سيد الشهداء 4

 

من رحاب سيدنا ومولانا الإمام الحسين وفى الإحتفال بذكراه بمصر الإمام الحسين، ومن خلال تدارس أحد أبيات قصيدة أصول وآداب وكيفية زيارة رحاب سيدنا ومولانا الإمام الحسين، وما يجب على المريد من استشعاره فى قلبه أثناء زيارته، نستكمل من قوله .

فَلَكُمْ حَبِيبَ اللهِ عَيْنُ عِنَايَةٍ      وَلَوَاحِظٌ تُرْمَى بِهِنَّ سِهَامُ (24/10)

حبيب الله: ويتمثل الحب الإلهى فى الحديث القدسى المروى عن رب العزه: برواية صحيح البخارى - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ حَدَّثَنِى شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (إِنَّ اللهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْئٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ). فهذا حال من يحبه الله، فمن عاداه قاتله الله، ومن والاه والاه الله وأحبه. فما ظنكم بسيد الأولياء وسيد الشهداء. فعطاء الله له بلا حدود، يقول تبارك وتعالى ﴿وَالَّــذِى جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾ الزمر 39: 33-34، فما ظنكم بهذا العظيم المبجل؟

عين عناية: عين رعاية واهتمام.

ولواحظ: قيل اللحْظة النظْرة من جانب الأُذن، ولَحَظَ إِليه نظره بمؤخِرِ عينِه من أَىّّ جانبيه كان يميناً أَو شمالاً وهو أَشدّ التفاتاً من الشزْر، فالنظرات منه عناية ورعاية ونور لمن ينظره وإن شئت فاقرأ قوله تعالى ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ الحديد 57: 13. هذا قول المنافقين يوم القيامة لما عرفوا الحقيقة ولكن بعد فوات الأوان فلوا قالوها فى الدنيا لنفعتهم النظرة نظرة النور والهداية ولكنهم ارتابوا وشكوا وأنكروا أن تكن نظرة الولى فيها النور والهدايه فيقتبسوا منها ونسوا أو لم يفهموا قول سيدنا موسى عليه السلام ﴿لَعَلّى آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ طه 20: 10.

ونقول لمن أراد أن يفهم كلام الله تعالى ألم تقرأ ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ الفلق 113: 5 وقول المصطفى (العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر) ابن عدى، وأبو نعيم فى الحلية، والخطيب عن جابر أخرجه ابن عدى، وأبو نعيم فى الحلية، والخطيب، والقضاعى.

واذا كانت هذه هى نظرة الحقد والحسد والعوارض والشياطين فما ظنك بمن ينظر بنور الله جل وعلا.

وإذا كان العلم الحديث قد أثبت أن السلحفاة تربى صغارها بالنظر إليهم أفلا يربى الأولياء أولادهم وأتباعهم بالنظرة.

فلواحظ الإمام الحسين ترمى بسهام النور والهداية جعلنا الله تعالى ممن تصيبه هذه اللواحظ  ونظرات النور والهداية.

أَنْتُمْ مَعِينُ الشَّارِبِينَ جَمِيعِهِمْ     وَعُيُونُ رِىٍّ مِسْكهُنَّ خِتَامُ (24/11)

يقول المولى تبارك وتعالى ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾ الصافات 37: 45-46.

يقول ابن عجيبة : من مَّعِين: من خمر معين، أى: جارية فى أنهار ظاهرة للعيون. وفى الاشارة يقول: يشربون كأس المحبة والاصطفاء على قدر شربهم هنا خمرة المعانى، وشرب المعانى على قدر الغيبة عن حس الأوانى والزهد فى بهجتها.

وقول سيدى فخر الدين : الماء المعين أى المعين على الحياة، والمقصود هنا الحياة الحقيقية أى يحيى بصفات الله يكون سمعه وبصره إلخ والشرب فى الاصطلاح الصوفى هو أوسط التجليات والذوق أولها والرى آخرها. وذلك قول سيدى محيى الدين بن عربى. وقول الطوسى فى اللمع: الشرب: تلقى الأرواح والأسرار الطاهره لما يرد عليها من الكرامات وتنعمها بذلك. فشبه ذلك بالشرب لتهنيه وتنعمه بما يرد على القلب من أنوار مشاهدات قرب سيده.

ويقول الشيبانى الشرب هو الفهم.

ولأن سيدنا الحسين سيد ورئيس يسميه الأولياء ولى النعم وكما قلنا فى العدد السابق عن الحبيب المصطفى أنه قال (حسين منى وأنا من حسين) فإذا كان العطاء من يده والدخول على الحبيب من بابه وأرضاه وهذا إرشاد من الحبيب لنا وهذا كلام اتفق عليه أكابر أهل التصوف ومريدهم وأنه الميناء الأعظم لكل السالكين ونحن مأمورون باتباعهم وتصديقهم وفى ذلك يقول المولى تبارك وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ التوبة 9: 119، وأيضاً هو القائل فى محكم التنزيل ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّــهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ يوسف 108 وهؤلاء هم أصحاب البصائر وعلينا اتباعهم.

