نشرنا فى صفحات القواطع عن موضوع القواطع عن المهيمن من كتاب المرشد الوجيز، وها نحن فى هذا الباب نستكمل الموضوع بجوانب أخرى تكمله حتى تعم الفائدة:

 

 

النفس سبع

 

أهل زمان قالوا فى الأمثال "إن الدخول مش زى الخروج من الحمام" تقصدى إيه؟ وده كان سؤالى لنفسى، اللى من ساعة ما خرجت من عند صديقى وهى عمالة تقلب فىّ على الجانبين زى ما بنشوى السمك.

فردت نفسى فى استكانة: لأ لأ، أنا قصدى إنك استفدت من الكلام اللى قاله صديقك، بس ...

فقلت: بس إيه؟

قالت: كان عندى سؤال محيرنى هو الإعجاب غلط؟ أقصد يعنى لو حاجة عجبتك، أو عجبك عمل حد، يبقى غلط إنى أعبر له عن إعجابى؟

فقلت: لأ ...

فقالت: طيب ليه مش عاوزنى أعبر عن إعجابى بيك؟ وماتقولش إن إعجابى بيك أو إعجابك بى حيوصلك للغرور، لإن الكلام ده مش داخل العقل، بدليل إن بنتك لما نجحت بتفوق فى الإبتدائية كل اللى حواليها كانوا معجبين بيها وعبروا لها عن إعجابهم بيها، وهى إتغرت عليك وعلى أمها؟ وعلى اللى حواليها؟ طبعاً لأ لإنها إعتبرت كلام المدح ده حافز يخليها تذاكر أكتر وتتفوق أكتر مش كده؟

قلت: أيوه.

قالت: طيب ليه إعجابى بيك هو اللى حيخليك مغرور؟ طيب ما نقول إنه حافز لك علشان تقرأ وتتعلم أكتر وتقدر تحكم على الأمور برجاحة عقلك وفهمك الواسع، مش كده؟!

ووقف الكلام فى زورى، لأن الرد لم يسعفنى، وعلشان كلامها وجد هوى له عندى، هززت دماغى بشدة، وقلت لنفسى: إنتى ناوية على إيه؟

فقالت: أنا مش ناوية على حاجة، إلا مصلحتك، وبعدين تعالى هنا .. إنت حاتتغر عليه؟ مش ممكن، لإنه أعلم منك، وهو أستاذك، ومهما وصلت فى العلم، هو له الفضل الكبير بعد ربنا سبحانه وتعالى .. مش صح كده؟

قلت لها: أيوه صح وعندك حق، بس...

فقاطعتنى: بس إيه؟ هو فيه سبب تانى؟

يا خبر، أوعى يكون ... لأ لأ مش معقول، الله ...

ومش معقول ليه؟ ده هو فعلاً السبب الحقيقى اللى خلاه يقول الكلام ده ليك.

فقلت: إيه هو السبب بقى؟

فقالت: إنت مش ملاحظ إنه أول مرة يهاجمك كده، إشمعنى لما اتكلمت مع الناس وأفحمتهم بكلامك البسيط الصادر عن عقل واعى منظم وموهبة، شد انتباه اللى بيسمعك ... إشمعنى الموضوع ده اللى وقف له فى الزور، ما انت معاه من مدة طويلة، وعملت حاجات أشد من كده.

فقلت وأنا فى أشد الدهشة من كلامها: قصدك .. قصدك إيه؟

فقالت: أيوه اللى دار فى دماغك ده، هو حس إن البساط حينسحب من تحت رجله، هو نسى كلام ربنا ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ الأنبياء 79.

فقاطعتها: الله يخرب بيتك إنت قصدك إنه ...

فقاطعتنى: بلاش الفرض ده، نفترض إنه خايف عليك فعلاً إنك تتغر على اللى أقل منك عقلاً وعلماً وموهبةً، طيب إنت ذنبك إيه؟ إنت عاوز تتعلم وغيرك مش عاوز، إنت علمك بيزيد وهم محلك سر، أصبح بينك وبينهم مسافة كبيرة، من الطبيعى إنك تدور على ناس تانية تفهمهم ويفهموك، ناس قريبين من مستواك العلمى الجديد، يحصل بينكم تفاهم، فيحصل تقدم لك، إلا إذا كنت عاوز تقف محلك سر، يبقى من الأفضل لك إنك ماترحش عند صديقك تانى علشان تبقى فى مستوى الناس اللى بتحبهم ويحبوك.

