أم المؤمنين: سودة بنت زمعة

 

هى سودة بنت زمعة بن قيس العامرية القرشية أم المؤمنين، ثانى زوجات النبى ، كريمة النسب، فأمها هى الشموس بنت قيس بن زيد الأنصارية، من بنى عدى بن النجار، وأخوها هو مالك بن زمعة وهى أول امرأة تزوجها النبى بعد السيدة خديجة .

إسلامها:

أسلمت قديمًا وبايعت، وكانت عند ابن عم لها يقال له: السكران بن عمرو، وأسلم أيضًا، وهاجروا جميعًا إلى أرض الحبشة فى الهجرة الثانية، فلما قدما مكة مات زوجها، ولها منه خمسة أولاد وقيل: مات بالحبشة، فلما حلت خطبها رسول الله وتزوجها.

زواجها من النبى :

عن ابن عباس قال كانت سودة بنت زمعة عند السكران بن عمرو -أخى سهيل بن عمرو- فرأت فى المنام كأن النبى أقبل يمشى حتى وطئ على عنقها، فأخبرت زوجها بذلك، فقال: وأبيك لئن صدقت رؤياك لأموتَنَّ وليتزوجنك رسول الله . فقالت: حجرًا وسترًا (تنفى عن نفسها ذاك). ثم رأت فى المنام ليلة أخرى أن قمرًا انقضَّ عليها من السماء وهى مضطجعة، فأخبرت زوجها، فقال: وأبيك لئن صدقت رؤياك لم ألبث إلا يسيرًا حتى أموت، وتتزوجين من بعدى. فاشتكى السكران من يومه ذلك، فلم يلبث إلا قليلاً حتى مات وتزوجها رسول الله . وذلك فى رمضان سنة عشر من البعثة النبوية، وقيل فى شوّال كما قرّره الإمام ابن كثير فى البداية والنهاية.

قالت خولة بنت حكيم السلمية امرأة عثمان بن مظعون: قلت "أى رسول الله ألا تزوج؟" قال (مَنْ؟) قلت "إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا". قال (فَمَنِ الْبِكْرُ؟) قلت "ابنة أحب خلق الله إليك: عائشة بنت أبى بكر". قال (وَمَنِ الثَّيِّبُ؟) قلت "سودة بنت زمعة بن قيس، آمنت بك، واتبعتك على ما أنت عليه". قال (فَاذْهَبِى فَاذْكُرِيهِمَا عَلَىَّ). فجاءت فدخلت بيت أبى بكر.. ثم خرجتُ فدخلتُ على سودة، فقلتُ: يا سودة، ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة! قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلنى رسول الله أخطبك عليه. قالت: وَدِدْتُ، ادخلى على أبى فاذكرى ذلك له. قالت: وهو شيخ كبير قد تخلف عن الحج، فدخلت عليه، فقلت: إن محمد بن عبد الله أرسلنى أخطب عليه سودة. قال: كفء كريم، فماذا تقول صاحبتك؟ قالت: تحب ذلك. قال: ادعيها. فدعتها، فقال: إن محمد بن عبد الله أرسل يخطبك وهو كفء كريم، فتحبين أن أزوجك؟ قالت: نعم. قال: فادعيه لى. فدعته، فجاء فزوَّجها إياه.

موقف أخيها عندما تزوجها رسول الله :

عن عائشة قالت: تزوج رسول الله سودة بنت زمعة، فجاء أخوها عبد بن زمعة من الحج فجعل يحثو التراب على رأسه، فقال بعد أن أسلم: إنى لسفيه يوم أحثو فى رأسى التراب أن تزوج رسول الله بسودة بنت زمعة.

من ملامح شخصيتها:

وحينما نطالع سيرتها العطرة، نراها سيدةً جمعت من الشمائل أكرمها، ومن الخصال أنبلها، وقدضمّت إلى ذلك لطافةً فى المعشر، ودعابةً فى الروح؛ مما جعلها تنجح فى إذكاء السعادة والبهجة فى قلب النبى ، ومن قبيل ذلك ما أورده ابن سعد فى الطبقات أنها صلّت خلف النبى ذات مرّة فى تهجّده، فثقلت عليها الصلاة، فلما أصبحت قالت لرسول الله "صليت خلفك البارحة، فركعتَ بى حتى أمسكت بأنفى، مخافة أن يقطر الدم، فضحك رسول الله ، وكانت تضحكه الأحيان بالشيىئ.

