كان .. ما .. كان

عاد إرم

فى المرة السابقة تكلمنا عن عاد الأولى التى أرسل الله تعالى سيدنا هود إليها ليدعو قومها إلى عبادة الله الواحد القهار ويتركوا عبادة الأصنام، فآمن به من آمن، وظل الباقى على كفرهم ومحاربتهم إياه، وغضب الله عليهم كثيرًا فأعقم نساءهم، وأنذرهم أن يرسل عليهم ريحًا عقيمًا، ولكنهم ظلوا على كفرهم فأمسك عنهم المطر سبع سنين، فماتت مواشيهم وعزت عندهم الأقوات حتى هلك منهم نحو النصف، فاختاروا منهم رجالاً من أصلحهم كما يعتقدون ليذهبوا إلى البيت الحرام ليدعون الله رب البيت كى يسقيهم، فقد كانت هذه عادتهم عندما تجدب أرضهم فيسقون بدعائهم فى خلال شهرهم، وقد قام باستضافة هذا الوفد رجل من قومهم ولكنه يسكن مكة يدعى لقمان، ولكنه ليس لقمان الحكيم، وحدث ما حدث كما ذكرنا سابقًا من اختيارهم السحابة إلى خروج الريح العقيم من تحت الأرض لتقلع الأشجار وتهدم الدور على أهلها، وتقتلع من خرج إلى الصحراء هاربًا من الأرض وترفعه عشرون ذراعًا ثم تلقى به إلى الأرض فيقع ميتًا، وظلت الريح على هذا الوضع سبع ليال وثمانى أيام حسوما أى متتابعة، ولم تؤثر هذه الريح على سيدنا هود ومن آمن به بل كانت تمر عليهم كنسمة منعشة، فهذا حال عاد الأولى، أما عاد الأخرى فيقول المولى تبارك وتعالى فى محكم آياته ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ • إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ • الَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى الْبِلَادِ الفجر 89: 6-8، قالوا فى هذه الآية الكثير من الآراء، منها أن المقصود بها هى عاد الأولى وليست الأخرى وأن كلمة إرم تدل دلالة واضحة على ذلك، لأن إرم تدل على القدم، ومنهم من قال أن إرم هى المدينة أو البلد ومنهم من قال أنها الإسكندرية ومنهم من قال إنها دمشق، وأميل إلى الرأى القائل بأن هذه الآية تشير إلى بل وتوضح أن عاد المذكورة فيها هى الأخرى وإرم هى المدينة التى لم يخلق مثلها فى البلاد، فكلمة (بعاد إرم) أى قوم عاد أصحاب إرم المدينة التى لم يخلق مثلها فى البلاد.

وحكايتها تبدأ من روايات قرأناها تقول أن عاد الأكبر كان له ابنان أشداء، فلما مات، ملكا بعده البلاد وقسمت بينهما وكان اسمهما شداد وشديد، فلما مات شديد خلص الملك لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها، وكان يحب قراءة الكتب القديمة، فسمع بذكر الجنة وصفتها، فدعته نفسه إلى بناء مثلها عتوًا على الله وتجبرًا.

