صحابة أحمد 2

أما أبو بكر فمن كراماته أنه لما حملت جنازته إلى باب قبر النبى صلى الله عليه وسلم ونودى السلام عليك يا رسول الله هذا أبو بكر بالباب فإذا الباب قد انفتح وإذا بهاتف يهتف من القبر ادخلوا الحبيب إلى الحبيب.

وأما عمر فقد ظهرت أنواع كثيرة من كراماته وأحدها ما روى أنه بعث جيشاً وأمر عليهم رجلاً يدعى سارية بن الحصين فبينا عمر يوم الجمعة يخطب جعل يصيح فى خطبته وهو على المنبر: يا سارية الجبل الجبل قال على بن أبى طالب فكتبت تاريخ تلك الكلمة فقدم رسول مقدم الجيش فقال: يا أمير المؤمنين غزونا يوم الجمعة فى وقت الخطبة فهزمونا فإذا بإنسان يصيح يا سارية الجبل الجبل فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزم الله الكفار وظفرنا بالغنائم العظيمة ببركة ذلك الصوت، قلت سمعت بعض المذكرين قال: كان ذلك معجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه قال لأبى بكر وعمر أنتما منى بمنزلة السمع والبصر فلما كان عمر بمنزلة البصر لمحمد ، لا جرم قدر على أن يرى من ذلك البعد العظيم. الثانى: روى أن نيل مصر كان فى الجاهلية يقف فى كل سنة مرة واحدة وكان لا يجرى حتى يلقى فيه جارية واحدة حسناء، فلما جاء الإسلام كتب عمرو بن العاص بهذه الواقعة إلى عمر، فكتب عمر على خزفة: أيها النيل إن كنت تجرى بأمر الله فاجر، وإن كنت تجرى بأمرك فلا حاجة بنا إليك! فألقيت تلك الخزفة فى النيل فجرى ولم يقف بعد ذلك. الثالث: وقعت الزلزلة فى المدينة فضرب عمر الدرة على الأرض وقال: اسكنى بإذن الله فسكنت وما حدثت الزلزلة بالمدينة بعد ذلك. الرابع: وقعت النار فى بعض دور المدينة فكتب عمر على خزفة: يا نار اسكنى بإذن الله فألقوها فى النار فانطفأت فى الحال. الخامس: روى أن رسول ملك الروم جاء إلى عمر فطلب داره فظن أن داره مثل قصور الملوك فقالوا: ليس له ذلك، وإنما هو فى الصحراء يضرب اللبن فلما ذهب إلى الصحراء رأى عمر وضع درته تحت رأسه ونام على التراب، فعجب الرسول من ذلك وقال: إن أهل الشرق والغرب يخافون من هذا الإنسان وهو على هذه الصفة! ثم قال فى نفسه: إنى وجدته خالياً فأقتله وأخلص الناس منه. فلما رفع السيف أخرج الله من الأرض أسدين فقصداه فخاف وألقى السيف من يده وانتبه عمر ولم ير شيئاً فسأله عن الحال فذكر له الواقعة وأسلم. وأقول هذه الوقائع رويت بالآحاد، لكن هنا ما هو معلوم بالتواتر وهو أنه مع بعده عن زينة الدنيا واحترازه عن التكلفات والتهويلات ساس الشرق والغرب وقلب الممالك والدول لو نظرت فى كتب التواريخ علمت أنه لم يتفق لأحد من أول عهد آدم إلى الآن ما تيسر له فإنه مع غاية بعده عن التكلفات كيف قدر على تلك السياسات، ولا شك أن هذا من أعظم الكرامات.

وأما عثمان فروى أنس قال: سرت فى الطريق فرفعت عينى إلى امرأة ثم دخلت على عثمان فقال: ما لى أراكم تدخلون على وآثار الزنا ظاهرة عليكم؟ فقلت: أجاء الوحى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا ولكن فراسة صادقة. الثانى: أنه لما طعن بالسيف فأول قطرة من دمه سقطت وقعت على المصحف على قوله تعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله وَهُوَ السميع العليم﴾ البقرة 137 الثالث: أن جهجاها الغفارى انتزع العصا من يد عثمان وكسرها على ركبته فوقعت الأكلة فى ركبته.

