نشرنا فى صفحات القواطع عن موضوع القواطع عن المهيمن من كتاب المرشد الوجيز، وها نحن فى هذا الباب نستكمل الموضوع بجوانب أخرى تكمله حتى تعم الفائدة:

 

 

الشيخ المربى

فى حرصنا على التخلص من القواطع عرفنا أننا نحتاج إلى ذكر الله والصلاة على رسول الله ، وعرفنا اننا نحتاج إلى من يعرفنا بكيفية السير إلى الله ﴿الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾، ونتحدث الآن عمن وجد هذا الخبير واطمأن قلبه له فماذا بعد؟

ماذا يلزم من وجد الشيخ المربى؟
أولا: تصحيح النية، في الصلة بهذا الشيخ الأستاذ؛ أفهم ماذا أريد منه، أنا لا أبحث عن صنم عن كهنوت، أنا أبحث عن دالٍ يدلنى على الله عز وجل، أيضاً أنا لا أبحث عن مظهر وصورة أتباهى بها أمام الناس، أبحث عمن يعيننى على التربية والسير إلى الله عمن يبصرنى بعيوبى وكيف أتخلص منها، وعمن يُبصرنى بالصالحات من الأعمال والحسن من الصفات ويعيننى على الأخذ بها، فبحثى عن الشيخ بحث عن سيرى إلى الله...
ثانيا: نراعى الأدب مع الشيخ، مثلما كان الصحابة يتأدبون مع المصطفى ومثلما كان التابعون يتأدبون مع الصحابة ومثلما كان تابع التابعين يتأدبون مع التابعين، ومثلما كان الشافعى يصفح الورق صفحاً رقيقاً حتى لا يُحدث صوتاً في حضرة مالك، هذه الآداب ... الأدب مع الشيخ مع الأستاذ هو جزء من تهذيب النفس أولاً ومن الإعتراف بالفضل لأهله ثانياً، أيضاً فائدة هذا الأدب أنه يعينك على أن تتقوى على نفسك لأن النفس من طبيعتها التمرد لا تحب أن يوجد من يوجهها إلى عمل الشيئ ولهذا تريد أن ترفض بأى طريقة، فلهذا سَوْقها بالأدب تهذيب النفس ومَرّ اعاة الأدب مع من نأخذ عنه العلم مع من نتربى على يده له الأثر الكبير في تهيئة النفس لأن تواصل لأن تأخذ لأن تستفيد، أيضاً مع تصحيح النية ومع الأدب.
ثالثا: صدق المحبة، ووجه هذه المحبة، لماذا أحب الشيخ محبة كبيرة شديدة عظيمة؟ لأنه يدلنى على الله فمحبتى له هى محبة فى الله، من باب حبى لوصولى إلى الله وصلتى بالله أحب هذا الإنسان الذى يعيننى على ذلك بإرشاده وتوجيهه.
رابعا: أن أدرك أن صلتى بهذا الإنسان صلة روح، ليست مجرد صلة جسد؛ ليست مجرد استماع أذن لكلام وأنصرف... هي صلة روحية، مفاد هذه الصلة أن الشيخ هذا له صلة بشيخ قبله، والشيخ الذى قبله له صلة بشيخ قبله وهكذا إلى رسول الله ؛ فهو نور ممتد من زمان إلى زمان إلى زمان إلى زماننا، مراعاة هذه الآداب مع أدب أساسى ..
خامسا: الصدق، أن أكون صادقاً معه فيما يسألني عنه فيما أخاطبه فيه فيما أخبره به فيما أستدل به على الله عز وجل من دلالته، فإن أمثال هذه الصفات مع الجد والاجتهاد فى الطاعة فى غير معصية الله؛ أطيع شيخى فى تربية نفسى فى الأمور المتعلقة بسياسة النفس فى كل ما يأمرنى به فى غير معصية الله عز وجل (فـلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق) أبداً، مراعاة أمثال هذه الأمور تعين على تنور القلب.
