الصحابى الجليل:

شداد بن أوس بن ثابت

نسبه وكنيته:

هو: شداد بن أوس بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عامر بن عمرو بن مالك ابن النجار ، وهو بن أخى حسان بن ثابت الشاعر الأنصارى الخزرجى، ويكنى أبا يعلى، وقيل: أبو عبد الرحمن، ونزل بالبيت المقدس من الشام.

من مناقبه وملامح شخصيته:

شهد أحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله ، ثم خرج إلى الشام فنزل دمشق وبنى بها داراً، وكان قاضياً بها فى زمن معاوية بن أبى سفيان.

وقال عبادة بن الصامت: كان شداد ممن أوتى العلم والحلم، وروى عنه أهل الشام. وروى عنه ابنه يعلى، ومحمود بن لبيد، وأبو الأشعث الصنعانى، وأبو إدريس الخولانى، وغيرهم. وكان شداد كثير العبادة والورع والخوف من الله تعالى، وكان له اجتهاد فى العمل وذو لسان مزموم وبيان مفهوم وصاحب حذر وورع وبكاء وضرع وكانت ولايته وبهاؤه ظاهرة للعباد. وعن أبى يزيد الغوثى عمن حديثه عن أبى الدرداء أنه كان يقول: إن لكل أمة فقيهاً وإن فقيه هذه الأمة شداد بن أوس.

عن سليمان بن موسى أن شداد بن أوس قال يوماً: هاتوا السفرة نعبث بها، قال: فأخذوها عليه قالوا: انظروا إلى أبى يعلى ماجاء منه فقال: أى بنى أخى إنى ماتكلمت بكلمة منذ بايعت رسول الله إلا مزمومة مخطومة قبل هذه، فتعالوا حتى أحدثكم ودعوا هذه، وخذوا خيراً منها "اللهم إنا نسألك التثبت فى الأمر، ونسألك عزيمة الرشد، ونسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، ونسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، ونسألك خير ماتعلم، ونعوذ بك من شر ماتعلم" فخذوا هذه ودعوا هذه، كذا رواه سليمان بن موسى موقوفاً ورواه حسان بن عطية عن شداد مرفوعاً. وفى رواية أخرى زاد "وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب" هكذا رواه يحيى وعامة أصحاب الأوزاعى عنه مرسلاً وجوده عنه سويد بن عبد العزيز

أثر الرسول فى تربيته:

عن عبد الرحمن بن عثمان بن شداد بن أوس أن شداداً حدثه عن حديث رسول الله أنه قال (لتحذون شرار هذه الأمة على سنن الذين خلوا من قبلكم من أهل الكتاب، حذو القذة بالقذة).

عن شداد؛ قال: مررت مع رسول الله فى ثمان عشرة خلت من رمضان، فأبصر رجلاً يحتجم، فقال (أفطر الحاجم والمحجوم).

عن زياد بن ماهك قال: كان شداد بن أوس يقول: إنكم لم تروا من الخير إلا أسبابه، ولم تروا من الشر إلا أسبابه، الخير كله بحذافيره فى الجنة، والشر كله بحذافيره فى النار، وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر، ولكل بنون فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا. قال أبو الدرداء: وإن من الناس من يؤتى علماً ولا يؤتى حلماً وإن أبا يعلى –يعنى شداد بن أوس- قد أوتى علماً وحلماً قال أبو نعيم: أسند بعض هذا الحديث كثير بن مرة عن شداد مرفوعاً.

عن أبى شجرة كثير بن مرة عن شداد بن أوس قال: سمعت رسول الله يقول (ياأيها الناس إن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر، يحق فيها الحق، ويبطل الباطل، أيها الناس كونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن كل أم يتبعها ولدها) رواه ليث بن أبى سليم عمن حدثه عن شداد بن أوس مرفوعاً بزيادة ألفاظ.

وعن ليث بن أبى سليم عمن حدثه عن شداد بن أوس عن النبى مثله، وزاد (فاعملوا وأنتم من الله على حذر، واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم، وأنكم ملاقوا الله لابد منه، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزلزلة 7-8.

عن أبى الأشعث الصنعانى عن شداد بن أوس قال: قال لى رسول الله (ياشداد إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة، فاكنزوا هؤلاء الكلمات اللهم إنى أسألك الثبات فى الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك)، ورواه الجريرى عن أبى العلاء بن الشخير عن الحنظلى عن شداد مرفوعاً.

عن ضمرة بن حبيب عن شداد بن أوس عن النبى قال (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها، وتمنى على الله هذا حديث مشهور بابن المبارك عن أبي بكر بن أبى مريم مثله.

عن عبادة بن نسى قال: مر بى شداد بن أوس فأخذ بيدى فانطلق بى إلى منزله، ثم جلس يبكى حتى بكيت لبكائه، فلما سُرى عنه، قال: مايبكيك، قلت: رأيتك تبكى فبكيت، قال: إنى ذكرت حديثاً سمعته من رسول الله سمعته يقول (إن أخوف ماأخاف على أمتى الشرك والشهوة الخفية) قال: فقلت: أما إحداهما فلا سبيل إليها، قال: هكذا قلت لرسول الله حين قال لى، قال (إنما أتخوفهما)، ثم قال (أما إنهم لم يعبدوا شمساً ولا قمراً ولم ينصبوا أوثاناً ولكنهم يعملون أعمالاً لغير الله ).

