تعظيم الشيخ عند الصوفية

 يتجنى البعض على الصوفية عندما يعظمون مشايخهم قائلين أن هذا ليس من الدين فى شئ وهذا ابتداع فى دين الله ويعتبرونهم أهل بدعة، وإحقاقاً للحق وإنصافاً لدين الله عز وجل نقول لهم قبل أن تحكموا على أهل التصوف بالابتداع اسمعوا لقول الله عز وجل فى سورة الحج الآية 32 ﴿ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾، ﴿والبدن جعلناها لكم من شعائر الله﴾.

وشعائر الله هى معالم دينه تبارك وتعالى وجعل سبحانه وتعالى، والبدن من شعائر الله وهى جمع بدنه وسميت بذلك لعظم بدنها ومنها الإبل والبقر والغنم، وسر التعظيم أن العبد يتقرب بها إلى الله تعالى، ويقول ساداتنا أهل الله الصالحين فى هذا الشأن: أعظم شعائر الله التى يجب تعظيمها أولياء الله الدالين على الله، ثم الفقراء المتوجهين إلى الله ’أى المريدين‘، ثم العلماء المعلمون أحكام الله ’أى علماء الشريعة‘، ثم الصالحون المنتسبون إلى الله،ثم عامة المؤمنون الذين هم من جملة عباد الله، ويجب تعظيم من نصبه الله لقيام خطة من الخطط لإصلاح العباد كالسلاطين ولو لم يعدلوا والقضاة والقواد، والمقدمين لأمور عامة، فتعظيم هؤلاء كله من تقوى القلوب، ويدخل فى ذلك الأماكن المعظمة، كالمساجد والزوايا، وأما الفقير ’أى المريد‘ فيعظم كل ما خلق الله حتى الكلاب، ويتأدب مع كل مخلوق.

فمن ظن أنه أفضل من الكلب فربما كان الكلب أفضل منه لأنه سوف يكون تراباً يوم القيامة، وفى هذا الوقت يقول الكافر ﴿ياليتنى كنت تراباً﴾ هروباً من العذاب الأليم.

وقد أتى فى فقه الشريعة أنه من السنة الوضوء والتطهر قبل مس المصحف الشريف بل ما هو أكثر من ذلك فإن كان المصحف على منضده وأردنا تحريك المنضده من مكانها وعليها المصحف فالوضوء قبل تحريك المنضده من السنة وذلك تعظيماً لكلام الله عز وجل، هذا هو الثابت لنا فى السنة النبوية المطهرة.

فكيف نعظم من قال المولى تبارك وتعالى فى حقهم فى سورة العنكبوت ﴿وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون0 بل هو آيات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون﴾ قالحق تبارك وتعالى أخبرنا أن هذا القرآن آيات بينات فى صدورهم أى القرآن وتبيانه ومعانيه الحقة فى صدور هؤلاء الداعين إلى الله الدالين عليه المُقَرِّبين له عز وجل، فإذا كان من السنة الوضوء لتحريك منضده عليها مصحفاً فما بالنا بمس عالم فى صدره الكتاب بمعانيه وتبيانه أليس أولى تعظيمه من تعظيم المنضده!!

إن تعظيمنا لهذا الولى العالم تقوى لقلوبنا، فالقلب إذا اتقى كان هذا أدعى إلى الشراب من منحهم الله إياها والتلقى من فيوضات الله عليهم، وقال سيدى فخر الدين فى تعظيمهم:

ويشرب من صافى المنائح كل من           يعظم أهل الله طوعاً بقلبه

وقال أيضاً فى تعظيم كلامهم:

تعظيمها تقوى القلوب وذكرها              ذكر وفيه عمارة الأوقات

منحنا الله تعظيم أوليائه الدالين عليه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

محمد مقبول

 

 

 

للمريد الصادق 2

استكمال ما جاء بالعدد السابق:

وقال بعض علمائنا: من سهر أربعين ليلة خالصاً كوشف بملكوت السماء وكان يقول اجتمع الخير كله فى أربع ذكر منها سهر الليل، واعلم أن نوم العلماء عن غلبة المنام بعد طول السهر بالقيام مكاشفة لهم وشهود وتقريب لهم منه وورود، ومن صفة الإبدال أن يكون أكلهم فاقة ونومهم غلبة وكلامهم ضرورة، ومن سهر بالليل لأجل الحبيب لم يخالفه بالنهار فإنه أسهره بالليل فى خدمته، ودخل الحسن ذات يوم إلى السوق فسمع لغطهم وكثرة كلامهم فقال أظن ليل هؤلاء ليل سوء ما يقيلون، وفى الخبر قيلوا فإن الشياطين لا تقيل واستعينوا على قيام الليل بقائلة النهار، وقد قيل فى قوله عزّ وجلّ: (وَاسْتعِينُوا بِالصَبْرِ وَالصَّلاَةِ) البقرة 54 قيل بالصوم على قيام الليل، وقيل: استعينوا بالجوع وصلاة الليل على مجاهدة النفس، وقيل: استعينوا بالصبر والصلاة على اجتناب النهى.

