يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

 

 

أينفع الميت الحى؟!!

إن كان هو نفسه قد انقطع عمله!

 كيف ينفع الميت الحى إذا كان هذا الميت انقطع عمله؟ ورسول الله يقول: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) صحيح ابن حبان وابن خزيمة وسنن النسائى، فإن كان الميت لا ينفع نفسه فكيف ينفع غيره؟ هذه قاعدة وضعها رسول الله ص بهذا الحديث فكيف يدعى البعض أن الموتى يستطيعون نفعهم؟

ينتشر هذا الفكر بين عوام المسلمين، زرعه أصحاب الأهواء الغافلة قلوبهم عن ذكر الله، ولم يسألوا أهل الذكر مع انهم لا تعلمون، ومن هنا كان لنا من أمتنا الواحدة من يروج لمعلومات ضالة تعارض صراحة ما قاله المولى تبارك وتعالى لنا فى كتابه العزيز ألا وهى أن الأحياء تنفعهم الأموات. فلا تنخدع أخى المسلم الحبيب بما يروجه غير المتعلمين.

وكما أن لكل قاعدة عامة استثناءات، فإن الاستثناء هنا للذين خرق لهم الله هذه القاعدة لصلاحهم أو لاضطرارهم أو لمشيئته الصرفة ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون!

والواقع أن هذا الاستثناء من هذه القاعدة ظاهر واضح فى القرآن والسنة النبوية الشريفة بما لا يخفى حتى على من لا علم له، ولذلك فنحن نقول لهم ألم تعلموا من السيرة النبوية أن نبينا الكريم فى حادثة الإسراء والمعراج تقابل مع نبى الله موسى فى السماء ولما علم موسى بأن الله تعالى قد فرض على أمة الحبيب خمسين صلاة فى اليوم، فقال موسى للمصطفى إن أمتك لا تطيق فارجع إلى ربك واسأله التخفيف، فرجع الحبيب تسع مرات حتى صارت خمس صلوات وخمسين فى الأجر، ألم يكن سيدنا موسى قد انتقل إلى جوار ربه قبل البعثة المحمدية بقرون عديدة؟ ألم ينفع سيدنا موسى أمة الحبيب المصطفى إلى يوم القيامة؟

وهذا رسول الله فيما يروى أنه قال (حياتى خير لكم تحدثون ونحدث لكم، ووفاتى خير لكم، تعرض علىّ أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت الله لكم) أنظر مسند الديلمى ومسند البزار وجمع الجوامع للسيوطى وطبقات ابن سعد ومسند الحارث. وهل هناك نفع أكثر من هذا؟ فصلى الله عليك يا سيدى ياحبيب الله ونفعنا الله بك وجعلك الله راض عن اعمالنا. آمين.

وعن أبى الدرداء قال: قال (أكثروا الصلاة علىّ يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة وإن أحدا لن يصلى علىّ إلا عرضت علىّ صلاته حتى يفرغ منها، قال قلت: وبعد الموت؟ قال: وبعد الموت إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فنبى الله حى يرزق) أنظر النسائى وأبو داود وابن ماجه والبيهقى ومسند أحمد والحاكم فى المستدرك وجمع الجوامع للسيوطى. وعن ابن مسعود قال: قال (إن لله ملائكة سياحين فى الأرض يبلغونى من أمتى السلام) أنظر سنن النسائى والحاكم فى المستدرك وابن حبان ومسند أحمد ومصنف ابن ابى شيبة. وعن عمار بن ياسر قال: قال (إن الله وكل بقبرى ملكا أعطى أسماع الخلائق لا يصلى علىّ أحد إلى يوم القيامة إلا بلغنى باسمه واسم أبيه هذا فلان بن فلان قد صلى عليك) أنظر مسند البزار وجمع الجوامع للسيوطى. فهل الملائكة تبلغه إلا ليشهد للمؤمنين بهذه الصلاة فتكون حجة لهم يوم القيامة!!؟