عن عبادة بن نسى قال: دخلت على شداد بن أوس وهو يبكى، فقلت: مايبكيك يا أبا عبد الرحمن فقال: لحديث سمعت رسول الله يذكره (إن من أخوف ماأخاف على أمتى الشرك بالله، والشهوة الخفية، يصبح الرجل صائماً فيرى الشىء يشتهيه فيواقعه، والشُرّك قومٌ لا يعبدون حجراً، ولا وثناً، ولكن يعملون عملاً يراؤن)، رواه عبدالرحمن بن غنم عن شداد.

عن مكحول عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله (إن التوبة تغسل الحوبة، وإن الحسنات يذهبن السيئات، وإذا ذكر العبد ربه فى الرخاء، أنجاه فى البلاء، ذلك بأن الله تعالى يقول: لا أجمع لعبدى أبداً أمنين، ولا أجمع له خوفين، إن هو أمننى فى الدنيا، خافنى يوم أجمع فيه عبادى، وإن هو خافنى فى الدنيا، أمنته يوم أجمع فيه عبادى فى حظيرة القدس، فيدوم له أمنه ولا أمحقه فيمن أمحق).

ولما دنتْ وفاةُ المصطفى قامَ ثم جلس وكرَّرَهُ. فقال له المصطفى (ياشدَّادُ، ماسببُ قلقِكَ؟) قال: يارسول الله، ضاقتْ بى الأرضُ. قال (أَلاَ إنَّ الشَّامَ ستُفتح، وتكون أنت وولدُك أَئمَّةً بها) فكان كذلك أخرجه الطبرانى، والهيثمى، وابن عساكر.

من كلامه:

وقال أسد بن وداعة: كان شداد بن أوس بن ثابت إذا أخذ مضجعه من الليل، كان كالحبة على المقلى، فيقول: اللهم إن النار قد حالت بينى وبين النوم. ثم يقوم فلا يزال يصلى حتى يصبح.

عن محمود بن الربيع عن شداد بن أوس أنه قال لما حضرته الوفاة: إن أخوف ماأخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية.

عن عبدالرحمن بن غنم يقول: لما دخلنا مسجد الجابية أنا وأبو الدرداء، لقينا عبادة بن الصامت قال: فبينا نحن كذلك إذ طلع علينا شداد بن أوس وعوف بن مالك فجلسا إلينا، فقال شداد: إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس ماسمعت من رسول الله من الشرك والشهوة الخفية. فقال عبادة وأبو الدرداء: اللهم غفراً أو لم يكن رسول الله قد حدثنا أن الشيطان قد أيس أن يُعبد فى جزيرة العرب أما الشهوة الخفية فقد عرفناها وهي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها فما هذا الشرك الذى تخوفنا به ياشداد؟ قال شداد: أريتكم لو رأيتم رجلاً يصلى لرجل، أو يصوم لرجل، أو يتصدق لرجل، أترون أنه قد أشرك؟ قالا: نعم والله أنه من تصدق لرجل أو صام لرجل أو صلى لرجل فقد أشرك. قال عوف بن مالك: عند ذلك أفلا يعمد الله عز وجل إلى مايبتغى به وجهه من ذلك العمل فيتقبل منه ماخلص ويدع ما أشرك به؟ فقال شداد: فإنى سمعت رسول الله يقول (يقول الله تعالى أنا خير قسيم لمن أشرك بى، من أشرك بى شيئاً فإن جسده وعمله وقليله وكثيره لشريكه الذى أشرك به، أنا عنه غنى) روى ليث بن أبى سليم عن شهر بن حوشب نحوه وروى رجاء بن حيوة عن محمود بن الربيع نحوه.

عن محمود بن الربيع عن شداد بن أوس أنه خرج معه يوماً إلى السوق ثم انصرف فاضجع وتسجى بثوبه ثم بكى، فأكثر ماقال: أنا الغريب لا يبعد الإسلام لما ذهب ذلك عنه، قلت له: لقد صنعت اليوم شيئاً مارأيتك تصنعه قال: أخاف عليكم الشرك والشهوة الخفية، قلت له: أبعد الإسلام تخاف علينا الشرك قال: ثكلتك أمك يامحمود أو مامن شرك إلا أن تجعل مع الله إلهاً.

وفاته:

ومات بفلسطين سنة ثمان وخمسين فى آخر خلافة معاوية بن أبى سفيان، وكان يوم مات ابن خمس وتسعين سنة وقيل ابن خمس وسبعين سنة وهو الأرجح، وله بقية وعقب فى بيت المقدس. ودفن بباب الرَّحمة تحت سورِ المسجدِ الأقصى، وقبره ظاهرُ هناك يُزار.

مدحت عمر

 

 

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب

أسرة التحرير