وأما الصمت فإنه يلقح العقل ويعلم الورع ويجلب التقوى ويجعل اللّه عزّ وجلّ به للعبد بالتأويل الصحيح والعلم الرجيح مخرجاً ويوفقه بإيثار الصمت للقول السديد والعمل الرشيد، وقد قال بعض السلف: تعلمت الصمت بحصاة جعلتها فى فمى ثلاثين سنة كنت إذا هممت بالكلمة تلجلج بها لسانى فيسكت، وقال بعضهم: جعلت على نفسى بكل كلمة أتكلم بها فيما لا يعنينى صلاة ركعتين فسهل ذلكّ علىّ فجعلت على نفسى بكل كلمة صوم يوم فسهلّ علىّ فلم أنتهِ حتى جعلت على نفسى بكل كلمة أن أتصدق بدرهم فصعب ذلك فانتهيت.

وقال عقبة بن عامر: يارسول الله فيم النجاة؟ قال: (أملك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك) وقال فى الخبر الجامع المختصر: (من سره أن يسلم فليلزم الصمت) وأوصى رسول اللّه معاذاً بالصلاة والصيام وغير ذلك ثم قال فى آخر وصيته: (ألا أدلك على ماهو أملك لك من ذلك كله، هذا) وأومأ بيده إلى لسانه، فقلت: يارسول اللّه وإنا لمؤاخذون بما تتكلم به ألسنتنا فقال: (ثكلتك أمك يامعاذ وهل يكب الناس على مناخرهم فى جهنم إلا حصائد ألسنتهم، إنك ماسكت فإنك سالم، فإذا تكلمت فإنما هو لك أو عليك) وقال عبد اللّه بن سفيان عن أبيه قال: قلت يارسول اللّه أوصنى بشيئ فى الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك. فقال: (قل ربى اللّه ثم استقم) قال: قلت فما أتقى بعد ذلك، وفى لفط آخر: فأخبرنى بأضر شيئ علىّ. فقال: (هذا) وأومأ إلى لسانه، وفى الخبر: لا يتقى العبد ربه تعالى حق تقاته حتى يخزن من لسانه.

وفى الحديث لايصلح العبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه وقال ابن مسعود: ليس شيء أحق بطول سجن من لسان، وقال بعض السلف: فتشت الورع فما وجدت فى شيئ أقل منه فى اللسان، وقال بعض العلماء: مااستقام لسان عبد إلا عرفت الصلاح فى سائر عمله وما اختلف لسانه إلا عرفت الفساد فى سائر عمله وقال بعض الحكماء: إذا كثر العقل قل الكلام، وإذا قل العقل كثر الكلام، وقال أحمد بن حنبل: علماء أهل الكلام زنادقة، وقال بعض هذه الطائفة: من تكلم فأحسن كثير ولكن الشأن فيمن يحسن أن يسكت، وقال ذو النون المصري: الخوف يقلق والحياء يسكت.

وقال بعض العارفين: قد جزئ العلم على قسمين: نصفه سكوت ونصفه أن تدرى أين تضعه، وقال الضحاك بن مزاحم: أدركتهم وما يتعلمون إلا الصمت والورع وهم اليوم يتعلمون الكلام، وقال الحسن عن أنس بن مالك: قال رسول اللّه : (أربع لا يصبن إلا بعجب: الصمت وهو أول العبادة، والتواضع، وذكر اللّه عزّ وجلّ، وقلة الشيئ)، وفى رواية أخرى: (أربع لا يعطيهم الله إلا من أحب الصمت وهو أول العبادة والتوكل على الله والتواضع والزهد فى الدنيا) وقال حماد بن زيد: قلت لأيوب: العلم اليوم أكثر أو فيما مضى؟ فقال: يابني الكلام اليوم أكثر والعلم فيما مضى كان أكثر، وقيل: كانوا ينتفعون بصمت العلم مثل ما ينتفعون بكلامه، وقد قيل: من لم ينتفع بسكوت المتكلم لم ينتفع بكلامه، وقيل لبعض العلماء: فلان أعلم أم فلان؟ فقال فلان أعلم وفلان أكثر كلاماً ففرق بين العلم والكلام.