حبها للصدقة:

ومن مزاياها أنها كانت معطاءة تكثر من الصدقة، حتى إن عمر بن الخطاب بعث إليها بغِرارة – وعاء تُوضع فيه الأطعمة - من دراهم، فقالت: ما هذه؟ قالوا: دراهم، قالت: فى غرارة مثل التمر؟ ففرقتها بين المساكين.

فطنتها:
آثرت بيومها حب رسول الله تقربًا إلى رسول الله ، وحبًّا له، وإيثارًا لمقامها معه، فكان يقسم لنسائه ولا يقسم لها وهى راضية بذلك، مؤثرة لرضا رسول الله ؛ فعن عائشة أن سودة وهبت يومها وليلتها لعائشة تبتغى بذلك رضا رسول الله . فى صحيح مسلم عن عائشة قالت "ما رأيت امرأة أحب إلى أن أكون فى مسلاخها -أى جلدها- من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة" - ومعناه تَمنَّت أن تكونَ فى مثل هدْيها وطريقتها، ولم ترد عائشة عيب سودة بذلك بل وصفتها بقوة النفس وجودة القريحة وهى الحدة - قالت "فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله لى" قالت يا رسول الله "قد جعلت يومى منك لعائشة". فكان رسول الله يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة.

وعن النعمان بن ثابت التيمى قال: قال رسول الله لسودة بنت زمعة (اعتَدِّى).- أى أنت فى العدة بمعنى انه طلقها - فقعدت له على طريقه ليلة، فقالت: يا رسول الله ، ما بى حب الرجال ولكنى أحب أن أُبعث فى أزواجك، فأرجعنى. قال فرجعها رسول الله ، ونزلت هذه الآية ﴿وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير﴾ النساء 4: 128. قال ابن عباس: فما اصطلحا عليه من شيئ فهو جائز. رواه البيهقى فى "سننه"

من مواقفها مع الرسول :

عن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال: قُدِم بأُسَارى بدر وسودة بنت زمعة زوج النبى عند آل عفراء فى مَنَاخِهِمْ على عوف ومعوذ ابنى عفراء، وذلك قبل أن يُضرب عليهم الحجاب، قالت: قُدِم بالأسارى فأتيتُ منزلي، فإذا أنا بسهيل بن عمرو فى ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه -أى مربوطة فى عنقه - فلما رأيته ما ملكت نفسى أن قلت: أبا يزيد، أُعطيتم ما بأيديكم! ألا مُتُّمْ كِرامًا! قالت: فوالله ما نبهنى إلا قول رسول الله من داخل البيت (أَى سَوْدَةُ، أَعَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُولِهِ؟) قلت: يا رسول الله، والله ما ملكت نفسى حيث رأيت أبا يزيد أنْ قلتُ ما قلتُ.

وعن ابن عباس قال: ماتت شاة لسودة بنت زمعة فقالت: يا رسول الله ، ماتت فلانة. يعنى الشاة، فقال: (فَلَوْلاَ أَخَذْتُمْ مَسْكَهَا).- يعنى جلدها - فقالت: نأخذ مسك شاة قد ماتت. فقال لها رسول الله (إِنَّمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿قُلْ لاَ أَجِدُ فِى مَا أُوحِى إِلَى مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾ الأنعام 7: 145، فَإِنَّكُمْ لاَ تَطْعَمُونَهُ إِنْ تَدْبُغُوهُ فَتَنْتَفِعُوا بِهِ). فَأَرْسَلَتْ إليها فسلختْ مَسْكها فدبغته، فاتخذتْ منه قربةً حتى تخرَّقتْ عندها.