فكأن مولانا فخر الدين يقول: أن مولانا الإمام الحسين يعين كل الشاربين بالتجلى المعنوى من معانى الخمر الذى لا يسكر ولا يغتال العقول بل تكون فى حضور دائم مع مولاها تقربهم من ربهم بمشاهدة الحبيب وهى خصاصة من المصطفى خص بها سيدنا ومولانا الإمام الحسين حينما قال (وأنا من حسين). فهو معين الشاربين وهو أيضاً عيون رى يقول المولى تبارك وتعالى ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ الحجر 15: 45.

وانظر الى قول ابن عجيبة فى الاشارة: وهذا لا ينال إلا بالخضوع لأهل النور، حتى يوصلوه إلى نور النور، فيصير قطعة من نور غريقاً فى بحر النور. أ.هـ فهو عيون رى ترتوى منها القلوب والأرواح بل والعقول عيون تفيض بخمرة من المعانى والمحبة الأزلية مختومة بالمسك ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ المطففين 83: 26، وهو رائحة زكية وعبر عنه سيدنا محيى الدين بن عربى بأنه ختم الشرع وهى الشريعة التى تحكم المتصوفة وهو حكم الشرع بالمباحات المطيبة للنفوس والمقوية للقلوب ﴿وفى ذلك﴾ أى فى شراب رحيق المحبة الروحانية الصرفة المقيدة بقيد الشريعة ولذتها الصافية ﴿فليتنافس المتنافسون﴾ للوصول والحصول على هذا العلم وهذة الخمرة الربانية والمحبة الروحانية.

وهنيئاً لمن ارتوى من هذه العيون جعلنا الله منهم.آمين.

عَشِقَتْكَ عَيْنِى فَابْتُلِيتُ بِصَحْوَتِى     حَاشَا لِعَيْنٍ شَاهَدَتْكَ تَنَامُ (24/12)

العشق: فى الاصطلاح الصوفى هو آخر مرتبة المحبة، والمحبة أول درجة العشق، كذا فى خلاصة السلوك. وقيل هو عبارة عن افراط المحبة وشدتها. وقيل قيام القلب مع المعشوق بلا واسطة. وجاء فى الانسان الكامل فى باب الارادة مقام العشق يرى العاشق معشوقه فلا يعرفه. كما روى عن مجنون ليلى أنها مرت به ذات يوم فدعته إليها لتحدثه فقال لها: دعينى منك فإنى مشغول عنك بليلى، وهذا آخر مقامات الوصول والقرب، فالعشق فى ابتداء ظهوره يفنى العاشق حتى لا يبقى له اسم ولا وصف ولا رسم، فلا يبقى عاشقاً ولا معشوقاً، وحنئذ يظهر العشق بالصورتين ويتصف بالصفتين فيسمى بالعاشق ويسمى بالمعشوق.

هذا بعض ما جاء عن العشق فى كتاب كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم للعلامة محمد على التهانوى.

فعندما يقول العارف بالله عشقتك عينى لايكون المعنى أحبتك عينى وإنما للصوفية اصطلاح يجب مراعاة معناه لنفقه مايقول العارف المتحقق بأنوار الأسماء والصفات الإلهية (كنت سمعه وبصره) الحديث، فلم يقل رأتك عينى وإنما عشقتك وفرق كبير بين الرؤية والعشق. والعشق كما قلنا اتصاف كل من العاشق والمعشوق بصفات الآخر، والحديث قلناه سابقاً فى تدارس العدد السابق (أحب الله من أحب حسين) فما هو حال من عشقه وما هو حال من عشق من كان سمع الله وبصره والحديث يقول (مازال عبدى يتقرب الى بالنوافل حتى أحبه فإن أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ...) إلى آخر الحديث فمن عشق من أحبه الله اتصف بصفاته التى هى صفات الله لذلك يقول فابتليت بصحوتى والصحوة خلاف السكر، فالصحو كما جاء بموسوعة مصطلحات التصوف الاسلامى: اعلم أن السُكر لايأتى الا بوارد قوى وأيضاً الصحو لاياتى إلا بوارد قوى أيضاً واعلم أن الصحو لايأتى إلا بعد سُكر وأما قبل السُكر فليس بصاح ولا هو صاحب صحو وجاء فيه أيضاً أن الصحو هو:

رجوع العارف إلى الإحساس بعد غيبته وزوال إحساسه، والسُكر غيبته بوارد قوى فهو أقوى من الغيبة وأتم منها أيضاً لأن الغيبة قد يكون سببها الرغبة أو الرهبة أو الخوف أو الرجاء، والسُكر لا يكون سببه إلا المكاشفة بنعت الجمال لأنه طرب الروح وهيام القلب ولا يكون ذلك إلا لأصحاب الوجد والمشاهدة والوجود لا لأهل الرغبة والرهبة والخوف والرجاء.

