كان .. ما .. كان

من أنبياء بنى إسرائيل

سيدنا يوشع

 

بعد وفاة سيدنا موسى بعث الله سبحانه وتعالى سيدنا يوشع نبياً إلى بنى إسرائيل .. فهو سيدنا يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل وأمره الله سبحانه وتعالى أن يسير إلى أريحا مدينة الجبارين، وكان قد فتح الله على يديه نحو ثلاثين مدينة من مدن الشام، ثم جمع بنى إسرائيل وقال لهم: اعلموا رحمكم الله أن مدينة أريحا فتحها سيدنا موسى ونفى الجبارين منها، والآن عادوا إليها، وأنا سائر إليهم فخذوا أهبتكم فإن الله ينصركم عليهم.

وسار سيدنا يوشع بأصحابه حتى نزل بساحة أريحا، وتقابلوا مع الجبارين فى قتال شرس، وقُتل من الطائفتين خلق كثير، وجاء يوم الجمعة والقتال دائر بينهما، وكان فى عهد سيدنا موسى يوم السبت للعبادة فقط، فقال سيدنا يوشع إن فترنا عنهم هذه الساعة يكون يوم السبت، فيهمل الناس القتال، فيقوى عدونا علينا، فدعا الله تعالى وقال: اللهم أطل علينا بقية هذا اليوم إنك على كل شئ قدير، اللهم إنك تعلم ضعف بنى إسرائيل، فانصرنا يا خير الناصرين، فأرسل الله سبحانه وتعالى ملكاً إلى سيدنا يوشع فقال له "إنى حبست لكم الشمس ونصرتكم" فمازال سيدنا يوشع يحارب والشمس محبوسة بقدرة الله حتى دخل أريحا وهزم الجبارين وغنم أموالهم، ثم سار إلى بلاد كنعان فقتل ما قتل من ملوكها، وفتح منها حصون كثيرة، وملك أمورهم، وعاش ما عاش من العمر، ثم توفاه الله.

 

فى ذكر سيدنا إلياس

 

ثم بعد فترة من وفاة سيدنا يوشع تولى قيادة بنى إسرائيل من تولى من ملوك وحكام، وكثرت الأحداث فيهم، وتركوا عهد الله وعبدوا الأصنام، وفى فترة من هذه العهود ولد سيدنا إلياس .. فهو سيدنا إلياس بن يسَّى بن فنحاص بن عيزار بن هارون بن عمران.

قيل: لما ولد طلع منه نور ساطع أضاء منه المشرق والمغرب، فقالت بنو إسرائيل: سلوا عن امتداد هذا النور، فتبعوه فوجدوا مولوداً ولد من ولد سيدنا هارون، فقالت بنو إسرائيل: هذا الذى بشرونا به، وأن الله يهلك من تجبر على يديه، ولما بلغ سيدنا إلياس من العمر سبع سنين حفظ التوراة، وفى يوم من الأيام قال لبنى إسرائيل: سأُريكم من نفسى عجباً، فصاح صيحة عظيمة، فارتعبت قلوبهم، فلما سكن الرعب عنهم أرادوا قتله، فهرب منهم إلى الجبال، فكان يدور مع السباع والوحوش، حتى استكمل عمره أربعين سنة، فهبط سيدنا جبريل عليه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا جبريل، قال: بماذا جئت؟ قال: مبشرك بالنبوة، وإن الله جعلك رسولاً إلى ملوك الجبابرة الذين يعبدون الأصنام، فقال سيدنا إلياس: كيف أصنع وأنا وحيد، وهم لديهم الجموع والسلاح؟ فقال سيدنا جبريل: إن النصرة لك والقوة لله، وإن الله أمر الوحوش والنار بإطاعتك، وأعطاك قوة ثلاثين نبياً، فامضى إلى قومك، وكان قومه فى سبعين قرية، كل قرية أكبر من مدينة، وفى كل قرية جبار يسوسهم، وكان تفرقهم هذا نتيجة أن سيدنا يوشع لما فتح الشام بعد سيدنا موسى وملكها بوأها من بنى إسرائيل وقسمها بينهم، وأحل سبطاً منهم ببعلبك ونواحيها، ومنهم السبط الذى نشأ معهم سيدنا إلياس، قيل: إن بعلبك لم يكن اسمها، ولكن كان اسمها "بك" وكانوا يعبدون صنم اسمه "بعل" فصار اسم المدينة بعد ذلك مركب من الاسمين فأصبح "بعلبك"، ووصِف ذلك الصنم بأنه كان مصنوع من الذهب، وطوله عشرين ذراعاً، وكان له أربعة أوجه، فافتتنوا به وعظموه، حتى جعل له أربعمائة سادن، وجعلوهم أنبياءه، وكان الشيطان يوسوس لهم شريعة من الضلالة، وسيدنا إلياس لما دخل القرية جاء إلى جانب قصر من قصورها، وأخذ يتلو التوراة بصوت حسن فسمعه صاحب القصر وزوجته، فجاءت الزوجة إلى سيدنا إلياس وقالت: من أنت وماذا تريد؟ فقال: إنى رسول الله إليكم، فقالت: ما حجتك؟ قال: ما تريدون؟ قالت: ادعّ هذه النار لتأتيك، فدعا النار فأتته، فذهبت المرأة إلى زوجها وأخبرته بما حدث فآمنا به، ثم مضى سيدنا إلياس إلى أهل القرية ليدعوهم إلى عبادة الله الواحد القهار بدلاً من الأصنام، يقول تعالى ﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ الصافات 123-128، فلما سمع أهل القرية منه ذلك ثاروا عليه وضربوه وأهانوه وأوثقوه بالحبال وأخذوه إلى جبارهم الذى كان يحكمهم فحمى له القدور وقال له: إن لم تنته عما تقول وتدعو لعبادته من دون إلهنا، عذبتك أشد العذاب، وأحرقتك، فصاح سيدنا إلياس صيحته المعروفة، فارتعبت منها القلوب وخمدت النيران، فتحير الناس وقالوا: يا إلياس قد عرفنا حالك، فاصبر إلى الغد، فلما أصبح جاء إليهم ووعظهم وحذرهم من عذاب الله، وبلغ رسالة ربه، فقالوا: يا إلياس هل بعث ربك معك جنوداً؟ فقال: ويلكم ومن يقدر على أمر الله ومخالفته، وتركهم وذهب إلى صاحب القصر وزوجته اللذان آمنا به، فأخبره صاحب القصر أن ملك البلد جمع أكابر مملكته وعلماء قومه وقال لهم: ما تقولون فى أمر إلياس؟ فطلب بعض العلماء الأمان قبل الكلام، فقال الملك: قولوا ولكم الأمان، فقالوا: إنا رأينا فى التوراة صفة هذا الرجل، وإنه يُبعث نبياً، وتُسخر له النار والأسود، وإنه لا يسمع صوته أحد إلا ذل. وقال بعض علمائهم: كذبوا، بل هو ساحر كذاب.

