أهل بدر

 

يَا أَهْلَ بَدْرٍ يَا صَحَابَةَ أَحْمَدٍ     مَنْ لِلْقُلُوبِ شَرَابُهَا وَالزَّادُ (46/1)

بمناسبة غزوة بدر الكبرى التى وقعت فى السابع عشر من شهر رمضان المعظم من السنة الثانية من الهجرة  والتى جاد فيها المولى تبارك وتعالى على المسلمين بالنصر رغم قلة عدد هم فقد قدر عددهم بـ 313 مسلم وقدر عدد المشركين بـ 1000 مشرك ولكن بفضل طاعة الصحابة البدريين لرسول الله كانت النصرة على الأعداء, وكانت هذه الغزوة وهذا النصر والعبر والمعانى الغالية التى تكلم فيها الكثير من العلماء من واقع السيرة النبوية والشريعة الغراء.

وفى ذلك يقول المولى تبارك وتعالى فى محكم التنزيل ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. آل عمران: 123.

يقول الإمام بن عجيبة :

﴿بدر﴾: بئر بين مكة والمدينة، كانت لرجل اسمه بدر، فسُمّيت باسم صاحبها، وقعت فيها الغزوة التى نصر الله فيها رسوله ، فسُمّيت الغزوة باسم المكان.

﴿ولقد نصركم الله﴾ فى وقعة بدر ﴿وأنتم أذلة﴾ ليس معكم مراكب ولا كثرة سلاح، مع قوة عدوكم بالعُدة والعدد ﴿فاتقوا الله﴾ واثبتوا مع رسوله، وانتظروا النصر من الله كما عودكم ﴿لعلكم﴾ تكونون شاكرين، لما أنعم به عليكم من العز والنصر، فيزيدكم منه كما وعدكم، هذا ما قاله الإمام ابن عجيبة فى التفسير الظاهرى للآية، أما فيما ورد فى الآية من إشارات ومعانٍ أخرى، وهو ما يقال عنه التأويل كما أخبر الحق سبحانه وتعالى  ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ آل عمران: 7، فيقول ابن عجيبة :

جعل الله سبحانه وتعالى الأشياء كامنة فى أضدادها، فمن أراد العز والنصر فليتحقق بالذل والمسكنة، ومن أراد الغنى فليتحقق بالفقر، ومن أراد الرفعة فليتحقق بالضعة وإسقاط المنزلة، ومن أراد القوة فليتحقق بالضعف، وهكذا (تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه) فاتقوا الله يا معشر المريدين، واطلبوا الأشياء فى أضدادها لتظفروا بها، واشكروا الله على ما أولاكم يزدكم من فضله ونواله.

ولقد تعددت التفاسير والتأويلات بتعدد البصائر والمشاهدات ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ يوسف: 76.

بعد هذا السرد والإقرار بما جاء فى الشريعة الغراء, تعالوا بنا نستقى من بعض العلوم من السيد فخر الدين تلك العلوم التى أخبرنا المولى تبارك وتعالى عنها فى كتابه العزيز والتى ساقها لنا فى قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر وانظروا كيف كان العقل ينتقد فعل الخضر ذلك العبد الصالح وعلى قول الجمهور أنه لم يكن نبيا ولكن كان وليا، وكل ما فعله من مخالفة للعقل والشرع كان بأمر الله تعالى، وقد أخبرنا تبارك وتعالى بهذه القصة لنعلم أن لله فى خلقه شئون فوجب على كل مسلم أن تكون له عينان عين ينظر بها إلى الشريعة ويطبقها ويقرها وعين إن كانت لا ترى الحقيقة فلا تنكرها على أهلها.

يقول سيدى فخر الدين "يا أهل بدر" فلأول وهله نظن أنه يخاطب أهل الغزوة وفقط ولكن عند استعراض القصيدة سنجد –ما شاء الله- من العلم والمعانى ما يجعل غزوة بدر ومراتب أهلها العظام تتكرر على مدى الزمان حتى لا يُحرم من لم يدرك زمن هذه الغزوة من هذا الشرف والفضل الكبير الذى ناله أهل الغزوة العظماء, فربما قال: ياليتنى كنت واحد منهم.

فنجده يقول "يا صحابة أحمد" وذكر هذا الاسم الشريف عند أهل الله يشير الى الحقائق التى لا تصدر إلا من الصادقين فى إيمانهم وأقوالهم وأفعالهم وعهودهم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ التوبة: 119، الذين قال عنهم المولى تعالى ﴿إِنَّمَا المؤمنون الذين آمَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ الله أولئك هُمُ الصادقون﴾ الحجرات: 15، وكيف يرتابو وهم يرون الحقيقة ببصائرهم ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ يوسف: 108، فأصحاب البصائر كالخضر يرون ما لا يراه العامة لذلك فلا ترموهم بالشرك أعاذنا الله منه, فعندما يقول صاحب البصيرة يا صحابة أحمد هو يراهم ببصيرته على مر العصور فى الآن الدائم وهو اصطلاح صوفى بمعنى أن صاحب الآن الدائم يرى الماضى والحاضر والمستقبل فى آن واحد بنور الله عز وجل، الذى أرى الخضر الحقيقة وأن الطفل الذى قتله كان بعدما يكبر ويصبح شابا سيكفر أبواه فكيف عرف أن أبواه سيكتب لهم العمر حتى يكبر, سبحان الله!

ثم يقو السيد فخر الدين صاحب الآن الدائم فى زمنه وبعد الانتقال لأن الله عز وجل أكرم من أن يأخذ عطيته من عبده بعد انتقاله, كل هذه حقائق لابد أن نفهمها ولاننكرها وإلا وقعنا فى أكبر خطأ وهو معاداة الأولياء دون أن نشعر ووقعنا فى الحرب الذى أعلنها وشنها الله القاهر فوق عباده وإن شئت قرأت الحديث القدسى: أن رسول الله قال (إن الله قال من عادى لى ولياً فقد آذنته بالحرب) أى أعلنت عليه الحرب. صحيح البخارى.

وقد قال الإمام فخر الدين عن أحمد :

هُوَ أَحْمَدٌ فِى قَابِ قَوْسَيْنِ إِنْجَلَى     وَلَهُ لِوَاءُ الْحَمْدِ مَا أَسْمَاهُ

ثم يقول فى قصيدة أهل بدر فى الشطر الثانى "من للقلوب شرابها والزاد" ونفهم من ذلك أن شراب المعانى العالية والحقائق التى لا لبس فيها والإيمان بها لايكون إلا من نور اسمه أحمد السامى والعالى والمنجلى فى قاب قوسين، أى الظاهر هنالك. فإن كنت من الذين اصطفاهم الله عز وجل وسافرت أرواحهم الى قاب قوسين فهنيئا لمن صاحبك ونرجوا من الله الكريم أن ينفعنا بك وإن لم تكن منهم فكن مع هؤلاء المصطفين تسعد وتهنا. وإلى العدد القادم بمشيئة الله تعالى لنستكمل الحديث عن هذه الدرر والمعانى الجميلة.

وصلى الله على سيدى محمد وآله وسلم،،،

محمد مقبول