كان .. ما .. كان

من أولى العزم من الرسل: نبى الله نوح 2

 

هو صاحب رتبة الخوف من الله تعالى، والدليل على ذلك هو طلبه من أمته الاستغفار ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا • يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا • وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ نوح 71: 10-12.

والاستغفار يقصد به التوبة وطلب الصفح والسماح من الله تعالى، ولأجل خوفه ربنا أنعم عليه بالعظمة. أصل العظمة بتيجى من الخوف، قال تعالى ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ السجدة 32: 16، طبعًا الخوف من الخالق مش من المخلوق، فكلما اشتد خوفك من الله تعالى زادك عظمة فى عيون كل مخلوق من حولك، وعنه أنه قال: (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن فى الضرع ولا يجتمع غبار فى سبيل الله ودخان جهنم) رواه الترمذى فى سننه والبيهقى فى شعب الإيمان والإمام أحمد فى مسنده، وروى البزار فى مسنده عنه أنه قال: (إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله، تحاتت عنه خطاياه كما تحات عن الشجرة البالية ورقها).

لما ربنا قال لسيدنا نوح اعمل السفينة وعملها وحمل فيها من كل زوجين اثنين وركب معاه من المؤمنين أربعة رجال ثلاث منهم لهم بنات ثلاث كانوا معهم أما الرابع فلم تكن له ذرية، سيدنا نوح كان له أربعة أبناء، ركب معاه منهم ثلاثة أما الرابع وزوجته أليسه رفضا الركوب معه، أولاد سيدنا نوح كانت أسماؤهم سام، حام، يافث، كنعان والأخير هو الذى رفض يركب السفينة، لما قال له سيدنا نوح اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، فرد عليه قائلا: سأوى إلى الجبل يعصمنى من الماء، فرد عليه سيدنا نوح لا عاصم اليوم من أمر الله، اشتد ارتفاع الأمواج وانفتحت السماء كالقرب. شعر سيدنا نوح بالأسى لما رأى ابنه يصارع الأمواج، وسأل ربه قائلا ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ هود 11: 45. ربنا قال له ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ هود 11: 46.

فيه ناس قالت فى تفسير الآية إنه ليس ابنه من صلبه، ولكن هو ابن زوجته وتربى فى كنفه فصار أبوه بالتربية، وقال البعض انه ابن سفاح لقوله إنه عمل غير صالح ومنهم من استند إلى الآية التى تشير إلى أن امرأة نوح وامرأة لوط خانتهما، ونسوا أن السفاح لا يحدث فى بيت الأنبياء، والخيانة التى حدثت ما هى إلا خيانة فى الدين، لا فى العرض ولا الشرف، أى لما عرض عليهما الإيمان بهما رفضا وأصرا على ما هما عليه من دين آباءهما وقومهما. أما قوله إنه عمل غير صالح يعنى رفضه ركوب السفينة، هذا الرفض هو العمل الغير صالح. لماذا؟ لأن شرط الإلحاق بأبوه أن يكون قوى الإيمان، إيمانه زى إيمان أبوه وإن كان عمله قليل، كما قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَىْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ الطور 52: 21.

لما سيدنا نوح رأى السماء مفتوحة كالقرب تصب الماء صبًا، والأرض تفجرت ينابيع والمركب الأمواج تلعب بها كالريشة فى الهواء والماء يكاد أن يغمرها، توسل إلى ربه بسيدنا النبى ، ربنا بعث إليه سيدنا جبريل بأربع دسر من الخشب فى كل دسر مكتوب حرف (ع)، سيدنا نوح وضع اثنين فى المقدمة واثنين فى آخر المركب، الميه توقفت عن النزول داخل المركب وصارت تسيل حولها وتوقف تلاعبها كالريشة أى ثبتت، سيدنا نوح سُر من ذلك ولكن كانت هناك مشكلة تؤرقه ولا يعرف لها حل، ألا وهى أوساخ البهائم التى أصبحت تملأ السفينة، فتوسل ثانية إلى الله فأمره أن يدوس ذنب الفيلين فداسهما فنزل منهما اثنين من الخنازير فأكلا أوساخ البهائم، ففرح سيدنا نوح بذلك.