وقيل لبعض علماء خراسان عند وفاته: دلنا على رجل نجلس إليه بعدك فقال لهم: فلان فذكر لهم رجلاً صموتاً متعبداً لا يعرف بكثير علم فقيل له: إن فلاناً ليس عنده من العلم ما يجيب عن كل ما نسأله عنه من العلم فقال: قد علمت، ولكن عنده من الورع مالا يتكلم بما لايعلم، وكان الأعمش يقول: من الكلام كلام جوابه السكوت، وقال بعض السلف: الصمت زين العالم وستر الجاهل، وقال غيره: الصمت جوابه وفى الخبر: الصمت زين للعالم وشين للجاهل، وقال بعضهم: ليس شيئ أشد على الشيطان من عالم حليم إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت بحلم، يقول الشيطان: انظروا إليه سكوته أشدُّ علىّ من كلامه.

وللحديث بقية ...

مريد يتمنى الصدق

 

 

الإنابة والأوراد

يقول رب العزة عز وجل: ﴿واتبع سبيل من أناب إلى﴾ ويقول أيضا: ﴿وأنيبوا إلى ربكم واسلموا له﴾

وإذا كان عند سائل مسألة فى معنى الإنابة، فمعناها دوام الوقوف فى الباب الإلهى ﴿الله يجتبى إليه من يشاء﴾ من عباده وشرطاً ﴿يهدى إليه من ينيب﴾ ومن يقف فى الباب الإلهى لابد أن يقبلوه لأن:

أخلق بذى الصبر أن يحظى بحاجته      ومدمن القرع على الأبواب أن يلِجا

وقد أوضحت الآية السابقة أن هناك صنفين من العباد:

الأول: مجتبى أو مصطفى أو مختار.

والثانى: اشترط له حتى يهديه الله فعليه أن ينيب أى يداوم على الوقوف فى الجناب الإلهى.

فكان أهل الله الصالحين والأنبياء والرسل والسادة الصحابة عامة ديدنهم وأحوالهم وأوصافهم دوام الوقوف بالباب الإلهى، ولكن بالرغم من ذلك وبرغم قربهم وعلومهم وإشراقاتهم وشدة اجتهادهم –لأنهم مُخلَصين- يقفون جميعا فى هذا الباب الإلهى خالين الوفاض لا يرون لهم حسنة واحدة ولا حالاً مع الله ويعتبرون أنهم مقصرين ودائماً يشعرون بأنهم لم يؤدوا حق الطاعة للعلى الأعلى ... ولا عجب ... فهم ينسبون الفضل فى الطاعة والصفاء والعلم وكل هذا التأييد وما أُوتوه لله عز وجل ولرسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.

وكلام الصالحين يشير إلى أنهم يهدفون إلى الوقوف فى الباب الإلهى أى ’الإنابة‘ وأنهم لذلك يطلبون قراءة الأوراد والأذكار والأحزاب ... إلخ، حتى أن السيد إبراهيم الدسوقى يقول (فحافظ على عهدى وداوم على وردى) لماذا؟

وفى حديث السيد فخر الدين فى علموا عنى عن الإنابة الجزء الخامس ص 203 يقول:

أهو زيّكم كده وما شاعرين بيه، وما شاعرين بأنكم منيبين.

الواحد صلى الصبح ومسك الأساس، مش واقف فى الباب الإلهى؟

جه فى الأحزاب، مش واقف فى الباب الإلهى؟

جه فى حزب السيف، مش واقف فى الباب الإلهى؟

جه فى السلسلة (أى قرأ الفواتح لأهل السلسلة) مش واقف فى الباب الإلهى؟

كذلك باقى الأوراد واقف فى الباب الإلهى.

فكل هذه الأمثلة مما يفعله المريد فى يومه العادى هى وسيلة لدوام الوقوف فى الباب الإلهى والمقصود فى معنى الإنابة.

فاللهم اجعلنا منيبين إليه جميعا بجاه الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أجمعين.

م. المسكين

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصوفية فى موقع الطريقة البرهانية.

أسرة التحرير