النسر

طائر معروف وجمعه في القلة أنسر، وفي الكثرة نسور، وكنيته أبو الأبرد وأبو الإصبع وأبو مالك وأبو المنهال وأبو يحيى، والأنثى يقال لها أم قشعم. وسمى نسراً لأنه ينسر الشىء ويبتلعه، وهو عريف الطير، ويقول فى صياحه: ابن آدم عش ما شئت، فإن الموت ملاقيك. كذا قاله الحسن بن على .

قلت: وفى هذا مناسبة لما خص النسر به من طول العمر، يقال: إنه من أطول الطير عمراً، وأنه يعمر ألف سنة. والنسر ذو منسر، وليس بذى مخلب، وإنما له أظفار حداد كالمخالب. والبازي والنسر يسفدان كما يسفد الديك.

وزعم قوم أن الأنثى من هذا النوع، تبيض من نظر الذكر إليها، وهى لا تحضن وإنما تبيض في الأماكن العالية الضاحية للشمس، فيقوم حر الشمس للبيض مقام الحضن، وهو حاد البصر يرى الجيفة من أربعمائة فرسخ، وكذلك حاسة شمه فى النهاية، لكنه إذا شم الطيب مات لوقته، وهو أشد الطير طيراناً، وأقواها جناحاً، حتى إنه ليطير ما بين المشرق والمغرب فى يوم واحد، وإذا وقع على جيفة وعليها عقبان تأخرت، ولم تأكل ما دام يأكل منها، وكل الجوارح تخافه، وهو شره نهم رغيب إذا وقع على جيفة وامتلأ منها، لم يستطع الطيران حتى يثب وثبات، يرفع بها نفسه طبقة بعد طبقة فى الهواء حتى يدخل تحت الريح، وربما صاده الضعيف من الناس فى هذه الحالة، والأنثى منه تخاف على بيضها وفراخها الخفاش، فتفرش في وكرها ورق الدلب لينفر منه، وهو من أشد الطير حزناً على فراق إلفه، فإذا فارق أحدهما الآخر مات حزناً وكمداً. ومن غريب ما ألهم أنه إذا حملت أنثاه، ذهب إلى الهند فأخذ من هناك حجراً كهيئة الجوزة، إذا حرك سمع له حس حجراً آخر متحرك، كصوت الجرس فإذا جعله عليها أو تحتها أذهب عنها العسر، وهذا بعينه قاله القزوينى فى العقاب، وليس فى سباع الطير أكبر جثة منه، ويقال للنسر أيضاً أبو الطير قال الشاعر:

فلا وأبى الطير المريه فى الضحى ... على خالد لقد وقعت على لحم

والنسر سيد الطير، روى اليافع، في كتاب نفحات الأزهار ولمحات الأنوار، عن على بن أبى طالب ، أنه قال: سمعت حبيبى رسول الله يقول: (هبط على جبريل فقال: يا محمد إن لكل شىء سيداً، فسيد البشر آدم، وسيد ولد آدم أنت، وسيد الروم صهيب وسيد فارس سليمان، وسيد الحبش بلال، وسيد الشجر السدر، وسيد الطير النسر، وسيد الشهور رمضان، وسيد الأيام يوم الجمعة، وسيد الكلام العربية، وسيد العربية القرآن، وسيد القرآن سورة البقرة).

وروى الطبرانى، فى معجمه الأوسط، عن عائشة أن النبى قال: (يا رب أخبرنى بأكرم خلقك عليك؟ فقال : الذى يسرع إلى هواى إسراع النسر هواه).

وفى شعب الإيمان للبيهقى، عن على بن هارون العبدى، قال: سمعت الجنيد يقول: ’حق الشكر أن لا يعصى الله فيما أنعم، ومن كان لسانه رطباً بذكر الله تعالى، دخل الجنة وهو يضحك‘. وقال: ’إن لله عباداً يأوون إلى ذكر الله، كما يأوى النسر إلى وكره‘.

وفى الحلية، فى ترجمة وهب بن منبه وغيرها، عن وهب بن منبه، قال: ’إن بختنصر مُسخ أسداً فكان ملك السباع، ثم مُسخ نسراً فكان ملك الطير، ثم مُسخ ثوراً فكان ملك الدواب. وكان مَسخه سبع سنين، وقلبه فى ذلك كله قلب إنسان، وهو فى ذلك كله يعقل عقل الإنسان، وكان ملكه قائماً. ثم رده الله إلى بشريته، ورد عليه روحه، فدعا إلى توحيد الله وقال: كل إله باطل إلا الله إله السماء. فقيل لوهب: أمات مسلماً؟ فقال: وجدت أهل الكتاب قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: آمن قبل أن يموت. وقال بعضهم: قتل الأنبياء، وخرب بيت الله المقدس، وأحرق كتبه، فغضب الله عليه فلم يقبل منه التوبة‘ - انتهى.