فقال لهم الملك: مهلاً حتى ننظر، ثم انصرفوا، وظل سيدنا إلياس يدعوهم إلى الله وهم لا يسمعون، ولما رأى سيدنا إلياس أن بنى إسرائيل أبوا إلا الكفر والظلم، دعا عليهم، فأمسك الله عنهم المطر ثلاث سنوات، فهلكت الماشية والطيور والهوام والشجر، وجهد الناس جهداً شديداً، وذات يوم أوحى سيدنا إلياس إلى امرأة من بنى إسرائيل لها ابن يقال له: اليسع بن أخطوب أو خطوب، وكان به ضر شديد، فدعا له سيدنا إلياس فعوفى من الضر الذى كان به واتبع سيدنا إلياس وصحبه وكان معه وصدقه، أما بنى إسرائيل فظلوا يقتاتون بما عندهم من قوت حتى أكلوا دوابهم والعظام ثم الكلاب والفيران، فعند ذلك ضجت الملائكة إلى ربها فى حال عباده المؤمنين والطيور والوحوش، فأوحى الله إليه إنك قد أهلكت كثيراً من الخلق، ولم يعص سوى بنى إسرائيل، ففزع سيدنا إلياس وقال: إلهى ما لى علم، إنى عصيتك وأنت أرحم الراحمين، فأوحى الله إليه أن سر إليهم فإن آمنوا كان فرجهم على يديك وإن كفروا كنت أرأف بهم منك، فخرج سيدنا إلياس فاجتمعت عليه الناس وطلبوا أن يدعو ربه حتى يُفرج عنهم، فدعا الله ففرج عنهم، فلم يؤمنوا فلما رأى ذلك سيدنا إلياس سأل الله أن يسمح له أن يتركهم ويريحه منهم، فسمح الله له بتركهم وصار يسعى فى الأرض بتنفيذ أوامر الله وهو من المنظرين.

ويروى أن انس قال سائلا الرسول عن سيدنا إلياس: اهو حى يا رسول الله؟ فقال : (نعم). فقال انس : هلا سألته عن سبب حياته يا رسول الله. فقال : (بلى، قال: جاءنى عزرائيل وساق روحى الى ان بلغت الحلقوم فبكيت فنزل جبريل فقال لى: يقول ربك: ما الذى يبكيك؟ احبا فى الدنيا أم خوفا من الموت ام كرها للقائى؟ فقلت: يا رب لاهذا ولا ذاك ولكن صحائفى تطوى بعد الموت فيذكرك الناس ويحمدونك ويمجدونك. فقال جبريل: يقول لك ربك لاحيينك فى الارض حتى لايذكرنى فيها احد) قال انس فقلت: يا رسول الله على شريعة من يتعبد؟ فقال : (على شريعتى حتى انه يحج كل سنه وبعد الانتهاء يقص للخضر شعره وكذلك يقص له الخضر شعره ثم يتصافحان ويودع كل منهما الاخر ويقولان سبحان الله لا يسوق الخير الا الله سبحان الله لا يصرف السوء الا الله) الخ الحديث، والمعروف أن سيدنا إلياس هو أخو سيدنا الخضر وهو من المنظرين أيضا.

وقيل أن سيدنا اليسع النبى كان مستخفيا مع سيدنا إلياس بجبل قاسيون من ملك بعلبك ثم ذهب معه إلى قومه، ولما هجرهم سيدنا إلياس خلفه اليسع فى قومه ونبأه الله بعده.

أحمد نور الدين عباس