نشأ لدينا تطرفين فى التعامل مع مسألة الشيخ:
الأول: تطرف فهم من هذا الكلام معنى التسليم الكلى ولو فى معصية الله، وهذا لا يتأتى لأحد من البشر، هنا يأتى المحظور.
الثانى: طرف آخر فهم فهماً آخراً عكسياً جاء إلى حد التمرد عدم مراعاة الأدب، شهدنا اليوم من التلاميذ من يرفع الصوت على المدرسين انظروا إلى مدارسنا اليوم، من يُنَكِّت على المدرس من يرمى بالطباشير على رأس المدرس فيلتفت المدرس فيضحك الجميع، وإذا تكلم أحد يقولون لا هذا يعطى العقل انطلاق ... لا تغلقوا العقول ... إلغاء للفكر ... كيف يعنى يكون مطيع للشيخ متأدب معه؟ ما رأينا خيراً من أمثال هذه الكلمات، وقد ينتقد البعض لجهل سمعنا بعض من جهل الأمر يقول: هذا من الكهنوت كيف يعنى يتأدب مع الشيخ ويطيعه فى غير معصية الله؟ يعنى من باب المدح والله أقول جهل ليس من باب الذم لأنى لو أردت أن أصفه بصفة أخرى ستكون أشد من صفة جهل، ولكن نقول (الإنسان عدو ما يجهل).
مشكلة الإدعاء فى مسألة الدلالة على الله وتعريف الناس بطريق الله:
كثر الأدعياء الذين ليسوا بصادقين ليسوا بأهل للطريق أخذوا صورة فى الدلالة على الله ولم يأخذوا حقيقتها، والسبب في انبهار الناس أو أن الناس ينغشون بأمثال هؤلاء الأدعياء أن البعض مفهوم المشيخة عنده غير واضح، مفهوم المشيخة عنده الرجل الذي يُجرى الكرامات التي تحصل على يديه خوارق العادات، كلنا يؤمن بالكرامات والخوارق العادات وأهل السنة والجماعة يعتبرون إنكار الكرامة فسقاً... خللاً... بدعة فى عقيدة الذى ينكر الكرامة، هذه ثابتة عند أهل السنة والجماعة بنص القرآن والسنة، قصة مريم ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقا﴾ً، قصة جُريجر الراهب الذي اتـُهم بالباطل فخاطب الطفل الصغير فأنطق الله له الرضيع، الكرامة ثابتة، الصحابة كثرت عندهم الكرامات فكلنا نؤمن بها، لكنها ليست هى المقياس لمعرفة الصالح فحسب، الأساس فى تمييز الصالح والدال على الله هو الإستقامة ولهذا قالوا: “الإستقامة أعظم كرامة“، قال الإمام الجنيد: “لو رأيتم الرجل يطير في السماء أو يمشى على الماء فلا تغتروا به حتى تقيسوه على الأمر والنهى -أي أمر الله ونهيه- فإن رأيتموه ممتثلاً لأمر الله منتهياً عما نهى عنه الله فهو ولى صديق وإلا فهو دَعيٌّ زنديق“، يمكن أن تـُخرَق العادة بسحر يمكن أن تـُخرَق العادة بجن يمكن أن تـُخرَق العادة بصورة فهلوة ليس حقيقية، لكن خـَرق العادة إذا صحت بالإستقامة نعم نعتبرها كرامة، لكن مقام الشيخ الذى يَدل على الله ويرشد لا يُقاس بكثرة الكرامات التي تـُجرى على يديه، يقول الإمام الجنيد: “مشى أقوامٌ باليقين على الماء، وماتَ أقوامٌ أعظمُ منهم يقيناً من شدةِ الظمأ“، فالمقياس هنا عُمق السير والإستقامة على مرضاة الله، الأكمل فى متابعة سُنـّة الحبيب فى التـَخلق بأخلاق النبى ، الأعمق نظراً في مقاصد الشريعة، من كانت هذه صفاته لا شك نحن بحاجة لأن نأخذ عنه.

