الصدق والصداقة 

  ليس من الضرورى أن يكون لديك الكثير من الصديقات، لكن من المهم جدا أن تكون علاقاتك وصداقاتك بها نوع من الصدق والوفاء والصفا، بمعنى أن تقوم هذه الصداقة لا لشىئ سوى المحبة والمودة وصفا النفوس، كذلك تكون اجمل اذا كانت هذه الصداقة خالية من المصالح المشتركة او المطامع، فاذا حدث هذا حتى ولو مع نفر قليل، فتاكد ان اللقاء بينكم سيكون له طعم خاص.

وانت فى تلك اللحظات تتمنين ألا تنقضى، وتجدين الوقت فيها يمر مسرعا وذلك لان الحديث فيها يسرى من القلب للقلب وفيه صدق واقوال واقعية، وذلك لانها شخصية مقربة لديك تقصدينها من باب الشكوى أوالترويح عن النفس، لتجدى عندها الاستشارة، تذهبين إليها وانت مثقلة بالهموم فتعودين منها فرحة، منشرحة النفس والبال.

ومن خلال هذه الصديقة الصدوقة تجدين النصيحة الغالية التى اصبحت من الاشياء النادرة، كذلك اذا المت بك الخطب فستجدينها بالقرب منك تقدم لك يد العون باكثر مما تتوقعين، لأن ذلك من شيم وفاء الصداقة.

وحتى تحافظين انت على هذه العلاقة الصادقة وتأتى اكلها بالوجه الذى تريدنه، فهناك بعض الاشياء التى يجب أن تتبعيها منذ نشأة هذه العلاقة، ومن أهم هذه الاشياء أن لا تطلقى على هذه الشخصية صفة الصديقة الوفية إلا بعد الاقتراب منها ومصادقتها لفترة ليست بالقصيرة والتأكد من اخلاقها وسلوكياتها، كذلك لا تكتثرى من العتاب وإن قدمتى لها هدية، مثلا، فلا ترجى منها ان تعاملك باالمثل، بل أجعليها خالصة لله تعالى ولا تلحى عليها بأن تأتى الى زيارتك لأنك كنت آخر من زرتيها، بل اجعلى من زيارتك لها فى الوقت الذى تشتاق إليه.

الصداقة شيئ عظيم، وهى مشتقة من الصدق والصديقة من صدقتك قولا وفعلا وإلا فعلى الصداقة السلام، كما قال الإمام الشافعى :

اذا لم يكن صفو الوداد  طبيعة      فلا خير  فى  ود   يأتيك  تكلفا

ولا خير فى خل  يخون  خليله        ويلقاه  من بعد  المودة  بالجفا

وينكر عيشا قد  تقادم  عهده     ويظهر  سرا  كان  بالامس قد خفا

سلام على الدنيا اذا لم يكن بها   صديق صدوق صادق الوعد منصفا

هدى عبد الماجد- السودان

 

التعلم من الصغر 2

أختى الأم وأخى الأب: أن تعاليم ديننا الحنيف حضت على اللإسراع بتربية أبناءنا منذ ولادتهم، وهذا استكمال ما بدأناه فى العدد السابق

عن على بن أبى طالب قال: قال رسول الله : (أدبوا أولادكم على خصال ثلاث: على حب نبيكم، وحب أهل بيته، وعلى قراءة القرآن، فإن حملة القرآن فى ظل الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه). أخرجه الديلمى والسيوطى والشيرازى فى فوائده وابن النجار.

ومن كتاب فيض القدير فى شرح هذا الحديث:

