يحاول بعض الناس إما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

 

 

هل تنفع الأنساب يوم القيامة؟

 

هل تنفع الأنساب يوم القيامة؟ ألم يقل المولى تبارك وتعالى ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ المؤمنون 101، فكيف ينفعك نسبك لغيرك؟ هل يعقل هذا؟ وهل ينفع أحد إلا الله؟

ونقول وبالله التوفيق: من الواجب على كل مسلم ألا يأخذ بظاهر الآيات ولا يقل برأيه فيها عملاً بسُنّة الحبيب المصطفى القائل فى الحديث الشريف (من قالَ فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعدَه من النار) قاله ابن كثير فى مقدمة تفسيره وذكره برواية أخرى (من قال فى القرآن برأيه فقد أخطأ) وقاله الطبرى فى تفسيره أيضاً وذكره برواية أخرى وهى (من قال فى القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ) وذكره الترمذى أيضاً بنفس الرواية وأبو داود وابن جرير والبيهقى وذكره القرطبى أيضاً فى تفسيره برواية (من قال فى القران برأيه فأصاب فقد اخطأ) وذكره النسائى فى السنن الكبرى برواية (من قال فى القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار) أعاذنا الله من هذا كله وهيأنا للتلقى والأخذ عما أجمع عليه أئمة السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين فهيا بنا نذعن إلى كلام الحق ونتعرف على معنى الآية من تفسير ابن عجيبه والذى دائماً ينقل لنا كلام السلف الصالح والأئمة المعتمدين يقول فى الإشارة: قال الترمذى الحكيم: الأنساب كلها منقطعة إلا من كانت نسبته صحيحة فى عبودية ربه، فإن تلك نسبة لا تنقطع أبداً، وتلك النسبة المفتخر بها، لا نسبة الأجناس من الآباء والأمهات والأولاد. هـ. وقال الورتجبى: عند المعاينة والمشاهدة بوجوده ونشر جوده، نسبهم هناك نسب المعرفة والمحبة الأزلية، واصطفائيته القدسية، لا يفتخرون بشىء دونه، من العرش إلى الثرى، ولا يتساءلون؛ شغلاً بما هم فيه. هـ.

ومعنى كلام الشيخين: أن العبد، إذا صحت نسبته إلى مولاه، وانقطع بكليته إليه، ورفض كل ما سواه، اتصلت نسبته، ودامت محبته وأنسه، ومن تعلق بغيره، وتودد إلى سواه، انقطع ذلك وانفصل، ومن النسب التى تتصل وتدوم، النسبة إلى أولياء الله، والتحبب إليهم وخدمتهم، وهى فى الحقيقة من نسبة الله تعالى؛ لأنها سبب معرفته والتحقق بعبوديته، فهى عينها، فمن انتسب إليهم فقد انتسب إلى الله، ومن أحبهم فإنما أحب الله، فمحبتهم، والاجتماع معهم يؤدى إلى محبة الله ورضوانه، وهم الذين يكونون عن يمين الرحمن، يغشى نورُهُم الناس يوم القيامة، يغبطهم النبيون والشهداء؛ لمنزلتهم عند الله. قال لما سئل عنهم (هم رجال من قبائل شتى، يجتمعون على ذكر الله ومحبته) أو كما قال كما فى الحديث.

وننوّه هنا إلى أهمية حديث الحبيب صلوات ربى وسلامه عليه حيث أن المولى تبارك وتعالى قد حرم الميتة والدم وترك للحبيب المصطفى أن يحلّ لنا ميتتان ودمان فقال (حلت لنا ميتتان ودمان، الميتتان الحوت والجراد والدمان -أحسبه قال- الكبد والطحال) فانظر الى قوة الحديث النبوى حيث نسخ من الآية ميتتان ودمان, وهوالقائل (يَنْقَطِعُ كُلُّ نَسَبٍ إِلاَّ نَسَبِى وَسَبَبِى وَصِهْرِى). رواه البيهقى فى سننه. فلا غرابة فى أن ينسخ من ذلك ما ورد فى رواية أخرى للإمام السيوطى تقول (كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة الا نسبى وصهرى) فقد استثنى سيد المرسلين نسبه من الأنساب يوم القيامة فعلام الاستغراب فى هذا؟ أليس هو الذى استثنى الميتتان والدمان؟

ونسمع آخر يقول: ألم يقل المصطفى (يا فاطمة بنت رسول الله إعملى لله خيراً فإنى لا أغنى عنك من الله شيئاً يوم القيامة؟) الحديث، ونحن نقول له: عندما أنزل المولى تبارك وتعالى ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ الشعراء 214، دعا الحبيب المصطفى قريشاً فاجتمعوا، فعم وخص وطلب منهم أن ينقذوا أنفسهم من النار، إلى أن قال (يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبدالمطلب، يا بنى عبدالمطلب، لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها) أى سأصلها بصلتها. وكالحديث الذى رواه أبو الشيخ (يا بنى هاشم لا يأتين الناس يوم القيامة بالآخرة يحملونها على ظهورهم، وتأتون بالدنيا على ظهوركم، لا أغنى عنكم من الله شيئاً).