بعد ذلك قد نسمع من بعض من ينكر تراجعه عن هذا الفكر نسبيًا، ولكنه يعود فيقول لكن هذا نبى!! فنقول له، وما قولك فى قول الله تبارك وتعالى ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ الكهف 18: 82. وقيل أن هذا الأب الصالح كان بينه وبينهما سبعة أجداد. ولم يكن نبيا بل كان رجلا صالحًا. وقال ابن كثير كان الأب السابع وفيه دليل على أن الرجل الصالح يُحفظ فى ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم فى الدنيا والآخرة، وبشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة فى الجنة لتقر عينه بهم،كما جاء فى القرآن ووردت به السنة. أنتهى كلام ابن كثير.

ولنقرأ معا القرآن فنتدبر معانيه فقد أورد ابن كثير فى تفسير قوله تعالى ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ الأعراف 157، أنه روى الإمام أحمد عن رجل من الأعراب قال: جلبت جلوبة إلى المدينة فى حياة رسول الله فلما فرغت من بيعتى قلت لألقين هذا الرجل -يقصد رسول الله - فلأسمعن منه، قال فتلقانى بين أبى بكر وعمر يمشون، فتبعتهم فى أقفائهم، حتى أتوا على رجل من اليهود ناشرا التوراة يقرؤها يعزى بها نفسه عن ابن له فى الموت كأحسن الفتيان وأجمله، فقال رسول الله : (أنشدك بالذى أنزل التوراة هل تجد فى كتابك ذا صفتى ومخرجى؟) فقال برأسه هكذا أى لا، فقال ابنه: ’إى والذى أنزل التوراة إنا لنجد فى كتابنا صفتك ومخرجك وإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله‘، فقال : (أقيموا اليهودى عن أخيكم، ثم تولى كفنه وحنطه والصلاة عليه) أنظر مسند أحمد. انتهى كلام ابن كثير. ألم ينفع هذا الميت المسلمين بتثبيت إيمانهم فى الرسول ،؟ وألم ينفع نفسه بعد انقطاع عمله كرامة لرسول الله ؟ ألم ينفعه الرسول والمسلمين بالصلاة عليه وقبول إسلامه؟

وروى الطبرانى والرازى وابن كثير فى تفسير الآيات: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ آل عمران 3: 169-170؛ عن ابن عباس قال: قال رسول الله : (لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر تَرِدُ أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش. فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحُسن مَقيلهم، قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا! لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب! فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم. فأنزل الله عز وجل على رسوله ص هؤلاء الآيات). رواه الإمام أحمد والبيهقى والحاكم والسيوطى. فانظروا كيف بشر هؤلاء الموتى إخوانهم وثبتوا إيمانهم، وكيف استجاب الله لدعوتهم وأخبر عنهم إخوانهم وهذا بنص القرآن!!! ألم ينفع هذا التبشير إخوانهم المؤمنين وباقى المؤمنين إلى يوم القيامة.

وقد أورد ابن كثير فى تفسير قوله تعالى ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ قال أبو داود الطيالسى حدثنا الصلت بن دينار عن أخيه عن جابر بن عبد الله الأنصارى قال: قال : (إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم فى قبورهم فإن كان خيرا استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك) وفى رواية (إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا) أنظر مسند أحمد وجمع الجوامع للسيوطى وكنز العمال للمتقى الهندى. انتهى كلام ابن كثير. فكيف يدعو الأموات للأحياء إن كان لا ينفعهم هذا الدعاء؟!! وإن كان هذا أعطى من الله للأقارب الصالحين فما بالك بصالح الصالحين وأئمة المسلمين؟ ألا ينفع هؤلاء الأموات الأحياء؟ أليس هولاء الأموات فى نفعهم خير من كثير من الأحياء؟