روى عن عبد الله بن قلابة فى عهد سيدنا معاوية أنه خرج فى طلب إبل له شردت، فبينما هو يسير فى صحارى عدن إذ وقع على مدينة فى تلك الفلوات عليها حصن وحول الحصن قصور كثيرة، فلما دنا منها ظن أن فيها أحدًا يسأله عن إبله، فلم يرى خارجًا ولا داخلا، فنزل عن دابته وسل سيفه ودخل من باب المدينة، فإذا هو بمدينة لم يرى أحد مثلها وإذا فيها قصور فى كل قصر منها غرف فوقها غرف مبنية بالذهب والفضة وأحجار اللؤلؤ والياقوت، وإذا بأبواب تلك القصور مثل مصاريع باب المدينة يقابل بعضها بعضا وهى مفروشة كلها باللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران، فلما عاين ذلك ولم ير أحدًا هاله ذلك، ثم نظر إلى الأزقة فإذا فيها أشجار مثمرة تجرى من تحتها أنهار مطردة يجرى ماؤها فى قنوات من فضة، فقال فى نفسه هذه الجنة، وحمل معه من لؤلؤ ترابها ومن بنادق مسكها وزعفرانها، ورجع إلى اليمن وأظهر ما كان معه وحدث بما رأى فبلغ ذلك معاوية فأرسل إليه فقدم عليه فسأله عن ذلك فقص عليه ما رأى، فأرسل معاوية إلى كعب الأحبار، فلما أتاه قال له: يا أبا إسحق، هل فى الدنيا مدينة من ذهب وفضة؟ قال: نعم، هى إرم ذات العماد، بناها شداد بن عاد، فقال له: فحدثنى حديثها، فقال: لما أراد شداد بن عاد عملها أمر عليها مائة من أشداء أعوانه مع كل واحد منهم ألف من الأعوان، وكتب إلى ملوك الأرض أن يمدوه بما فى بلادهم من الجواهر والذهب والفضة، وقيل أن فى هذا العهد اختفت العملات الذهبية والفضية واستبدلت بالجلود، فكانت تقطع على هيئة العملة وتدمغ لتصير العملة المتداولة بين الناس، وخرج أعوانه ليبحثوا عن أرض موافقة للمواصفات المطلوبة فوقفوا على صحراء نقية من التلال وإذا فيها عيون ماء ومروج وطقسها معتدل، فالأربع فصول فيها ربيع، وتقع فى الهند وأسمها هوا الهوى، لا يوجد بها شمس حارة أو برد قارس، فقالوا هذه هلى الأرض التى أمر الملك أن نبنى عليها، فوضعوا أساسها من الجزع اليمانى وأقاموا فى بنائها ثلاثمائة سنة، وكان عمر شداد بن عاد تسعمائة سنة، فلما جاءوه وقد فرغوا منها، قال: انطلقوا فاجعلوا حصنًا يعنى سورًا حوله ألف قصر ليكون فى كل قصر وزير من وزرائى، ففعلوا ما أمرهم به، وأمر الملك وزرائه أن يتهيأوا للنقلة إلى إرم وكان قد أمر بإحضار أجمل الأولاد والصبايا وأدخلهم فيها قبل ذهابه إليها، وساروا إليها فلما كان من المدينة على سيره يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فأهلكتهم جميعًا، ولم يبق منهم أحد.

ثم قال كعب الأحبار: وسيدخلها رجل من المسلمين فى زمانك، أحمر، أشقر، قصير، على حاجبه خال، وعلى عنقه خال، يخرج فى طلب إبل له، ثم التفت فأبصر عبد الله بن قلابه، فقال: هذا والله ذلك الرجل.

أما كيفية موت شداد وقومه، فذلك يعود إلى أنه أثناء سيره وقبل دخوله مدينة إرم قابله الخليل إبراهيم وطلب منه أن يعبد الله الواحد القهار ويشهد أن لا إله إلا الله وأن إبراهيم خليل الله، فقال أنا معرفش خليل الله ده مين، ودار بينهم حوار أشارت إليه الآية 258 بسورة البقرة ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّىَ الَّذِى يُحْيِى وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِى وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِى بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَصدق الله العظيم.

أحمد نور الدين عباس

 

نزول الكتب السماوية

نزلت الصحف على سيدنا إبراهيم فى أول ليلة من شهر رمضان.

وأنزلت التوراة على سيدنا موسى فى ست ليال خلون من شهر رمضان.

وأنزل الزبور على سيدنا داود فى اثنتى عشر ليلة خلت من شهر رمضان وذلك بعد التوراة بأربعمائة سنة واثنتين وثمانين سنة.

وأنزل الإنجيل على سيدنا عيسى بن مريم فى ثمانية عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بعد الزبور بألف عام وخمسين عاما، وقيل لثلاث عشرة خلت من رمضان.

وأما القرآن فنزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا, وكان ذلك فى شهر رمضان فى ليلة القدر منه كما قال تعالى ﴿إنا أنزلناه فى ليلة القدر﴾ ثم نزل بعده مفرقاً بحسب الوقائع على سيدنا رسول الله ، على مواقع النجوم ترتيلاً فى الشهور والأيام فى أربع وعشرين من شهر رمضان.

محب