فهذا لا ينافى نفع الانتساب إليه وإنما يحث أهل بيته على خشية الله تعالى وطاعته، وأن القرب إليه يوم القيامة إنما هو بالتقوى، وأنه لا يغنى عنهم من الله شيئاً ووجه عدم المنافاة كما قاله المحب الطبرى، أنه لا يملك لأحد شيئاً لا نفعاً ولا ضراً، لكن الله عز وجل يُمَلِّكُهُ نفع أقاربه، بل وجميع أمته بالشفاعة العامة والخاصة، فهو لا يملك إلا ما يُمَلّكه له مولاه كما أشار إليه بقوله (غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها) وكذا معنى قوله (لا أغنى عنكم من الله شيئاً). أى بمجرد نفسى من غير ما يكرمنى به الله، من نحو شفاعة، أو مغفرة، وخاطبهم بذلك رعاية لمقام التخويف والحث على العمل، والحرص على أن يكونوا أولى الناس حظاً فى تقوى الله وخشيته, وقيل هذا قبل علمه بنفع الانتساب إليه، وبأنه يشفع فى إدخال قوم الجنة بغير حساب، ورفع درجات آخرين، وإخراج آخرين من النار.

وقد روى فى قوله تعالى ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾ الكهف 82، أن الأب الذى حفظا من أجله كرامة له كان سابعاً أو تاسعاً.

وأيضاً الغلام الذى كان سيُكفّر أبواه عندما يكبر ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ الكهف 80، فإكراماً لأبواه المؤمنين قتله العبد الصالح رحمة بهم جميعاً.

فما ظنك بذرية سيد الخلق أجمعين ورحمة الله المهداه للعالمين فقد ورد فى جمع الجوامع للسيوطى جزء 41 صفحة 342 عنه أنه قال (سألت ربى أن لا يدخل أحداً من أهل بيتى النار فأعطانيها) أبو القاسم بن بشران فى أماليه عن عمران بن حصين، ﴿رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ هود 73، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا الأحزاب 33.

اللهم ارحمنا برحمتهم وباركنا ببركاتهم وطهرنا بطهارتهم ... آمين.

وإلى لقاء آخر بإذن الله تعالى. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

محمد مقبول

 

 

 

 

لا أغنى عنك من الله شيئا!

 

إذا كان المصطفى يقول هذا لأهله وسيدنا أبو بكر يقول "لا آمن مكر ربى ولو إحدى قدماى فى الجنة. فهل ينفعون أحدا إن لم ينفعوا أنفسهم؟ إذا كان عمل المؤمن نفسه لا ينفعه ولا يستطيع أن يضمن لنفسه الجنة حتى آخر يوم فى حياته!

الأمر يتعلق بمكر الله حيث قال ﴿أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ الأعراف 99.

ومن هنا قال بعد أن نزلت الآية ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ الشعراء 26: 214؛ يخاطب فاطمة حبيبته والتى قال فيها (فاطمة بضعة منى من أكرمها فقد أكرمنى، ومن أبغضها فقد أبغضنى)؛ قال لها: (يا فاطمة بنت محمد) - لو أنه قال يا فاطمة لكفى ولكنه يقول – (يا فاطمة بنت محمد) - يعنى أبوك محمد أنا – (لا أغنى عنك من الله شيئاً، يا عباس عم رسول الله، أنا لا أغنى عنك من الله شيئاً، لا يأتينى الناس بأعمالهم وتأتونى بأنسابكم، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه) يعنى كل إنسان وحده محاسب عن أعماله كلها، ولا يتحمل إنسان حمل آخر.

بل فى الحديث الذى يروىه ابو هريرة انه قال سمعت رسول الله قال (لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ) قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ (لَا، وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِى اللهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَلَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ؛ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ) أخرجه البخارى ومسلم.

و من هنا فإذا أخذت هذه الأحاديث على السياق البسيط فمعناه لا حضرة النبى ضمن الجنة ولا سيدنا أبو بكر أول من أسلم ومن نزل فيه القرآن فى أكثر من موطن وخليفة رسول الله بعد وفاته.

ولكن ماذا نقول فى الحديث: عن النبى أنه قال (أبو بكر فى الجنة، وعمر فى الجنة، وعثمان فى الجنة، وعلى فى الجنة، وطلحة فى الجنة، والزبير فى الجنة، وعبد الرحمن بن عوف فى الجنة، وسعد بن أبى وقاص فى الجنة، وسعيد بن زيد فى الجنة وأبو عبيدة بن الجراح فى الجنة) رواه الترمذى فى سننه عن عبد الرحمن بن عوف.

هل يكذب رسول الله ؟ حاشا ومن ظن ذلك فقد كفر.

بل الأمر أبعد من ذلك إذ يقو تعالى ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ التوبة 105. أى أن النبى مطلع على أعمال المؤمنين أيضا.

فمن يكون أولئك المومنون, إن لم يكن سيدنا أبوبكر منهم؟

ولعلك تعلم قول الإمام فخر الدين :

فكن يا مريدى للكــرام مقلدا    فليس أمان فى جناح البعوضة

إذن الإشارة هنا إلى طلب العمل والاجتهاد فى الدنيا وليس عدم النفع. وما يراد هنا هو أن يظل المؤمن مستقيماً على عمل الخيرات والطاعة حتى إذا ما مات مات على حسن الخاتمة. فقد صح عن سيدنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله (إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله) قالوا: كيف يستعمله؟ قال: (يوفقه لعمل صالح قبل موته) رواه الإمام أحمد والترمذى وصححه الحاكم فى المستدرك.

عبد الحميد بابكر