وأورد الحافظ ابن كثير فى تفسير قوله تعالى ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ • فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِى اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ البقرة 72، 73، فقال: أنه كان رجل من بنى إسرائيل عقيما لا يولد له وكان له مال كثير، وكان ابن أخيه وارثه، فقتله حتى يرثه، ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم على بعض، فقال ذوو الرأى منهم والنهى علام يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول الله فيكم؟ فأتوا موسى عليه السلام فذكروا ذلك له فقال ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ البقرة 67، قال ابن كثير: فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التى أُمروا بذبحها، فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها، فقال والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا، فأخذوها فذبحوها فضربوا الميت ببعضها فقام، فقالوا: من قتلك؟ فقال: هذا، لابن أخيه، ثم مال ميتا فلم يعط القاتل من ماله شيئا ومن ذلك الوقت لم يورث قاتل. انتهى كلام ابن كثير. فانظر كيف نفع الله الناس بالميت فمنع قتالهم، وكيف أضر به ابن أخيه فلم يورثه، سبحانه يفعل ما يشاء وينفع من يشاء بمن يشاء، أوليس هذا باستثناء للقاعدة.

بل تعالوا بنا إلى الزمن العمرى الفاروق بين الحق والباطل، فانظروا إلى ما روى عن يحيى بن أيوب الخزاعى قال: سمعت من يذكر أنه كان زمن عمر بن الخطاب شاب متعبد قد لزم المسجد، وكان عمر به معجبا، وكان له أب شيخ كبير، فكان إذا صلى العتمة انصرف إلى أبيه، وكان طريقه على باب امرأة فافتتنت به، فكانت تنصب نفسها له على طريقه، فمر بها ذات ليلة، فما زالت تغويه حتى تبعها، فلما أتى الباب دخلت وذهب يدخل، فذكر الله تعالى، وجلى عنه، ومثلت هذه الآية على لسانه ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ فخر الفتى مغشيا عليه فدعت المرأة جارية لها فتعاونتا عليه فحملتاه إلى بابه، واحتبس على أبيه، فخرج أبوه يطلبه فإذا به على الباب مغشيا عليه، فدعا بعض أهله فحملوه فأدخلوه، فما أفاق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فقال له أبوه: يا بنى ما لك؟ قال: خير. قال: فإنى أسألك بالله! فأخبره بالأمر، قال: أى بنى وأى آية قرأت؟ فقرأ الآية التى كان قرأ، فخر مغشيا عليه، فحركوه فإذا هو ميت فغسلوه فأخرجوه ودفنوه ليلا، فلما أصبحوا رفع ذلك إلى عمر ، فجاء عمر إلى أبيه فعزاه به، وقال: هلا آذنتنى؟ - أى هلا أخبرتنى؟ - قال: يا أمير المؤمنين كان ليلا. قال عمر: فاذهبوا بنا إلى قبره. فأتى عمر ومن معه القبر، فقال عمر: يا فلان ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ فأجابه الفتى من داخل القبر: يا عمر قد أعطانيهما ربى فى الجنة مرتين، أنظر كنز العمال للمتقى الهندى وتفسير ابن كثير لنفس الآية وابن عساكر. فانظروا كيف أخبرنا هذا الميت من داخل قبره بصدق وعد الرحمن! وكيف نفع المسلمين بتثبيت عقيدتهم وإخبارهم بأن وعد الله حق!

بل ما هو أكثر من هذا هو انتفاع المؤمنين ببقايا أمواتهم، وهو ما جاء بالآية 248 بسورة البقرة ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، كانوا يقدمونه أمامهم فى الحروب فلا يضارون، وقيل كان فيه عصا موسى وعصا هارون وثياب موسى وثياب هارون وبعض من الألواح (ألواح موسى) فكانوا يستنصرون الله به على أعدائهم، فانظر يا أخى بماذا كان المؤمنون ينتفعوا ببقايا مما ترك آل سيدنا موسى وسيدنا هارون، يتبركون وينتصرون بتوسلهم إلى الله بثيابهم وهم قد انتقلوا من سنين عديده، فالتوسل بهم وبأشيائهم مقبول عند الله تعالى.

نفعنا الله بهم فى الدنيا والآخرة وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

 

محمد مقبول