفيق والهدايات؛ قال عامر لزوجته: إلى متى نعبد هذا الحجر الاصم الابكم، الذى لا ينطق ولا يتكلم؟ وما اظن أننا على دين أقوم. قالت له زوجته: اسلك بنا سبيلا، عسى أن نرى إلى الحق دليلا، فلا بد لهذه المشارق والمغارب من إله واحد خالق. قال: فبينما هما على سطح دارهما إذ شاهدا نورا قد طبق الافاق وملأ الوجود بالضياء والإشراق، ثم كشف الله عن أبصارهما من بعد ظلمتهما ليتنبها من نوم غفلتهما فرأيا الملائكة قد اصطفت وبالبيت قد حفت ورأيا الجبال ساجدة والأرض هامدة والأشجار قد تمايلت، والأفراح قد تكاملت وسمعا مناديا ينادى، قد ولد النبى الهادى، ثم نظرا الى الصنم بالنظر فرأياه منكوسا وقد علته الذلة ووافت عليه العكوسا، قال عامر لزوجته: ما الخبر؟ قالت: انظر إلى الصنم بالنظر. فسمعاه يقول: ألا وإن النبأ العظيم قد ظهر، وولد من شرف الكون وأفتخر، وهو النبى المنتظر الذى يخاطبه الشجر والحجر وينشق له القمر، وهو سيد ربيعة ومضر. فقال لزوجته: أتسمعين ما يقول هذا الحجر؟ فقالت: اسأله ما اسم هذا المولود الذى نور الله به الوجود، وشرف به الاباء والجدود. فقال: أيها الهاتف المورود، المتكلم على لسان هذا الحجر الجلمود، الذى نطق فى هذا اليوم الموعود، ما اسم هذا المولود؟ فقال: اسمه محمد المصطفى ابن زمزم والصفا، أرضه تهامة، بين كتفيه علامة، إذا مشى تظلله غمامة، صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة. ثم قال عامر لزوجته: اخرجى بنا فى طلبه، لنهتدى إلى الحق بسببه. وكانت ابنته السقيمة فى أسفل الدار مطروحة مقيمة، فلم يشعر بها إلا وهى على السطح قائمة، فقال لها أبوها: يا ابنتى أين ألمك الذى كنت تجديه؟ وأين سهرك الذى كنت تواصليه؟ فقالت: يا أبت بينما أنا نائمة فى طيب أحلامى، إذ رأيت نورا أمامى وشخصا قد اتانى، فقلت: ما هذا النور الذى أراه، والشخص الذى أشرق على نور سناه؟ فقيل لها: هذا نور ولد عدنان الذى تعطرت به الأكوان. فقلت: أخبرنى عن اسمه الممجد. فقال: اسمه أحمد ومحمد، يرحم العانى ويعفو عن الجانى. فقلت: وما دينه؟ فقال: حنفى ربانى. فقلت: ما اسم نسبه؟ فقال: قريشى عدنانى. فقلت: لمن يعبد؟ قال: للمهيمن الصمدانى. فقلت: وما أنت؟ فقال: أنا ملك من الملائكة الذين شرفوا بجماله النورانى. فقلت: أما تنظر إلى ما أنا فيه من الألم وانت ترانى؟ فقال: توسلى به فقد قال ربه القديم الدانى: قد أودعت فيه سرى وبرهانى، لأفرجن به عمن دعانى، ولأشفعنه يوم القيامة فيمن عصانى. فمددت يدى وبنانى ودعوت الله من خالص جنانى، ثم مررت بيدى على وجهى وأبدانى، فاستيقظت وانا صحيحة قوية كما ترانى، قال عامر لزوجته: إن لهذا المولود سرا وبرهانا، ولقد رأينا من آياته عجبا فلأقطعن فى محبته أودية وربا، فساروا مجدين ولمكة قاصدين، إلى أن وصلوا إليها وقدموا عليها فسألوا عن دار امه السيدة آمنه عليها السلام وطرقوا عليها الباب، فبادرت بالجواب، فقالوا لها أرينا جمال هذا المولود، الذى نور الله به الوجود وشرف به الاباء والجدود، فقالت لن أخرجه لكم فإنى أخاف عليه من اليهود، فقالوا نحن قد فارقنا فى حبه أوطاننا وتركنا ديننا وأدياننا لنرى جمال هذا الحبيب الذى من قصده لا يخيب، فقالت إن كان ولا بد لكم من رؤياه فأمهلوا واصبروا على ساعة ولا تعجلوا، ثم إنها غابت ساعة وقالت لهم ادخلوا فى البيت الذى فيه النبى المكرم والرسول المعظم ، فلما رأوا انوار الحبيب ذهلوا وهللوا وكبروا ثم كشفوا عن وجهه الغطاء فاشرق نور ضيائه إلى السماء وطلع عمود من نور وجهه إلى السماء فصاحوا وشهقوا وكادوا ان يزهقوا، ثم قبلوا أقدامه وانكبوا عليه وأسلموا على يديه ما ترضى مرض عن صاحبيه وختنيه، ثم قالت: لهم السيدة آمنة أسرعوا الخروج فإن جده عبدالمطلب قلدنى الامانة أن أخفيه عن أعين الناس واكتم شأنه، فخرجوا من عند الحبيب وفى قلوبهم نار ولهيب، ثم وضع عامر يده على قلبه وقد غاب عن عقله ولبه ثم صاح وقال: ردونى إلى بيت آمنة واسألوها ان ترينى جماله ثانيا. فرجعوا إلى بيت السيدة آمنة فدخلوا، فلما رآه بادر إليه وانكب على قدميه بالتقبيل ثم شهق شهقة ومات من وقته فعجل الله بروحه الى الجنة، فوالله هذه أحوال المحبين والعاشقين، وهذه صفات الصادقين وصدق وصفهم فى قول الامام فخرالدين

فالله قد خلق العباد بحكمة        جعلت غرائب خلقه أصنافا

فمن الخلائق مؤمنون سليقة          جبلوا على توحيده إلطافا

هم عصبة قد أرقتهم نظرة     وعن المضاجع جمعهم يتجافى

إبراهيم جعفر

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب

أسرة التحرير