عقيدة أهل السنة والجماعة

لازلنا نتحدث عن العقيدة وكيف أنها أساس الدين, وكيف عنى علماء المسلمين فى وقت مبكر بتحديد موجهات هذه العقيدة حتى تكون الأمة على بيّنة من أمرها وتتقى مزالق الشرك والشك والنفاق, وتؤدى ما هو منوط بها من صحة الإيمان والإعتقاد حتى يقوم بناء تدينها علي أساس صحيح. ولما اتبعت الأمة واجتمعت على هذا النهج فى القرون السابقة فقد نجحت فى حفظ الدين الحنيف لنا حتى جاء هذا العصر الذى شهد قيام مؤسسات وهيئات تعمل فى مجال الدعوة تدعمها إمكانيات مادية هائلة ويساعدها فى الإنتشار وسائل الإتصال الحديثة التى افرزتها العولمة وثورة المعلوماتية، فاختلطت الأوراق واصبحت المعلومة خطأً أم صواباً تطل على المرء من غير استئذان, خاصة وسط الشباب الذى يتطلع إلى العلم والمعرفة، وفى غياب تسلسل العلم والعنعنة شيخاً عن شيخ وأستاذاً عن أستاذ إلى أن يصل بك السند إلى المعلم الأول صلوات الله وسلامه عليه، فإننا سنسعى إلى تبيان عقيدة اهل السنة والجماعة, وتعريفها إن شاء الله ...

عبد الحميد بابكر

العقيدة فى: أزواج النبى وصحابته 2

وضح أمامنا جميعا فى العدد السابق ما يجب أن تكون عليه العقيدة لأهل السنة والجماعة من ناحية أزواج رسول الله وأصحابه الكرام وآل بيته الطاهرين المطهرين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وتبين لنا أيضاً ضحد ما يزعم به المتشدقين الضالين والمضلين من خوضهم فى أزواج رسول الله وصحابته، ولقد حذرنا الحبيب المصطفى من هؤلاء المتشدقين بحديثه الذى أخرجه الإمام البيهقى والإمام أحمد والترمذى وغيرهم من أئمة الحديث أنه قال (إن أحبكم إلى وأقربكم منى أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلى وأبعدكم منى مساوئكم أخلاقا الثرثارون المتشدقون المتفيهقون)، فهم بهذه الخصال أبعد ما يكون من الحبيب المصطفى .

وهناك من الأئمة من نظروا إلى هذا الموضوع من زاوية أخرى، فنظروا إليها من نسبة هؤلاء القوم إلى المصطفى ، فهم أزواجه وأصحابه وآل بيته، فكانت هذه النسبة عندهم تعطى لهم مكانة فى الدين أوضحها القاضى عياض فى كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى، فقال ما نصه: ومن توقيره وبره توقير أصحابه وبرهم ومعرفة حقهم والاقتضاء بهم وحسن الثناء عليهم والاستغفار لهم والإمساك عما شجر بينهم ومعاداة من عاداهم، والإضراب عن أخبار المؤرخين وجهلة الرواة وضلال الشيعة والمبتدعين القادحة فى أحد منهم، وأن يلتمس لهم فيما نقل عنهم مثل ذلك فيما كان بينهم من الفتن أحسن التأويلات والمحامل، ويخرجه أصوب المخارج إذ هم أهل ذلك، ولا يذكر أحدا منهم بسوء، ولا يغمض عليه أمرا، بل يذكر حسناتهم وفضائلهم وحميد سيرهم ويسكت عما وراء ذلك كما قال فى حديث الطبرانى عن ابن مسعود (إذا ذكر أصحابى فأمسكوا) وقال الله تعالى ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ وقال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ الفتح 48: 29، وقال الله تعالى ﴿لَقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ الفتح 48: 18، وقال الله تعالى ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ الأحزاب 33: 23.