روى أن سيدنا نوح أراد أن يعرف هل انحسرت المياة عن الأرض أم لا، فأرسل الغراب كى يكتشف الأمر، واثناء طيران الغراب وجد جيفة فهبط عليها وانشغل بأكلها وتأخر عن سيدنا نوح أيام، فغضب سيدنا نوح ودعا عليه فصار يمشى وفى رأسه الرعونة لا يستقر بمكان واحد، وقال سيدنا نوح لبقية الطيور من منكم يأتينى بخبر الماء ولا يفعل كفعل الغراب؟ فقالت الحمامة أنا آتيك بخبر الماء يا نبى الله، فطارت وغابت ساعة ثم رجعت وفى فمها ورقة خضراء، فلما رآها سيدنا نوح قال هذه ورقة من أوراق الزيتون، فعلم أن الماء لم ينكشف بعد، وبعد مدة يسيرة أرسل الحمامة مرة أخرى، فغابت ساعة ثم عادت ورجلاها مخضبتان بحمرة، وسبب ذلك أن أول ما انكشف عن الأرض مكان الكعبة، فصارت ربوة حمراء فوقفت عليها الحمامة فتخضبت رجلاها من ذلك الطين الأحمر وتطوقت، فدعا لها سيدنا نوح وقال: اللهم اجعل الحمام أبرك الطيور وأكثر من نسله وحببه للناس، ولما جفت الأرض ونبتت فيها الأعشاب، أمر الله تعالى سيدنا نوح أن يطلق ما كان على السفينة من طيور.

سيدنا نوح لما هبطوا من السفينة إلى الأرض أمر أولاده أن يتزوج كل واحد منهم بنت من بنات الرجال الثلاث ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ الصافات 37: 77.

من هنا جاء تسميته بأبو البشر الثانى، وليس كما قيل أن أبناء سيدنا نوح ثمانون، فهو النبى الوحيد الذى ليس له قوم، غرقوا كلهم ما عدا أولاده الثلاث والأربعة رجال والبنات الثلاث.

أحمد نور الدين عباس

 

الدراويش

سُئل الإمام فخر الدين: هناك بعض الناس يقولون لنا ‘بطلوا الدروشة دى’ يظنون أن الدروشة شيئ معيب!

فقال الإمام: الدروشة أفضل مما هم عليه، وباطن قلة أدب الدراويش أفضل من ظاهر أدبهم، فالدرويش يرقص ويعبط ويبكى ويطبل ويعمل، ولكن ... جاء رجل مقطع الملابس ولكنه من الذاكرين تماما لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ولكن ملابسه مشرطة، جلس بجانبه وسأله أسئلة ثم ذهب، وبعد ذلك جاء رجل نظيف تماما، وراكب بغل ولابس نظيف ومتزين، وسأل النبى أيضا سؤالين أو ثلاثة ثم ذهب، فالصحابة لم يظهروا احتراما للأول، ولكنهم قاموا وسلموا على التانى لما جاء، فالنبى  قال لهم: (ما رأيكم فى هذا وذاك؟) قالوا: يا رسول الله هذا إذا طلب منا قرضا نقرضه، إذا طلب ضيافة لدينا ضيفناه، إذا طلب أن يتزوج منا زوجناه، مهما طلب أعطيناه. قال لهم: (وما رأيكم فى الآخر؟) - صاحب الملابس المشرطة. قالوا له: إذا طلب ضيافة أرشدناه إلى المسجد، إذا طلب أن يتزوج منا لم نزوجه، إذا طلب أن يفعل شيئا لم نعطه. قال لهم: (أتعلمون ما مقدار هذا وذاك عند الله؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال لهم: (ذاك - صاحب الملابس المشرطة - خير من ملء الأرض من هذا).

سألوا الإمام: ما اصل كلمة درويش؟

فقال: فيه جزيرة فى الهند اسمها ويش، الجواهر اللى بيطلعوه منها جواهر ثمينة اسمها ‘الوشن’، ومعنى درويش هو ‘دُر’ من جزيرة ‘ويش’، الجواهر الخاصة بجزيرة ويش، الدرر ... الجواهر.

السائل: فى مصر الناس يقولون أن درويش من ‘دَار وِشّْه’ يعنى دار وشه - وجهه - عن الخلق إلى الله.

فقال الإمام: لا يستطيع أحد أن يستغنى عن الخلق، لو خرجنا من المدينة مثلا وذهبنا للخلاء، أليس خلق الله أيضا؟ طبعاً، لو رحنا الجبل، أليس خلق الله؟ كله خلق الله، فكيف يدير وجهه عن الخلق؟ لا يمكن، الشاطر هو من يسد قلبه عن الخواطر.

فانظر كيف أن المخبر هو المهم لا المظهر، ولكن الناس يحكمون على غيرهم بفقرهم أو غناهم، فيكون الفقير أقل شرفا، والغنى أعلى, وبالتالى أصبح الناس يشترون مكانتهم عند الناس بالمال، بغض النظر حتى عن مصدره، والحاصل أن المؤمن لا يجب أن يحكم على غيره بمظهره ولكن بجوهره، وكما قال المصطفى : (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). مسلم والبيهقى وابن حبان والسيوطى ومتفق عليه.

سيد حسينى