يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمين عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

هل لابد من اتباع شيخ؟

 

أليس الله أقرب إلينا من حبل الوريد؟ وإن كان قريب إلينا فما الداعى إلى اتباع شيخ؟ أليس الهدى من الله؟

نقول وبالله التوفيق..

أقوال أئمة التفاسير لقول المولى تبارك وتعالى ﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ 17 الكهف.

يقول الإمام الزمخشرى :

﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ ثناء عليهم بأنهم جاهدوا فى الله وأسلموا له وجوههم، فلطف بهم وأعانهم وأرشدهم إلى نيل تلك الكرامة السنية والاختصاص بالآية العظيمة، وأن كل من سلك طريقة المهتدين الراشدين فهو الذى أصاب الفلاح، واهتدى إلى السعادة، ومن تعرّض للخذلان فلن يجد من يليه ويرشده بعد خذلان الله.

ويقول الشيخ ابن عجيبة :

﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ الذى أصاب الفلاح، والمراد: إما الثناء عليهم، والشهادة بإصابة المطلوب، والإخبار بتحقيق ما أمَّلُوه من نشر الرحمة وتهيئة المرافق، أو التنبيه على أن أمثال هذه الآية كثيرة، ولكن المنتفع بها هو مَنْ وفقه الله وهداه للاستبصار بها، ﴿ومن يُضلل﴾ أى: يخلق فيه الضلال؛ بصرف اختياره إليه ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ﴾ ولو بالغت فى التتبع والاستقصاء ﴿وليًّا﴾ ناصرًا ﴿مُرشدًا﴾ يهديه إلى ما ذكر من الفلاح.

إذاً من لم يكن له وليا يرشده ويتّبعه .. فهو ضال بنص كتاب الله.

كما يقول ابن عجيبة :

﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ﴾ لقمان 15، أى اتبع طريق مَنْ رَجَعَ إلىَّ بالتوحيد والإخلاص، وهو الرسول والمؤمنون.

ويقول الإمام القشيرى :

﴿مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً﴾ فالله يهْدِى قوماً بالأدلةِ والبراهين، وقوماً بكشف اليقين؛ فمعارفُ الأولين قضية الاستدلال، ومعارف الآخرين حقيقة الوصال، فهؤلاء مع برهان، وهؤلاء على بيان كأنهم أصحاب عيان ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللهُ﴾ أى مَنْ وَسَمه بِسِمَةِ الحرمان فلا عرفانَ ولا علمَ ولا إيمان.

ويقول الشيخ ابن عربى :

﴿مَن يَهْدِ اللهُ﴾ بإيصاله إلى مقام المشاهدة والتمكين فيها ﴿فَهُوَ المُهْتَدِ﴾ بالحقيقة لا غير ﴿وَمَن يُضْلِلْ﴾ بحجبه عن نور وجهه فلا هادى له ولا مرشد, أو من يهد الله إليهم وإلى حالهم بالحقيقة ومن يضلله يحجبه عن حالهما.

فمن اطلع على حال أهل الكهف وفهم القصة وأن هؤلاء الذين آووا إلى الباطن واهتموا بقواهم الروحانية بتطهير النفس وتزكيتها عن طريق ولى مرشد ومربى كامل مكمل نقى السريرة لاستفاد من القصة واهتدى.

والقصة كلها فى سورة الكهف وتحتاج علم أهل الإشارات والتأويل، ومن هذا العلم تأويل الشيخ ابن عربى فيقول:

﴿قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ هذا هو زمان استبصارهم واستفادتهم واستكمالهم.

والورق هو ما معهم من العلوم الأولية التى لا تحتاج إلى كسب، إذ بها تستفاد الحقائق الذهنية من العلوم الحقيقية والمعارف الإلهية.

والمدينة محل الاجتماع، إذ لا بد من الصحبة والتربية أو مدينة العلم من قوله (أنا مدينة العلم وعلى بابها) وإنما بعثوا أحدهم لأن كمال الكل غير موقوف على التعليم والتعلم بل الكمال الأشرف هو العلمى فيكفى تعلم البعض عن كل فرقة وتنبيه الباقين كما قال تعالى ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ﴾ التوبة 122.

﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾ أى أهلها أطيب وأفضل علماً وأنقى من الفضول واللغو والظواهر كعلم الخلاف والجدل والنحو وأمثالها التى لا تتقوى ولا تكمل بها النفس كقوله سبحانه ﴿لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِى مِن جُوعٍ﴾ الغاشية 7، إذ العلم غذاء القلب كالطعام للبدن وهو الرزق الحقيقى الإلهى.

﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ فى اختيار الطعام ومن يشترى منه أى: ليختر المحقق الزكى النفس، الرشيد السمت، الفاضل السيرة، النقى السريرة، الكامل المكمل، دون الفضولى الظاهرى الخبيث النفس، المتعالم، المتصدّر، لإفادة ما ليس عنده ليستفيد بصحبته، ويظهر كماله بمجالسته، ويستبصر بعلمه فيفيدنا، أو ليتلطف فى أمره حتى لا يشعر بحالكم ودينكم، جاهل من غير قصد له.

﴿وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ من أهل الظاهر المحجوبين وسكان عالم الطبيعة المنكرين.

فلابد من ولى مرشد وإن شئت قرأت قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر .. وتأمل معى وتعجب فسيدنا موسى نبى ورسول ومن أولى العزم ويقول له المولى تبارك وتعالى ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّى وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى﴾ طه 39، ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى﴾ طه 41 .. وهنا نلفت النظر الى أن الأنبياء والرسل عليهم السلام اجمعين عددهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبى ورسول منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسول ومن الرسل أربعة أولو العزم هم سيدنا نوح وسيدنا ابراهيم وسيدنا موسى وسيدنا عيسى عليهم السلام أجمعين .. نعنى بذلك أن سيدنا موسى أحد الرئاسات الأربعة وهم أولو العزم من الرسل, ورغم أنه كليم الله لم يستنكف أبدا أن يقول لسيدنا الخضر ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ الكهف 66، وعندما قال له سيدنا الخضر ﴿إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِى صَبْرًا • وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ الكهف 67-68 .. قال له سيدنا موسى ﴿سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِى لَكَ أَمْرًا﴾ الكهف 69 .. فقال له سيدنا الخضر ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِى فَلَا تَسْأَلْنِى عَنْ شَىْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ الكهف 70.

بعد ذلك يفعل أشياء لا يقرها العقل ويريد من سيدنا موسى ألا يتكلم ولا يسأل .. وعندما يسأل يعاتبه سيدنا الخضر فيقول له سيدنا موسى ﴿لَا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا﴾ الكهف 73 .. فمن منا مثل سيدنا موسى حتى يستنكف اتّباع ولى يرشده إلى الله تعالى ألم يقل المولى تبارك وتعالى:

﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ﴾ لقمان 15.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ التوبة 119.

﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ الإسراء 71 وذلك يوم القيامة.

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ العنكبوت 69.

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى﴾ يوسف 108.

ولاحظ أن المولى تبارك وتعالى لم يقل للحبيب أدعو أنا وحدى وفقط وانما قال ﴿أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى﴾.

ومن الأحاديث النبوية الشريفة:

(.....ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر) رواه ابن أبى شيبة والبيهقى والسيوطى وابن حبان والنسائى ومسلم والإمام أحمد.

وعن فضالة بن عبيد عن رسول الله قال (ثلاثة لا تسأل عنهم رجل فارق الجماعة وعصى إمامه، وعبد أبق من سيده فمات ومات عاصيا، وامرأة غاب عنها زوجها وقد كفاها مؤنة الدنيا فخانته بعده) أخرجه البخارى والبيهقى وابن حبان والإمام أحمد.

وعنه انه قال (إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) أخرجه السيوطى والحاكم فى المستدرك على شرط الصحيحين وسنن أبى داود.

فإذا كان يبعث الله للأمة ولى يجدد لها دينها فهل لدينا خيار إلا اتباعه, ثم ما هو موقف المسلم الذى لم يستجب لهذا الإمام وما هو موقف من لم يتبعه؟ ألا يكون بذلك قد عصى الله تعالى ورسوله الكريم صلوات ربى وسلامه عليه وآله.

محمد مقبول