من هنا نفهم أن كلام الصوفيه له معان خاصة تفيد فى السير والسلوك الى الله تعالى يعنى تفيد فى التقرب الى الله فعندما يقول : عشقت عينى فهو  يرى الإمام الحسين بعين الإمام الحسين مشاهداً له وعين الإمام الحسين مستمدة بصيرتها من الله عز وجل كما يقول الحديث القدسى (كنت سمعه وبصره) فهل مثل هذه العين تنام؟ حاشاها أن تنام وهى تشاهد هذا الجمال وهذا النور الحسينى النبوى، فهذا النور من نور النبى صلوات الله وسلامه عليه. والبيت الذى يليه:

يَا نِعْمَ بَطْنٍ قَدْ حَوَاكَ وَيَا لُهُ     نَسَبٌ لَهُ أَهْلُ السَّمَا خُدَّامُ (24/13)

يا نعم: أسلوب مدح. بطن: البطن معروفة والمقصود السيدة فاطمة الزهراء. وياله: تعجب.

فهو يمدح السيدة فاطمة الزهراء التى حوت فى بطنها هذا الإمام العظيم وكل من كان فى صلبه هذا الإمام وكل من حوى فى قلبه هذا الإمام متعجباً من هذا النسب العظيم فهى بنت من؟ بنت سيد الخلق على الإطلاق. ذلك النسب الذى يخدمه أهل السماء من الملائكة.

جاء فى الوافى بالوفيات للصفدى، أنه فى زمن أبى نواس اعترض عليه الناس لأنه كان شاعراً شهير بالمدح فى أشعاره، فقالوا: كيف يكون الإمام على بن موسى الرضى رضوان الله عليهما فى عصرك ولم تمدحه وأنت شهير بالمدح، فرد عليهم قائلاً بهذه الأبيات:

قيل لى أنت  أوحد الناس طراً                فى  فنون من  المقال البديه 

لك  من  جوهر  الكلام نظام               يثمر  الدر  فى  يدى مجتنيه 

فلماذا  تركت مدح ابن موسى                والخصال  التى  تجمعن فيه 

قلت  لا  أهتدى  لمدح  إمام                كان   جبريل   خادما  لأبيـه 

والبيت التالى فى القصيدة:

وَقَدْ اصْطُفِيتُ وَأَنْتَ أَنْتَ مُؤَيِّدى     وَلِبَاسِىَ التَّقْرِيبُ وَالإِحْرَامُ (24/14)

يقول السيد الامام فخر الدين:

مَنَازِلٌ قُدِّرَتْ لِلذِّكْرِ أَجْمَعِهِ      وَبَعْدَهَا نُصْطَفَى هَذِى بِدَايَتُـنَا (35/12)

فالاصطفاء يكون بعد قطع منازل السير فى الذكر ولا سبيل إليه بالاجتهاد. ويقول أيضاً:

وَتَكَتَّمْتُ أَمْرَهُ فَهَدَانِى     رَشَدًا وَاصْطُفِيتُ بِالإِرْشَادِ (22/16)

فالاصطفاء لشيخنا بالارشاد، والارشاد هو الدعوة الى الله تعالى وهى أعظم مهمة قام بها الأنبياء والرسل ومن بعدهم الأولياء ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ يوسف 12: 108، فالدعوة تحتاج الى بصيرة ولا يكون صاحب بصيرة إلا أولياء الله رضوان الله عليهم أجمعين.

فالسيد فخر الدين كأنه يقول: أننى قد اصطفيت لهذه الدعوه وهذا الارشاد لهذه الأمة ومؤيدى فى ذلك هو سيدنا ومولانا الإمام الحسين مرتدياً لهذه المهمة لباس التقريب والإحرام فكل من أراد أن يتقرب إلى الله تعالى فليأتنى لأرشده كيف يتقرب إلى الله وكل من أراد حجاً مخصوصاً فاليأتنى لأعلمه مراسم هذا الحج الى الله.

لكن إذا سأل سائل لماذا قال الشيخ أنت أنت؟ أقول له عن سيدى فخر الدين: عندما يقول المولى "أنا" يكون المصطفى فى موقع أنت وعندما يكون النبى فى موقع أنا يكون الأنبياء والرسل فى موقع أنتم أ ه. وهذه الأنت النبويه هى المرآه التى تظهر فيها التجليات الإلهيه وعندما يكون المصطفى هو المتحدث بأنا يكون الإمام الحسين فى موقع أنت فأنت أنت هنا فكأنه يقول أن أنت الثانية هى صورة الأنا الأولى وهى الصورة النبوية الكاملة فهو مرآة لحضرة المصطفى فالتأييد من مولانا الحسين تأييد من المصطفى وبتفويض منه نفعنا الله باصطفائه وبارشاده فى الدنيا والآخره والى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 محمد مقبول