والآن ماذا لو لم نجد شيخا خبيرا نطمئن إليه؟ ماذا نفعل؟
• ماذا يلزم من لم يجد الشيخ المربى ؟
ما وجدت هذا الشيخ ماذا تعمل؟ الحق عزوجل لا يَرُد صادق فى الإقبال عليه، الصدق سيجمعك على الشيخ لكن إلى أن تجتمع عليه:
1. ألحّ على الله فى الدعاء.
2. واظب على وردك من كتاب الله.
3. اقرأ في سُنـّة الحبيب .
4. اقرأ فى كتب القوم التى تدل على السير إلى الله.
الكلام الذى نتحدث فيه إنما هو نـُبـَذ من كلام القوم المعتنين بالتربية والسلوك، مثل حُجة الإسلام الإمام الغزّالى الذى ألـّف إحياء علوم الدين فى خلوته عندما عكف عشر سنين على تصنيفه، احرص على الإستفادة منه...
• تنبيه: أما مسألة من يتكلم عن تخريج الأحاديث في الإحياء، استـُدرك على تخريج الحافظ العراقى رحمه الله تعالى استدرك عليه الحافظ السبكى والحافظ الزبيدى فى شرحه للإحياء وغالب الأحاديث الموجودة لها شواهدها الصحيحة من الكتاب والسُنـّة والكتاب كتاب تربية، كتب الإمام الغزّالى لها أثر كبير فى تهذيب النفوس.
مثل كتب الإمام الحداد الذى أخذنا من كتابه آداب سلوك المريد وله كتب مفيدة فى هذا الباب، وكتب الإمام ابن عطاء الله السكندرى كالحكم العطائية وشروحها، أيضاً بالإضافة إلى كتب القوم، سِـيَر الصالحين، تراجم الأنبياء، قصص الأنبياء ﴿وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ جَعَلَ الله تثبيت فؤاد سيدنا محمد بقصص الأنبياء ... كيف بنا نحن؟ أيضا سِـيَر الصحابة سِـيَر الصالحين من التابعين ومن بعدهم سِـيَر آل البيت ، القراءة فى سير الصالحين تحرك القلب ...
5. أكثِر من الصلاة على سيدنا محمد..
فقد قال العلماء: [الصلاة على النبى شيخُ مَن لاشيخ له]، كيف؟ قال نحن موعودون: “من صلى علىَّ مرة صلى الله عليه بها عشرة” صحيح؟ والصلاة من الله قال الله فيها ﴿هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ فصلاة الله علينا إخراج من الظلمات إلى النور، فكلما أكثرت من الصلاة على النبى كلما خرجت من الظلمات إلى النور، والصادق فى الإلحاح على الله لابد أن يدله الله عز وجل على مسلك الوصول إليه..
مراجعة للمراد
نسأل الله أن نكون قد صححنا مرادنا لا يكون فينا من لا يزال يريد الدنيا، والكلام عن إرادة الآخرة والسعى لها، فأن أول الأمر فى السير إلى الله هو الباعث ما يبعث الله تعالى به قلب السائر إليه، هِمّة السير إلى الله ما يقذفه الله فى القلب، ولعلكم طلبتم الباعث فنلتموه نسأل الله ذلك، ولعلنا بعد نيله حرصنا على تقويته والحفاظ عليه وعلى إجابته، ثم الكلام فى أن أول خطوة فى مقامات السائرين إلى الله التوبة وتصحيح هذه التوبة وكيف نسلك مسالك التائبين، ثم بعد ذلك الحرص على حفظ القلب فى أول السير إلى الله فى الإلتفات إلى القلب، وأن القلب له منافذ حسية ومنافذ معنوية ثم الكلام عن السمع والبصر واللسان والنطق واللقمة وما تؤثر به، كل هذا فى الحديث عن حفظ القلب من الخواطر خواطر الشر، وكيفية تفريقنا بين خاطر الشر وخاطر الخير ميزان الشريعة والإبتداء ومخالفة النفس، وكيف نـُميز بين خاطر الخير الذى يأتى من الله إلهاماً، وخاطر الخير الذى يأتى لمسة من الملك، وكيف نـُميز بيت خاطر الشر الذى يأتى من الشيطان حتى نفقه كيف ندفعه بالذكر والإستعاذة، وخاطر الشر الذى يأتى من النفس الأمارة بالسوء وكيف ندفعه بترويض النفس (نقلل العلف ونكثر العمل)، كما يجب الخوف من خاطر الاستدراج خاطر الشر الذى يأتى استدراجاً عقوبة من الله وعلاجه سرعة التوبة إلى الله، ومداخل الشيطان السبعة وكيف نسدها بالإلتجاء إلى الله والذكر، ثم بعد ذلك الحديث عن الالتفات إلى القلب بعد حمايته بإحكام المداخل مداخل الخواطر.. مداخل الجوارح.. أن نلتفت إلى القلب لنحرص على التخلص من أمراض القلوب من معاصى قلوبنا وكان أشدها الكِبَر والحَسَد والرياء وما يتفرع عنها ومعالجتها..
كما أن فى تطهيرنا لقلوبنا ينبغى أن نحرص أيضاً على طهارة ظاهرنا من النجاسات والقاذورات، الحفاظ على الوضوء كلما أحدثنا، الذكر لله سبحانه وتعالى بعد الوضوء، صلاة سنة الوضوء، وتطهير ظاهرنا وضبط أوقاتنا كيف تسير وأن المريد السائر إلى الله أغلى ما يملك أنفاسه [نفس المريد جوهرة لا قيمة لها] أى لا تـُقدّر بقيمة، وإذا أردنا أن نضبط أوقاتنا فإننا نحتاج إلى أن نجعل محاور للوقت تنضبط عليها الأوقات وأن محور أوقاتنا هى الفرائض، كيف يكون الحضور مع الله فى الصلاة كيف نجيب المؤذن، ثم حاجتنا إلى أن يكون لكل منا رواتب مع الصلوات القبلية والبعدية أيضا صلاة الوتر صلاة الضحى نحافظ عليها نستمر على ذلك، ثم الورد من قراءة القرآن العظيم ومن الأذكار الواردة من الصلاة على النبى ، نحافظ على الأوراد، والوراد كلها مستنبطة من السنة وأذكار التابعين، وبعد ذلك حضور القلب مع الله سبحانه وتعالى، ثم ما يلحق ذلك من النظر إلى صلتنا بالخلق من النظر إلى مسألة الرزق والتعامل معها، ثم الشئون والشجون التى تتعلق بسيرنا إلى البارى سبحانه وتعالى، مثل حُسن النظر فى معاملتنا للخلق وعدم أخذ الخلق لقلوبنا لتغيبها عن الله سبحانه وتعالى، وأقسام التعامل مع الناس وأن هناك من الناس من لابد من حُسن المعاملة معه.. لم نختر أن تكون لنا صلة به، وأن هناك من الناس من كانت لنا نسبة من الإختيار، ومن الناس من اخترنا صحبتهم وكيف نتعامل مع هؤلاء جميعاً..

وللحديث بقية ،،،

سمير جمال