فقفزت من على الكرسى، وأنا أسب وألعن يخرب بيت صحابك، يابنت الذين، يا... يا... وجريت ألبس هدومى للخروج، ولبستها بسرعة، واتصلت بصديقى، وقلت له: أنا جاى لك دلوقتى، فرحب بى، وخرجت من الباب كالصاروخ، وهى تلاحقنى وأنا أردها بالشتم والسب .. فتح لى صديقى الباب وسألنى: إيه مالك؟

فقلت: شوف أنا عاوز أمشى فى سكة السلامة دلوقتى حالاً .. بس مش عارف إزاى؟

فقال لى: إيه .. خايف على نفسك؟

قلت له: لأ .. خايف منها.

فرد قائلاً: هى دى أول خطوة فى طريق السلامة .. بس قبل ما نتكلم، أقوم أعمل اتنين شاى على مزاجك، وخرج إلى المطبخ، وكأنها كانت فى انتظار خروجه.

فقالت: عملت خير إنك جيت عند صديقك، علشان تفهم منه قصده إيه فى اللى قاله المرة اللى فاتت، إن كان قاصد كده أوعى تزعل منه، قولى ليه؟ قلت: ليه؟ قالت: لإنه عالم وانت بالنسبة لعلمه جاهل، وربنا سبحانه وتعالى قال ﴿هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ الزمر 9، يعنى ربنا سبحانه وتعالى جعل الناس فى العلم درجات منهم ناس فوق، ومنهم ناس تحت، فقلت: أنا راضى يا ست باللى أنا فيه، كفاية علىّ إنى أطلب العلم واتعلمه، فقالت: يعنى طالب علم، هو طالب العلم ده شوية؟ إنت مش عارف قدرك قد إيه؟ فقلت: لأ .. مش عارف، فقالت: ماسمعتش حديث سيدنا رسول الله ، قال (إن الملائكة لتضع أجنحتهم لطالب العلم رضاء بما يصنع) شوف الملائكة معجبة بعملك وراضية وانت وصحبك تقول إعجابك بنفسك أو إعجابى بيك غرور .. شوف كده لما تصبح عالم، تكلم الناس، والناس تقول أحمد عباس راح، أحمد عباس جه، أحمد عباس قال، أحمد عباس عمل و...

فصرخت بصوت عال: روحى منك لله ياشيخة حتعملى فيه إيه تانى؟ هو انت فكرانى مين؟ سيدنا عبد الله بن العباس رضوان الله عليهم ... يا بنت اللى ... مجموعة شتايم على كم لعنات ولم أسكت إلا بعد أن جاء صديقى وكتم أنفاسى بيده وقال: إنت اتجننت؟ مش فيه ناس فى البيت؟ واعتذرت له، فقال: اقعد مش حنعمل شاى .. نخش فى الموضوع على طول .. مطلوب منك إنك تجاهد.

فقلت: الله .. هو فيه حرب تانى؟

فقال: أيوه .. جهادك ضد نفسك، قال سيدنا رسول الله (رجعنا من الجهاد الأصعر إلى الجهاد الأكبر) قيل وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال (جهاد النفس) يبقى لازم تعرف عدوك كويس علشان تعرف تحاربه.

فقلت: إزاى؟

قال: شوف يا سيدى النفس دى مش واحدة دول سبعة.

فقلت: سبعة .. هو أنا قادر على واحدة لما تقولى سبعة.

فقال: "فَالنَّفْسُ سَبْعٌ قَتْلُهُنَّ مُبَاحُ" ربنا سبحانه وتعالى ذكرهم فى القرآن الأولى فى سورة يوسف، على لسان سيدنا يوسف ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِى إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّى﴾ يوسف 53، يبقى النفس الأولى هى الأمارة، والنفس الثانية هى اللوامة قال تعالى ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ لقمان 2، والنفس الثالثة الملهمة قال تعالى ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ الشمس 7-8، بعدها ربنا ذكر 4 أنفس فى سورة الفجر من الآية 27 فقال تعالى ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِى فِى عِبَادِى﴾ الفجر 27: 29، يبقى الرابعة النفس المطمئنة، والخامسة الراضية، والسادسة المرضية، والسابعة التى كَمُلت عن نواقص الأنفس فدخلت فى عباد الله خاصة.

فقلت: وبعدين؟ فقال: بعدين إيه؟ هو انت مش عندك شغل الصبح؟ إنت عارف إنت جتلى الساعة كام؟ الساعة 11:30 مساءً، ودلوقتى الساعة 1:30 صباحاً.

فقلت: أنا آسف أشوفك يوم تانى إن شاء الله، بس قولى لحد ما أقابلك أعمل معاها إيه؟ فقال: إحنا مش قلنا حنجاهد .. خليها تقول اللى تقوله وانت مايكنش لك بيها إحساس.

أحمد نور الدين عباس