وروى عن على بن أبى طالب أنه قال: ’إن نمرود الجبار، لما حاج إبراهيم في ربه، قال: إن كان ما يقوله إبراهيم حقاً، فلا أنتهى حتى أصعد إلى السماء فأعلم ما فيها، فعمد إلى أربعة أفراخ من النسور، فرباها حتى شبت، واتخذ تابوتاً، فجعل له باباً من أعلاه وباباً من أسفله، وقعد نمرود مع رجل فى التابوت، ونصب خشبات فى أطراف التابوت، وجعل على رؤوسها اللحم، وربط التابوت بأرجل النسور وخلاها، فطارت وصعدت طمعاً فى اللحم، حتى مضى يوم وأبعدت فى الهواء، فقال نمرود لصاحبه: افتح الباب الأعلى وانظر إلى السماء هل قربنا منها؟ ففتح ونظر، فقال: إن السماء كهيئتها ثم قال له: افتح الباب الأسفل، وانظر إلى الأرض، كيف تراها؟ ففعل وقال: أرى الأرض مثل اللحة والجبال مثل الدخان، فطارت النسور يوماً آخر وارتفعت، حتى حالت الريح بينها وبين الطيران، فقال لصاحبه: افتح البابين وانظر ففتح الأعلى، فإذا السماء كهيئتها، وفتح الأسفل فإذا الأرض سوداء مظلمة. ونودى: أيها الطاغية إلى أين تريد؟ وقال عكرمة: كان معه في التابوت غلام، قد حمل قوساً ونشاباً، فرمى بسهم، فعاد إليه السهم ملطخاً بدم سمكة، قذفت بنفسها من بحر فى الهواء، وقيل بدم طائر أصابه السهم. فقال: كُفيت إله السماء. قال: ثم إن النمرود، أمر صاحبه أن يصوب الخشبات، وينكس اللحم ففعل، فهبطت النسور بالتابوت، فسمعت الجبال هفيف التابوت والنسور، ففزعت وظنت أنه قد حدث حادث من السماء، وأن الساعة قد قامت، فكادت تزول عن أماكنها. فذلك قوله تعالى: ﴿وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال﴾ قرأ ابن مسعود (إن كاد) بالدال المهملة وقرأ العامة بالنون وقرأ ابن جريج والكسائي لتزول بفتح اللام الأولى ورفع الثانية، وقرأ العامة بكسر اللام الأولى ونصب الثانية. قال الجوهري: نسر صنم لذي الكلاع بأرض حمير، وكان يغوث لمذحج، ويعوق لهمدان من أصنام قوم نوح . قال الله تعالى: ﴿ولا يغوث ويعوق نسرا﴾ - انتهى.

وللحديث بقية ...

عصام

 
 

 

كان ... ما كان

سيدنا آدم

قبل خلق سيدنا آدم عليه السلام كتب ربنا سبحانه وتعالى فى العرش ﴿إنى جاعل فى الأرض خليفة﴾ ثم خلقه فأعطاه صفة الكمال، إن شئت قلت قول سيدنا النبى : (إن الله خلق آدم على صورته) فهذه صفته ولهذا تقَبَّلَ الأسماء كلها، فإنه مجموع العالم من حيث حقائقه فهو عالم مستقل وما عداه فإنه جزء من العالم.

ربنا سمّاه آدم لحكم ظاهره عليه لأن خُلِقَ من أديم الأرض، والملائكة رأوا ذلك فلم يعرفوا منه سوى ظاهره، أما باطنه فكان مجهولاً عند الملائكة ومن دونهم، فحكموا عليه بالإفساد من ظاهر نشأته لما رأوها مجموعة من طبائع مختلفة (التراب – الهواء – الماء – النار) متضادة متنافرة، فعلموا أنه لابد أن يظهر أثر هذه الطبائع على من هو على هذه النشأة فقالوا: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك﴾، ربنا قال: ﴿إنى أعلم ما لا تعلمون﴾ فلو علموا باطنه وما خلقه الله عليه من الصورة لرأوا الملائكة جزءً من خلقه، فالعالم كله تفصيل آدم، وآدم هو الكتاب الجامع، فهو للعالم كالروح من الجسد، فالإنسان روح العالم، والعالم الجسد، فإذا انفصل الإنسان عن العالم وجدت العالم كالجسم المسوّى على الأرض بغير روح، فكمال العالم بالإنسان مثل كمال الجسد بالروح، فالإنسان منفوخ فى جسد العالم، وهو المقصود من العالم، فاتخذ الله الملائكة رُسُلاً إليه، ولهذا سمّاهم ملائكة أى رُسُلاً، من ’المألكة‘ وهى الرسالة.

ربنا أمر الملائكة أن تحمل سيدنا آدم ويطوفوا به السماوات السبع فرأى ما فيها من العجائب ... ثم عرض الأسماء كلها على الملائكة وقال: ﴿أنبئونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين﴾ ردًّا على قولهم السابق ﴿أتجعل فيها.. ﴾ فعجزوا، فقال تعالى: ﴿يا آدم أنبئهم بأسمائهم﴾ ليست أسماء المسميات كأسماء الناس أو الجمادات، ولكن سيدنا آدم قال: ’يا جبريل انت ربنا خلقك من اسمه العليم، وشغلك باسمه الخبير‘، وهكذا كل مَلَكْ، فالملائكة كل منهم مختص بعمله فقط ولا يعرف عمل آخر، الملائكة اعترفت بالعجز فقالوا: ﴿سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا﴾ ربنا قال: ﴿ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾ قالوا فى ﴿ما كنتم تكتمون﴾ عائدة على إبليس اللعين لأنه كتم فى نفسه كرهه وحقده على سيدنا آدم وهذا يطول شرحه لأن اللعين لا يزال ينفس سمومه فى بنى آدم إلى يوم الدين حقداً على أبيهم ... وقد تولى الله سيدنا آدم ثلاث، توليته فى خلقه وتوليته بما علمه من الأسماء وتوليته بالخلافة.

أحمد نور الدين عباس