وأما على فيروى أن واحداً من محبيه سرق وكان عبداً أسود فأتى به إلى على فقال له: أسرقت؟ قال نعم. فقطع يده فانصرف من عند على عليه السلام فلقيه سلمان الفارسى وابن الكرا، فقال ابن الكرا: من قطع يدك فقال أمير المؤمنين ويعسوب المسلمين وختن الرسول وزوج البتول فقال قطع يدك وتمدحه؟ فقال: ولم لا أمدحه وقد قطع يدى بحق وخلصنى من النار! فسمع سلمان ذلك فأخبر به علياً فدعا الأسود ووضع يده على ساعده وغطاه بمنديل ودعا بدعوات فسمعنا صوتاً من السماء ارفع الرداء عن اليد فرفعناه فإذا اليد قد برأت بإذن الله تعالى وجميل صنعه. 

سامر الليل

 

ذو النون المصرى

هو أبو الفيض ذو النون المصرى واسمه ثوبان بن إبراهيم، وقيل الفيض بن إبراهيم، وأبوه كان نوبياً وقيل من أهل اخيم، مولى لقريشى، تُوفى سنة خمس وأربعين ومائتين، أوحد وقته علماً ورعاً وحالاً وأدباً.

سعَوا به إلى المتوكِّل، فاستحضره من مصر، فلما دخل عليه وعظه فبكى المتوكِّل وردَّه إلى مصر مكرَّماً، وكان المتوكل إذا ذُكر بين يديه أهل الورع يبكى ويقول: إذا ذكر أهل الورع فجهلاً بذى النون.

وكان رجلاً نحيفاً، تعلوهُ حمرة، ليس بأبيض اللحية.

ومن أقواله: مدار الكلام على أربع: حبُّ الجليل، وبغض القليل، واتِّباع التنزيل، وخوف التحويل.

وقال أيضاً: من علامات المحبِّ لله : متابعة حبيب الله ، فى أخلاقه، وأفعاله، وأوامره، وسننه.

وسئل عن السفلة من الخلق من هم؟ فقال من لا يعرف الطريق إلى الله تعالى ولا يتعرفه.

وجاء سالم المغربى إلى مجلسه فقال له: يا أبا الفيض، ما كان سبب توبتك؟ قال: عجب لا تطيقه. قال: بمعبودك إلا أخبرتنى، فقال ذو النون: أردت الخروج من مصر إلى بعض القرى، فنمت فى الطريق فى بعض الصحارى، ففتحت عينى، فإذا أنا بقنبرة عمياء سقطت من وكرها على الأرض، فانشقت الأرض، فخرج منها سكرجتان: إحداهما ذهب، والأخرى فضة وفى إحداهما سمسم، وفى الأخرى ماء، فجعلت تأكل من هذا، وتشرب من هذا، فقلت: حسبى، قد تبت، ولزمت الباب إلى أن قبلنى الله .

ومن أقواله أيضاً: إياك أن تكون للمعرفة مدعياً أو بالزهد محترفاً أو بالعبادة متعلقاً، وفِر من كل شىء إلى ربك، وكان يقول: كل مدع محجوب بدعواه عن شهود الحق لأن الحق شاهد لأهل الحق بأن الله هو الحق، وقوله الحق ومن كان الحق تعالى شاهداً له لا يحتاج أن يدعى فالدعوى علامة على الحجاب عن الحق، والسلام.

وكان يقول للعلماء أدركنا الناس وأحدهم كلما ازداد علماً ازداد فى الدنيا زهداً وبغضاً، وأنتم اليوم كلما ازداد أحدكم علماً ازداد فى الدنيا حباً وطلباً ومزاحمة، وأدركناهم وهم ينفقون الأموال فى تحصيل العلم، وأنتم اليوم تنفقون العلم فى تحصيل المال.

وكان يقول: يا معشر المريدين من أراد منكم الطريق فليلق العلماء بإظهار الجهل والزهاد بإظهار الرغبة والعارفين بالصمت.

وقال إسحاق بن إبراهيم السرخسى بمكة: سمعت ذا النون وفى يده الغل وفى رجليه القيد وهو يساق إلى المطبق والناس يبكون حوله وهو يقول: هذا من مواهب الله تعالى ومن عطاياه وكل فعاله عذب حسن طيب، ثم أنشد:

لك من قلبى المكان المصون      كل لــــــــــــوم على فيـــــــــك يهون

لك عــزم بأن أكـــون قتيــــــــــــلاً       فيك والصبر عنك ما لا يكون

ولما توفى بالجيزة حمل فى قارب مخافة أن ينقطع الجسر من كثرة الناس مع جنازته ورأى الناس طيوراً خضراً ترفرف على جنازته حتى وصلت إلى قبره .

سالم غانم

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب

أسرة التحرير