لا أعلم من هو أعلم منى !

الإدعا للعلم آفة العصور ولم ينتهى منه عصر، فهو عيب موجود فيمن لم يتفقه، وسمعت شخصا ضعيف الحال مثلى يقول: والله العظيم لا أعلم الآن فى مصر كلها أعلم منى ولو أننى علمت لمشيت واستفدت منه، وهذا هو مجنون وأقل جزاؤه أنه حرم بركة علماء زمانه ومات بجهله.

 وقد رأيت شخصا يدعى القطبية يقول: أطلعنى الله تعالى على دائرة الأولياء كلهم فلم أر فلانا منهم وأشار إلى شخص من صالحى عصره فقال له شخص فى المجلس إن كنت صادقا فقل لى كم فى لحيتك من شعرة؟ فما درى ما يقول وخجل بين الناس وإذا كان الله تعالى نهى العلماء عن دعوى العلم مع علمهم فكيف بمن يجهل ويدعى العلم مع الجهل.

 وحكى شيخ الإسلام زكريا قال: اجتمع يوما فى مجلس الحسن البصرى خمسمائة محبرة تكتب عنه العلم فحصل له بعض عجب فى نفسه فقال لا تسألونى فى هذا المجلس عن علم من العلوم إلا أخبرتكم به فقام إليه صبى أمرد ضعيف يتوكأ على عصا فقال يا سيدى قد سمعنا قولك فهل للناموسة كرش أو مصران فتغير لون الحسن واصفر ثم حمل من ذلك المجلس مغشيا عليه فمات بعد ثلاثة أيام وذكر الشيخ الكامل محى الدين بن عربى عن نفسه أنه كان راكبا مرة فى سفينة فى البحر المحيط فهاجت الريح فقال اسكن يا بحر فإن عليك بحرا من العلم فطلعت له هائشة من البحر وقالت له: قد سمعنا قولك فما تقول فيما إذا مسخ زوج المرأة هل تعتد عدة الأحياء أم الأموات؟ فما درى الشيخ ما يقول: فقالت له الهائشة تجعلنى شيخة لك وأنا أعلمك الجواب؟ فقال: نعم فقالت: إن مسخ حيوانا اعتدت عدة الأحياء وإن مسخ جمادا اعتدت عدة الأموات. ذكر هذه الحكاية فى ترجمة مشايخه من الجن والإنس والملائكة والحيوانات وبلغنا أنه من ذلك الوقت ما سمع أحد منه رائحة دعوى العلم.

 ويحتاج من يريد العمل بطريق القوم إلى شيخ يأخذ بيده ويدخله حضرات العلوم والخزائن الإلهية حتى يرى أن جميع ما علمه هؤلاء لا يجيئ نقطة من البحر المحيط.

 وقد استخرج الشيخ أفضل الدين من سورة الفاتحة مائتى ألف علم ونيفا وأربعين ألف علم وذُكر منها فى كتاب ’تنبيه الأغبياء‘ قطرة من بحر علوم الأولياء، ثلاثة آلاف علم لا يتعقلها الإنسان إلا إن رأى أسماءها إذ لم تخطر له قط على بال.

 فانظر يا أخى فيما علمته من الفقه والنحو والأصول وغيرها تجده لا يجيئ قطرة من البحر المحيط بالنسبة لعلوم أهل الله ، وقد نقل ابن السبكى فى الطبقات الوسطى عن أبى القاسم الجنيد متحدثا عن علمه الذى أعطاه الله فكان يقول: ما أنزل الله من السماء علما وجعل للخلق إليه سبيلا إلا وجعل لى فيه حظا ونصيبا، قكيف ندعى العلم بعد ذلك.

 ولذلك فإننا نحتاح إلى السلوك على يد شيخ من هؤلاء، فأن السالك معهم يصل إلى حضرة يرى جميع صفاته الظاهرة والباطنة عارية عنده، وأمانة أودَعها الحق عنده، فلا يسوغ له أن يدَّعيها أو شيئا منها لنفسه أبدا حياء من الله تعالى، فالناس يرونه عالما فى عيونهم وهو يرى نفسه جاهلا، وهناك يأمن من أن يدَّعى لنفسه حالا أو مقالا سرا أو جهرا، ومن لم يسلك كما ذكرنا فقد لازمه الحجاب غالبا والدعاوى المضلة عن سواء السبيل.

 فاسلك يا أخى طريق الأدب مع الله على يد شيخ ولو كنت من أعلم الناس عند نفسك فإنه لا بد أن يظهر لك جهلك إذا سلكت الطريق والله يتولى هداك.

وفى قصة سيدنا موسى والخضر   كفاية لكل عاقل وذلك أن الخضر قال لموسى : ’أنا أعلم أهل الأرض يا موسى، ما علمى وعلمك فى علم الله إلا كما نقر هذا العصفور من هذا البحر‘ والمراد بعلم الله معلومه لقوله تعالى: ﴿وما أوتيتم من العلم إلا قليلا﴾.

المرجع: العهود المحمدية.