وعن عائشة قالت: استأذنت سودة بنت زمعة رسول الله أن يأذن لها فتدفع قبل أن يدفع - أى تنطلق قبل أن ينطلق - فأذن لها - وقال القاسم: وكانت امرأة ثبطة، أى ثقيلة - فدفعتْ وحُبِسنا معه حتى دفعنا بدفعه - أى حتى انطلقنا معه. قالت عائشة : فلأن أكون استأذنت رسول الله كما استأذنت سودة فأدفع قبل الناس، أحبُّ إلى من مفروحٍ به.

مواقفها المشهورة مع الصحابة:

موقفها مع سيدنا عمر :

روى الإمام أحمد والبخارى ومسلم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: خرجت سودة بعدما ضُرِب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة، أما والله ما تخفين علينا، فانظرى كيف تخرجين؟ قالت: فانكفأتْ راجعة ورسول الله فى بيتى وإنه ليتعشَّى وفى يده عرق، فدخلت فقالت: يا رسول الله ، إنى خرجت لبعض حاجتى فقال لى عمر: كذا وكذا. قالت: فأوحى الله إليه ثم رُفِع عنه وإنَّ العرق فى يده ما وضعه، فقال: (إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَ).

موقفها مع السيدة عائشة :

قالت عائشة : دخلت على سودة بنت زمعة فجلست ورسول الله بينى وبينها وقد صنعت حريرة، فجئت بها فقلت: كُلِي. فقالت: ما أنا بذائقتها. فقلت: والله لتأكلين منها أو لألطخَنَّ منها بوجهك. فقالت: ما أنا بذائقتها. فتناولت منها شيئًا فمسحت بوجهها، فجعل رسول الله يضحك وهو بينى وبينها، فتناولتْ منها شيئًا لتمسح به وجهى، فجعل رسول الله يخفض عنها رُكْبته وهو يضحك لتستقيد منى،- أى ليعطيها فرصة منى - فأخَذَت شيئًا فمَسَحَت به وجهى ورسول الله يضحك.

موقفها مع السيدة عائشة والسيدة حفصة :

عن خُليسة مولاة السيدة حفصة فى قصة حفصة وعائشة مع سودة بنت زمعة، ومزحهما معها بأن الدجال قد خرج، فاختبأت فى بيتٍ كانوا يوقدون فيه واستضحكتا، وجاء رسول الله فقال: (مَا شَأْنُكُمَا؟) فأخبرتاه بما كان من أمر سودة، فذهب إليها فقالت: يا رسول الله ، أخرج الدجال؟ فقال: (لاَ، وَكَأَنْ قَدْ خَرَجَ). فخرجت وجعلت تنفض عنها بيض العنكبوت.

بعض ما روته عن النبى :

روى البخارى بسنده عن السيدة سودة زوج النبى، قالت: "ماتتْ لنا شاة فدبغنا مسكها ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صار شَنًّا".

وعنها قالت: جاء رجل إلى النبى فقال: إن أبى شيخ كبير لا يستطيع أن يحج. قال: (أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ عَنْهُ، قُبِلَ مِنْهُ؟) قال: نعم. قال: (فَاللهُ أَرْحَمُ، حُجَّ عَنْ أَبِيكَ).

وعنها قالت: قال رسول الله (يُبْعَثُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً، قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ وَبَلَغَ شُحُومَ الآذَانِ) فقلت: يبصر بعضنا بعضًا؟ فقال (شُغِلَ النَّاسُ ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ عبس 80: 37.

وعنها : أنها نظرت فى رَكْوة فيها ماء، فنهاها رسول الله عن ذلك وقال: (إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْهُ الشَّيْطَانَ).

أثرها فى الآخرين:

ممَّن روى عنها من صحابة النبى عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير بن العوام جميعًا، وممَّن روى عنها من التابعين يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن، ويوسف بن الزبير، ومولى الزبير بن العوام .

وفاتها :

توفيت أم المؤمنين السيدة سودة بنت زمعة فى آخر زمان سيدنا عمر بن الخطاب على أغلب الأقوال، ويقال: أنها توفيت سنة 54 هـ.

راوية رمضان