 (أدبوا) خطابا للآباء والأجداد ويلحق بهم كل كافل ليتيم (أولادكم) أى دربوهم لينشأوا ويستمروا (على) ملازمة خصال (ثلاث) وخصها لأنها أهم ما يجب تعليمه للطفل (خصال) قالوا: وما هى. قال: (حب نبيكم) المحبة الإيمانية الطيبة لأنها غير اختيارية وهذا واجب لأن محبته تبعث على امتثال ما جاء به قال السمعانى: يجب على الآباء تعليم أولادهم أن النبى بعث بمكة إلى كافة الثقلين ودفن فى المدينة وأنه واجب الطاعة والمحبة. وقال ابن القيم: يجب أن يكون أول ما يقرع سمعهم معرفة الله تعالى وتوحيده وأنه يسمع كلامهم وأنه معهم حيث ما كانوا وكذلك كان بنو إسرائيل يفعلون ولهذا كان أحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن بحيث إذا عقل الطفل ووعى علم أنه عبد الله ثم يعرفه بالنبى وبوجوب محبته (وحب أهل بيته) على وفاطمة وبنيهما أو مؤمنو بنى هاشم والمطلب (وقراءة القرآن) أى تلاوته ومدارسته وحفظه (فإن حملة القرآن) أى حفظته عن ظهر قلب المداومين لتلاوته العاملين بأحكامه يكونون (فى ظل الله) أى فى ظل عرشه كما صرح به فى رواية أخرى (يوم لا ظل إلا ظله) أى يوم القيامة إذا دنت الشمس من الرؤوس واشتد عليهم حرها وقد يراد به ظل الجنة وهو نعيمها والكون فيها كما قال الله تعالى ﴿وندخلهم ظلا ظليلا﴾ وقيل: المراد بالظل الكرامة والكنف والأمن من المكاره فى ذلك الموقف (مع أنبيائه وأصفيائه) أى يكونون فى حزبه الذين اختارهم من خلقه وارتضاهم لجواره وقربه ومعنى كونه معهم أنه يكون رفيقا لهم هناك لاتصافهم بصفته من حمل كتابه ... وفيه وجوب تأديب الأولاد وأنه حق لازم وكما أن للأب على ابنه حقا فللإبن على أبيه كذلك بل وصية الله تعالى للآباء أبنائهم سابقة فى التنزيل على وصية الأولاد بآبائهم فمن أهمل تعليم ولده وليدا ما ينفعه فقد أساء إليه وأكثر عقوق الأولاد آخرا بسبب الاهمال أولا ومن ثم قال بعضهم لأبيه: أضعتنى وليدا فأضعتك شيخا.

وعلى الأب أن يؤدب أولاده الذكور والإناث ولا يكل تأديب البنات إلى أمهن بالكلية، لا سيما إن كان أعلم بالأدب من الأم وهذا باب قد أغفله غالب الناس حتى صار الولد يجلس يلغو بين الرجال الأكابر ويمزح ولا شك أن الأب المسؤول عن ذلك فعليه الأمر لولده بالخير وتقوى الله تعالى، وقد كان الناس يؤدبون أولادهم ليلا ونهارا ولا يكتفون بالفقيه أو المعلم فإن قلب الأجنبى على الولد ليس كقلب الوالد.

فأدب يا أخى وأدبى يا أختى ولدك ولا تغفلا عنه وعلماه كيف يتلقى الناس الواردين عليه من الفقراء والعلماء والأمراء والمشايخ وغيرهم وإن ينزل الناس منازلهم وعلماه آداب الضيافة ومكافأة الناس على هداياهم وعدم ادخار شيئ عن الضيف وعدم تكلفه له وأخبراه بأن من تكلف للضيف سوف يهرب ولو بعد حين، وأمراه بإجلال جماعة والديه وبمحبتهم والإحسان إليهم وإيثارهم على نفسه فى المأكل والهدايا وغير ذلك، وأمراه باكتساب الفضائل ليلا ونهارا والإيثار على نفسه وتحمل الأذى من جميع الخلق، حتى يصير يهرب من الناس فيتبعونه فإن كل من احتاج إلى جلب الناس بالإحسان فأمره مفتعل وليس هذا من شأن الفقراء، إنما ذلك من شأن أبناء الدنيا ومن خالف من الأبناء وعادى أصحاب والداه فإن ذلك يدخل فى عقوق الوالدين، ولو أنهم أجلوا أصحاب والديهم لتعلموا منهم وكملوهم بالأدب الذى أخذوه عن مشايخهم.

وبالجملة فالكمال فى الشخص إنما يكون بمراعاة معرفة الشرع والعرف والعمل بهما والسلام.

سامية السعيد