والقديم يعاد

 

أُشْهِدْتُ رَكْبَ الْمُرْدِفِينَ إِلَيْكُمُ     أَعْنَاقُ أَهْلِ الشِّقْوَتَيْنِ حَصَادُ  (46/7)

إِلَى الْقُرْآنِ رُدُّوا كُلَّ قَوْلٍ: لكى نفهم الموضوع نستعرض بعض الآيات قبل الآية التى نحن بصددها والتى يشير إليها البيت المراد الفهم عنه، والآيات هى:

 بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ • إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ • الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ • أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ • كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ • يُجَادِلُونَكَ فِى الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إلى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ • وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ • لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ الأنفال 1: 8، موضوع الآيات خاص بأهل بدر حينما اختلفوا فى قسمة الغنائم فمنهم من قال أنها للمهاجرين لفقرهم ومنهم من قال للأنصار لنصرهم ومنهم من قال للاثنين معاً، فقال سبحانه وتعالى لله وللرسول أى أمرهما إلى الله ورسوله، يقسمها رسول الله حيث يأمره الله تعالى. وامتثال الأمر ينهى الخلاف الذى يفرق الأمة ثم قال تعالى ﴿فَاتَّقُوا اللهَ أى فى المشاجرة والاختلاف ﴿وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ بالمواساة والمواددة وسلامة الصدور ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ فيما يأمركم به وحتى لا نطيل عليكم فالموضوع ينحصر فى الطاعة واصلاح ذات البين ونبذ الخلافات والخروج للجهاد الموصوف بذات الشوكة والتى تكرهها النفس إذا استدعى الأمر. فإن الله يريد كشف الحق وهو الدين ويبطل الباطل وهو الكفر، ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ الأنفال 9، حينما وجدتم قلة عددكم أمام العدو فدعوتم ربكم بالغوث والنصر فاستجاب لكم فأمدكم وقواكم وكثركم بألف من الملائكة مردفين متتابعين يتبع بعضهم بعضاً وما كانت إلا بشرى ولتطمئن قلوب المؤمنين وتحصد أعناق أهل شقاء الدنيا والآخرة. وفى ذلك يقول من سمعه سمع الله وبصره بصر الله ... الخ "الحديث"

أُشْهِدْتُ رَكْبَ الْمُرْدِفِينَ إِلَيْكُمُ     أَعْنَاقُ أَهْلِ الشِّقْوَتَيْنِ حَصَادُ  (46/7)

ونقول لا عجب فى ذلك أن يرى بعين الله غزوة بدر الكبرى وما حدث فيها ولكن العجيب أن يأتى فى البيت التالى له ويقول:

الرَّبُّ أَوْحَى لِلْمَلَائِكِ ثَبِّتُوا    إِنِّى سَأُلْقِى وَالْقَدِيمُ يُعَادُ (46/8)

وهنا وقفة تأمُّلٍ فى معنى والقديم يعادُ فالرب تعالى قد قال فى كتابه العزيز ﴿إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إلى الْمَلَائِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ الأنفال 12، فالبعض قد يقول أن القديم الذى يعاد هو ما حدث من نصرة الله لأنبيائه والبعض يتمنى لو كان من أهل بدر ونقول للاثنان هذه سنة الله فى خلقه فالاختبارات مازالت موجودة وبعد أن ختم الله الرسل والأنبياء ببعثة سيدنا محمد لم ينقطع اتصال السماء بالأرض فالمولى تبارك وتعالى (يبعث على رأس كل مائة سنة للأمة من يجدد لها دينها) "حديث" قد قاله الحبيب فمن أراد أن يكون من أهل بدر فليبادر ربه بالطاعة ونبذ الخلاف وبث روح المودة بين المسلمين وإصلاح ذات بينهم ونقول للجميع أن القديم يعاد مع كل من بعثه الله لهداية الناس فإن تولوا وأبوا وهموا بمحاربة المهتدين فالقديم يعاد وإلا فما فائدة تذكير القرآن والأئمة لنا؟ ومما يؤكد ما قلناه البيت التالى للبيت السابق وهو:

إِنْ جَاءَنِى زَحْفٌ لَوَلَّى مُدْبِرًا   مُتَحَرِّفًا لِيَكِيدَنِى فَيُكَادُ (46/9)

لأنه وارث نبوى وممن قال المصطفى عنه (على رأس كل مائة سنه يبعث الله للأمة من يجدد لها دينها). والقائل أيضاً (عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدى، عضو عليها بالنواجز).  فهو يمثل المصطفى فى زمنه ونائباً عنه وخليفته، لذلك يقول :

وَرَثْنَا عَنْهُ حَتَّى مَا رَمَوْهُ    لِذَلِكَ مَنْ كَفَاهُ فَقَدْ كَفَانَا (89/17)

فما هى المعركة الآن؟ معاداة للأولياء بدلاً من مودتهم، يريدون هدم أضرحة أهل البيت، يرمون زائر الأولياء بالشرك، وبذلك فهم يمزقون نسيج الأمة ويضعفونها. والمصطفى وورثته يريدون الوحدة والألفة والمحبة والمودة التى فرضها المولى تبارك وتعالى فى كتابه العزيز. فقال :

إِنْ جَاءَنِى زَحْفٌ لَوَلَّى مُدْبِرًا   مُتَحَرِّفًا لِيَكِيدَنِى فَيُكَادُ (46/9)

أى أن كل من جاء زاحفاً يريد الفرقة والعداوة والبغضاء بين المسلمين، يريد أن ينال من الحق فالمعركة فى كل عصر كانت وماتزال بين الحق والباطل وأن الحق فى كل عصر ما هو إلا نبى أو ولى وأن الباطل ماهو إلا إبليس وأعوانه من البشر فكل من جاء زاحفاً ضد الحق يريد الباطل لولى مدبراً ولن ينال مراده فإذا تحرف ليكيد الحق فلا يكيدن إلا نفسه وفى ذلك المعنى يقول المولى تبارك وتعالى ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ الطور 42، ثم يقول الامام والمعلم فى البيت التالى:

إِلَّا الْمَوَدَّةَ مَا سَأَلْنَا حِبَّنَا    إِنَّ الْمَوَدَّةَ رِفْعَةٌ وَرَشَادُ (46/10)

فالمعركة بين الجفاء والمودة، إبليس يريد الجفاء والفرقة والتكفير والإمام الوارث يريد المودة والمحبة والألفة والتاريخ يتكرر ويعيد نفسه فأهل بدر كانوا قلة فى مواجهة الباطل واليوم أهل الانكار كثرة وأهل الإيمان قلة ولكن الله الذى أرسل الملائكة تحارب أهل الباطل وتثبت الصحابة قادر على أن ينصر المؤمنين على أهل الإنكار الفرحين بكثرتهم فى زماننا هذا فإن المودة هى الرفعة والرشاد فيها الاعتصام بحبل الله ، فيها التآلف بين القلوب، فيها الأخوة، فيها النجاة من النار، وإن شئت فاقرأ موضوع المودة فى الأعداد السابقة وبادر بتنفيذ ماسألك فيه إمام عصرك وهى المودة فتسعد وتكون من أهل بدر هذا الزمان جعلنا الله تعالى منهم ومنحنا الاضافة إلى أهل بيت الحبيب المصطفى نستودعكم الله إلى العدد القادم إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

محمد مقبول