نشرنا فى صفحات القواطع عن موضوع القواطع عن المهيمن من كتاب المرشد الوجيز، وها نحن فى هذا الباب نستكمل الموضوع بجوانب أخرى تكمله حتى تعم الفائدة:

 

 

ماذا تفعل لو كنت مكانى؟ 4

 

خرجت إلى الشارع وأنا شارد، أفكر.. ماذا أفعل؟ أأذهب إلى صديقى وأعترف إليه بما حدث، أم أظل على ماأنا فيه من كبر وخيلاء؟ ووقفت أنتظر مرور السيارات أمامى كى أجد فرصة لعبور الطريق، فالطرق عندنا تحتاج إلى بهلوان لكى يعبر الطريق، فالسيارات لا تنتظر عبور المشاة، ولا الناس تنتظر عبور السيارات، والتفت يميناً ويساراً لعلى أجد فرصة للعبور، فوجدت على يمينى رجلاً كبير السن يستند على عصاه ينظر إلى السيارات وهى تمر كالسهم من أمامه، ذهبت إليه وسألته: هل تريد العبور ياحاج؟ فرد قائلاً: نعم يا ابنى.. ربنا يخليك، وينور لك سكتك، فأمسكت ده بيد، ورفعت يدى الأخرى مشيراً للسيارات أن تبطئ كى نعبر الشارع، منهم من توقف لنمر أمامه، ومنهم من صمم على السير قبلنا، وتملكنى الغيظ ورفعت صوتى كى أسبهم وألعنهم، ولكن يده ضغطت على يدى، فابتلعت الشتائم، ونظرت إليه، فقال: إهدء.. لا تغضب، فقلت: إنت شايف ياحاج مافيش إحترام لحد، فقال وهو يبتسم: علشان ماعندهم كبير بيسوقهم، فقلت مستغرباً: بيسوقهم.. إزاى؟ فقال: كل ابن آدم منا لازم تلاقى واحد بيسوقه، دا بيسوقه واحد محترم، ودا بيسوقه إبليس، ودا بيسوقه دماغه.. الحمد لله إحنا وصلنا.. شكراً ياابنى السلام عليكم، ورددت عليه السلام وأنا فى حالة ذهول مما قال، وأفقت من ذهولى، ونظرت حولى فلم أجد للرجل أثر وكأنه تبخر فى الهواء، ومشيت وكلامه يطن فى أذنى كالنحل.. ده بيسوقه محترم..، ده بيسوقه إبليس..، ده بيسوقه دماغه، وتسمرت مكانى أتمتم.. الله.. الله.. الله الراجل ده.. جاى لى مخصوص.. مافيش حد مركوب غيرى، إبليس اللعين ونفسى الأمارة كانوا راكبين ومدلدلين رجليهم وماسكين لجام حياتى، وبيلعبوا بآخرتى، يقولوا يمين أقول آمين، يقول شمال أقول تمام.. ياولاد الـ.. وظللت أسب وألعن فى نفسى وفى إبليس العين، وأفقت مما أنا فيه على نظرة الناس من حولى، فقد ارتفع صوتى دون أن أدرى، فظنوا أنى مجنون، وعندهم حق فما حدث يصيب أى شخص بالجنون، واتصلت بصديقى وطلبت أن آراه فدعانى إلى منزله، وعندما وصلت دخلت على استحياء، وجلست فترة دون أن أتكلم، ولاحظ هو توترى، فسألنى: مالك فيه إيه؟ وكأنى كنت أنتظر هذا السؤال كى تخرج الكلمات من فمى دون توقف، حكيت له كل شئ من وقت خروجى من عنده فى المرة السابقة إلى أن حضرت إليه فى هذه المرة بالتفصيل الممل، وأحسست بأن هماً كبيراً قد إنزاح عن صدرى، وقلت له: أولاً سامحنى على اللى قلته فى حقك، وثانياً عاوز أفهم إيه الى حصل ده؟ نظر صديقى إلىّ ثم قال: نقرأ الفاتحة أولاً علشان ربنا يفهمنا وبعد الفاتحة قال: ربنا سبحانه وتعالى لما خلقنا، جعل أمامنا طريقان، زى مابيقولوا فى الحواديت سكة السلامة، وسكة الندامة ... وعرفنا على ألسنة أنبيائه ورسله أن المراد من العباد أن يسيروا على الصراط المستقيم الذى يؤدى إلى الجنة أما طريق الندامة، فإبليس اللعين شغال فيه تمام، زين للناس الطريق، وسهله لهم، مش كده وبس دا نقل شغله للصراط المستقيم كمان، بيقول لربنا سبحانه وتعالى ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ وشغله هنا عكس شغله هناك، فى الصراط عمال يكره الناس فى هذا الطريق، ويوجه الناس إلى طريق الندامة ويمدح فيه ويعدد مزاياه التى ليس لها وجود أصلاً، فكل طريقه مساوئ إحنا بنقرأ فى الفاتحة ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ آمين.

طيب.. مين هم الذين أنعم الله عليهم؟ ربنا يقول فى كتابه الكريم ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ دول اللى أنعم الله عليهم، دول اللى صراطهم الصراط المستقيم، بيدعوا الناس إلى الصراط المستقيم، الناس اللى بيؤمنوا بهم ويسيروا ورائهم، بيعلموهم كيفية المشى على الصراط والثبات عليه، وكيف يواجهوا مايقابلهم من عوائق على الصراط من دنيا وهوى ونفس وشيطان، حتلاقى سكتهم واحدة رغم اختلافهم واختلاف أزمنتهم واختلاف رسالتهم ولكن منهجهم واحد التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله" دول السواقين المحترمين اللى أشار ليهم الراجل الكبير اللى كان معاك.. لحد هنا فاهم؟ فقلت: أصبر علىّ شوية.. وأنا كنت ماشى على دماغى، وبقول الدنيا مقلوبة ليه؟ ومرة واحدة الحال اتعدل لو سمحت ممكن توضح أكثر؟

فقال: فيه قول مشهور عند البعض بيقول: إن لم تعرف الله، فتعرف على من يعرف الله، وإن لم تعرف من يعرف الله، فتعرف على من يعرف من يعرف الله.. فقلت: وبعد الجهد فسر الماء بالماء، ياعم.. أنا عاوز أعرف أروح السكة دى إزاى؟ وأمشى ورا مين؟ الخطباء فى المساجد بيقولوا كلام، وفى الأذاعة والتليفزيون كلام، كلامهم بيدل على سكك كثير مختلفة، وانت بتقول إن السكة لربنا واحدة.. مش عارف أقول إيه.. غير إنى أقول.. ماذا تفعل لو كنت مكانى؟

 

أحمد نور الدين عباس