ثم ذكر القاضى عياض أحاديث وآثارا كثيرة فى فضلهم منها قوله فى حديث الترمذى (الله الله فى أصحابى لا تتخذوهم غرضا بعدى فمن أحبهم فبحبى أحبهم ومن أبغضهم فببغضى أبغضهم ومن آذاهم فقد آذانى ومن آذانى فقد آذى الله تعالى ومن آذى الله تعالى يوشك أن يأخذه) وأذيَّة الله تعالى عبارة عن فعل ما لا يرضاه، إذ معناه الحقيقى لا يتصور فى حقه تعالى فهو مشاكلة، قاله الشهاب الخفاجى: ومنها قوله فى حديث مسلم (لا تسبوا أصحابى فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ومنها قوله فى حديث الديلمى وأبى نعيم (من سب أصحابى فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا) الصرف: النفل والعدل: الفرض.

ومنها قوله فى حديث البزار والديلمى عن جابر (إن الله اختار أصحابى على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار لى منهم أربعة: أبا بكر وعمر وعثمان وعليا فجعلهم خير أصحابى، وفى أصحابى كلهم خير) قال الشهاب الخفاجى فى شرح هذا الحديث فكلهم علماء عدول كما فى الحديث (خير القرون قرنى ثم وثم) وهذا سبب ما حكاه إمام الحرمين رحمه الله تعالى فى الإجماع على عدالتهم كلهم صغيرهم وكبيرهم فلا يجوز الانتقاد عليهم بما صدر عن بعضهم، مما أدى إليه اجتهاده لما أوجب القطع بأنهم خير الناس بعد النبيين والمرسلين، ولما اتصفوا به من الهجرة وترك الأهل والأوطان وبذل النفوس والأموال فى نصرة الدين، وقتل الآباء والأبناء، والمناصحة فى الدين، وقوة الإيمان واليقين، وغير ذلك من المنح الإلهية أ.هـ ومنها حديث الطبرانى عن خالد بن سعيد: أن رسول الله لما قدم من حجة الوداع إلى المدينة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيها الناس إنى راضى عن عمر وعن عثمان وعن على وعن طلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف، فاعرفوا لهم ذلك، أيها الناس إن الله قد غفر لأهل بدر والحديبية، أيها الناس احفظونى فى أصحابى وأصهارى وأختانى لا يطالبنكم أحد منهم بمظلمة، فإنها مظلمة لا توهب فى القيامة غدا) ومنها حديث أبى نعيم والديلمى عن أنس أن رسول الله قال (احفظونى فى أصحابى وأصهارى فإنه من حفظنى فيهم حفظه الله فى الدنيا والآخرة ومن لم يحفظنى فيهم تخلى الله عنه، ومن تخلى الله عنه يوشك أن يأخذه).

فكان النظر إلى هذا الأمر من هذه الزاوية أمر خطير أيضاً، وهو نسبة هؤلاء القوم إلى المصطفى ، فكيف الخوض فيهم بما لا يرضاه المصطفى ، ونقول للمعتقد بهذا الخوض كيف حالك يوم القيامة وأنت تطلب من الحبيب الشفاعة وأنت على هذه الحالة فى الدنيا من الخوض فى أزواجه وأصحابه .

ياله من عجب، تطلب شفاعته وتخوض فى أزواجه!!! ألم تنظر إلى قول الحق تبارك وتعالى فى محكم التنزيل فى الآية السادسة من سورة الأحزاب ﴿النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِى الْكِتَابِ مَسْطُورًا﴾ هل هذا هو المعروف!!!

ونقول لهؤلاء الخائضين ليتكم لو تعقلوا قول الإمام فخر الدين فى هؤلاء القوم:

لولا هواهم فى القلوب وفى الحشا    ما ذاق قلب لذة الإيمان

بهم استبان الحق حقا وانجلت     عن كل مكروبٍ هموم العانى

عصام

 

 
 
 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصوفية فى موقع الطريقة البرهانية.

أسرة التحرير