علاء الصاوى

 

الجدال

  روى الطبرانى مرفوعا – للمصطفى -: (إن الشريعة جاءت على ثلاثمائة وستين طريقة). انتهى فلا ينبغى لأحد أن يرد على من يجادله إلا إن نظر فى هذه الطرق كلها ولم يجد كلام خصمه يوافق طريقة واحدة منها، وما ذكر الشارع ذلك إلا سدا لباب الجدال بغير علم، تقوية للدين فإن النزاع يوهنه ويضعفه. وسُمع سيدى على الخواص يقول: ’لا يقوم الدين إلا بالاتفاق عليه لا بالاختلاف فيه، ثم لا يصح للعلماء اتفاق إلا إن خرجوا عن رق الشهوات النفسانية، وما لم يخرجوا فلا يصح لهم ارتباط قلوبهم مع بعضهم بعضا أبدا‘.

فاعلم أن أنصار الدين حقيقة هم الذين سلكوا الطريق، وخرجوا من حضرة النفوس إلى حضرة الأرواح، فإن الأرواح لا شهوة لها إلى شيئ من الأغراض النفسانية أبدا، وهناك يكون نصرتها للدين خالصة من الشوائب، فاعلم ذلك واعمل عليه والله يتولى هداك.

وقد روى البيهقى والترمذى وغيرهما مرفوعا – للمصطفى - وحسنه الترمذى: (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل). ثم قرأ : ﴿ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون﴾. وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا أيضا: (إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم). والألد: هو شديد المخاصمة. والخصم: هو الذى يحج من يخاصمه ويدحض حجته: اللهم إلا أن يقوم لنا صاحب بدعة لا يشهد لها كتاب ولا سنة فلنا إدحاض حجته نصرة لله ولرسوله وللمسلمين: والله غفور رحيم.

 وباتالى فإننا لا نجادل فى علم من العلوم الشرعية إلا بقصد نصرة الدين بشرط الإخلاص والحضور مع الله تعالى فى ذلك على الكشف والشهود لا على الظن والرياء والغفلة والتخمين ومغالبة الخصوم من أهل مذهبنا أو غيرهم.

 ويحتاج من يريد العمل بذلك إلى شيخ متضلع من علوم الشريعة قد اطلع على جميع أدلة المذاهب المستعملة والمندرسة وسلك طريق القوم فى درجات الإخلاص، وهذا ما فعله جميع الأئمة السابقين على الإطلاق؛ مثل أئمة التفسير وأئمة الحديث والفقه والحقيقة ومنهم: أبو حنيفة ومالك والشافعى وأحمد بن حنبل والبخارى ومسلم وغيرهم أجمعين. فكيف لنا أن ندعى نحن الضعفاء قدرتنا على التعلم بغير معلم؟ ولذلك فمن أراد هذ العمل بنفسه من غير شيخ فهو يروم المحال غالبا.

 واعلم يا أخى أنه لا ينبغى لمقلد الإمام أن يسمى جماعة الإمام الآخر خصوما كقوله إن قال الخصم كذا قلت كذا فإن حسن الأدب فى اللفظ من أخلاق العلماء العاملين.

 ويحكى صاحب العهود المحمدية أنه أطلعه أحدهم مرة على كتاب فى الرد على الإمام أبى حنيفة فرأى تلك الليلة فى واقعة الإمام أبا حنيفة وقد تطور نحو سبعين ذراعا فى السماء وله نور كنور الشمس وأجد ذلك العالم الذى رد عليه تجاهه يشبه الناموسة السوداء.انتهى. وإذا كان إمامنا الشافعى يقول: ’الناس كلهم فى الفقه عيال على أبى حنيفة‘ فكيف يسوغ لأمثالنا أن يتصدر للرد عليه؟ هذا فوق الجنون بطبقات وقد قال تعالى: ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه﴾. فأمر الله تعالى بإقامة الدين لا بإضجاعه بالتكبر على أئمته وهذا الأمر قد فشى فى مقلدى المذاهب فترى كل إنسان يدحض حجة مذهب غيره حتى لا يكاد يبقى له تمسكا بكتاب ولا سنة وذلك من أقبح الخصال وإنما كان اللائق بهم الجواب عن الائمة إما بعدم إطلاعهم على ذلك الدليل الذى ظفر به الراد عليهم وإلا بان ذلك المجتهد منزعا فى الاستنباط من وجوه قواعد العربية يخفى على أمثالنا.

 والإمام الشافعى لما دخل بغداد وزار قبر الإمام أبى حنيفة حضرته صلاة الصبح فترك القنوت مع أنه يقول به فقيل له فى ذلك فقال استحييت من الإمام أن أقنت بحضرته وهو لا يقول به. فرضى الله تعالى عن أهل الأدب. 

 وقد حكى الشيخ محى الدين فى الفتوحات المكية أن من وراء النهر جماعة من الشافعية والحنفية لم يزل الجدال بينهم قائما طول السنة حتى أن بعضهم يفطر فى رمضان ليتقوى على الجدال مع خصمه.

بنت الهدى  

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع هذه الروابط:

http://burhaniya.org/magazine/tricks.htm

وباقى صفحات خدعوك فقالوا فى موقع الطريقة البرهانية

أسرة التحرير