كان .. ما .. كان

سيدنا إسحاق ويعقوب

 

قال تعالى فى كتابه العزيز ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِى ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِى الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِى الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾. العنكبوت: 27.

لما أراد الله سبحانه وتعالى قبض روح سيدنا إبراهيم، أرسل إليه ملك الموت فى صورة شيخ هرم، وكان سيدنا إبراهيم يطعم الناس، ولما رأى الشيخ الهرم بعث إليه بحمار ليركبه، فلما قدم على سيدنا إبراهيم، قدم الطعام إلى الشيخ فكان يأخذ اللقمة يريد أن يدخلها فاه فيدخلها عينه وأذنه ثم يدخلها فاه، وكان سيدنا إبراهيم قد سأل ربه ألا يقبض روحه حتى يكون هو الذى يسأله الموت، فلما رأى ذلك من الشيخ سأله يا شيخ مالك تصنع هذا؟ قال: يا إبراهيم.. الكبر! فسأله: ابن كم أنت؟ فزاد على عمر سيدنا إبراهيم سنتين، فقال سيدنا إبراهيم: إنما بينى وبين أن أصير هكذا سنتان، اللهم اقبضنى إليك، فقام الشيخ وقبض روحه.

وروى أبو ذرّ عن سيدنا رسول الله أنه قال: أنزل الله على إبراهيم عشر صحائف، قال: قلت: يا رسول الله! فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: كانت أمثالاً كلّها: أيها الملك المسلط المبتلى المغرور، إنى لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكن بعثتك لتردّ عنى دعوة المظلوم، فإنى لا أردها ولو كانت من كافر.

وكان فيها أمثال منها: وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له ساعات، ساعة يناجى فيها ربّه، وساعة يفكر فيها فى صنع الله، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال فى المطعم الطعام والشراب والمشرب، وعلى العاقل أن لا يكون ظاعناً إلا فى ثلاث: تزوده لمعاده، ومرمّة لمعاشه ولذّة فى غير محرّم، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بأمانه، مقبلاً على شأنه، حافظاً للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه.

﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ﴾ روى أن فارق السن بين سيدنا إسماعيل وبين سيدنا إسحاق أربع عشرة سنة، فلما كبر سيدنا سيدنا إسحاق تزوج بإمرأة من أرض حوران وقالوا إن اسمها رفقا بنت بتواييل وفى رواية آخرى ربقة بنت تبويل فحملت منه بغلامين فى بطن واحدة، وهما العيص ويعقوب، فلما حان الوضع أراد يعقوب الخروج قبل العيص، فقال العيص: والله لئن خرجت قبلى لأعترضن فى بطن أمى ولأقتلنها، فتأخر يعقوب وخرج العيص، وسمى العيص لعصيانه وخروجه قبل أخيه لإنه كان من المفترض أن يخرج يعقوب أولاً، وقد سمى يعقوب لخروجه عقب العيص، وكان العيص أحبهما إلى أبيه لأنه البكر، ويعقوب أحبهما إلى أمه لأنه الأصغر، وكان سيدنا إسحاق لما كبر أصابه العمى، فقال للعيص وكان يشتغل بالصيد: يابنى أطعمنى لحم صيد، واقترب منى ادع لك بدعاء دعا لى أبى، وكان العيص رجل أشعر، وكان أخوه أجرد، فلما سمعت أمهما ذلك قالت لسيدنا يعقوب: يابنى أذبح شاة واشوها، والبس جلدها، وقربها إلى أبيك، فذبح الشاة وقام بشيّها ثم لبس جلدها واقترب من أبيه قائلاً: يا أبتاه كُل، فقال سيدنا إسحاق: من أنت؟ قال: أنا ولدك، فمسحه سيدنا إسحاق وقال: المس مس عيص، والريح ريح يعقوب، ثم أكل ودعا له أن يجعل الله فى ذريته الأنبياء والملوك، وقام سيدنا يعقوب من عند أبيه، وجاء فى أثره عيص وقال لأبيه: قد جئتك بالصيد الذى طلبت، فعرف أنه عيص فقال له: يابنى قد سبقك أخوك، فحلف عيص ليقتلن يعقوب، فقال له سيدنا إسحاق: يابنى قد بقيت لك دعوة، فدعا أن تكون ذريته عدد الرمل والحصى وأن لا يملكهم غيرهم، فكان من نسله بنو الأصفر، وكان فى قلب العيص من أخيه شئ، فخافت أمه عليه وقالت ليعقوب: إذهب إلى منزل خالك بأرض نجران، واترك لأخيك أرض كنعان، فإنى أخشى عليك منه، وهرب يعقوب خوفاً من أخيه وكان يسرى بالليل ويكمن بالنهار ولذلك سمى إسرائيل، فخرج يعقوب من عندهم من آخر ذلك اليوم، فأدركه المساء فى موضع فنام فيه، وأخذ حجرا فوضعه تحت رأسه ونام، فرأى في نومه ذلك معراجا منصوبا من السماء إلى لارض، وإذا الملائكة يصعدون فيه وينزلون، والرب تبارك وتعالى خاطبه، وقال له: إنى سأبارك عليك وأكثر ذريتك، وأجعل لك هذه الارض ولعقبك من بعدك. فلما هب من نومه فرح بما رأى، ونذر لله لئمن رجع إلى أهله سالما ليبنين فى هذا الموضع معبدا لله وأن جميع ما يرزقه من شئ يكون لله عشره. ثم عمد إلى ذلك الحجر فجعل عليه دهنا يتعرفه به، وسمى ذلك الموضع "بيت إيل" أى بيت الله. وهو موضع بيت المقدس اليوم الذى بناه يعقوب بعد ذلك. قالوا: فلما قدم يعقوب على خاله أرض حران، إذا له ابنتان: الكبرى "ليا" والصغرى "راحيل" وكانت أحسنهما وأجملهما فطلبها من أبيها، فزوجه الكبرى لأنه لا يزوج الصغرى حتى تتزوج الكبرى، وذلك على شرط أن يرعى على غنمه سبع سنين. وقد تزوجها سيدنا يعقوب فولدت له ستة من أبنائه هم روبيل وهو أكبر أولاده، وشمعون ولاوى ويهوذا وزبالون ولشحر أو يشحر وولدت بنتا سمتها "دينار"، ثم تزوج أختها الصغرى راحيل على أن يرعى له سبع سنين أخرى فولدت له يوسف وبنيامين، وولد له من سريتين أربعة نفر هم دان ونفتالى وجاد وأشر، فصار أبنائه اثنا عشر رجلاً هم الأسباط الذين ذكروا فى قوله تعالى ﴿قُولُوا آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ... ﴾ صدق الله العظيم. البقرة: 136.

أحمد نور الدين عباس