ميلاد الحبيب

لما تزوج عبد الله بن عبد المطلب من آمنة بنت وهب ولدت رسول الله وكان ذلك فى عام الفيل فكان ميلادا مشهودا وبعثه الله رحمة للعالمين وأرسله الله للناس كافة ليخرجهم من الظلمات إلى النور.

يقول السيد فخر الدين:

مولد النور والسرور تجلى      كاشف الغم نتخذه وكيلا

ليلة الميلاد

روى كعب الأحبار فى صفة ميلاد النبى عن ابن عباس قال:

لما أشرفت آمنة بحملها وتتابعت شهورها وعدتها، وليس يلحقها فى حملها ألمٌ ولا وجع؛ كانت تحدث وتقول: أتانى آتٍ حين مر من حملى ستة أشهر فى المنام فقـال لى: يا آمنة انك حملت بخير العالمين فإذا ولدته فسمِّيه محمداً واكتمى شأنك. قالت: ثم لمَّا أخذنى ما يأخذ النساء؛ ولم يعلم بى أحد ولا ذكر ولا أنثى وإنى وحيدة فى المنزل وعبد المطلب فى طوافه، فسمعت وجبة - والوَجْبَةُ: السَّقْطَةُ مع الهَدَّةِ، أو صَوْتُ السَّاقِطِ - عظيمة وأمراً عظيماً هالنى، ثم رأيت جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادى فذهب عنى الرعب وكل وجع أجده، ثم التفتُ فإذا أنا بشربة بيضاء ظننتها لبناً وكنت عطشى فتناولتها فأضاء منى نور عال، ثم رأيت نسوة كالنخل طوالاً كأنهن من بنات عبد مناف يحدقن بى ... فبينما أنا أتعجب وأقول واغوثاه من أين علمن بى، فقلن لى: نحن آسيا امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وهؤلاء من الحور العين.

واشتد بى الأمر وأنا أسمع الوجبة فى كل ساعة أعظم وأهول مما تقدم، فبينما أنا كذلك إذا بديباج أبيض قد مُدَّ بين السماء والأرض وإذا بقائل يقول خذوه عن أعين الناس.

قالت: ورأيت رجالاً قد وقفوا فى الهواء، بأيديهم أباريق من فضة، ثم نظرت فإذا أنا بقطعة من الطير قد أقبلت من حيث لا أشعر حتى غطت حجرتى، مناقيرها من الزمرد وأجنحتها من الياقوت، فكشف الله عن بصرى فرأيت مشارق الأرض ومغاربها، ورأيت ثلاثة أعلام مضروبات: علماً بالمشرق وعلماً بالمغرب وعلماً على ظهر الكعبة ... فأخذنى المخاض واشتد بى الأمر جداً وأنا أرشح عرقاً كالجمان – وهو اللؤلؤ - أطيب ريحاً من المسك الأزفر؛ فكنت كأنى مستندة إلى أركان السماء فولدت محمداً .

مكان الميلاد

فلما خرج من بطنى دُرتُ فنظرت إليه فإذا هو ساجد قد رفع إصبعيه كالمتضرع المبتهل، ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء نزلت حتى غَشِيته، فغُيِّب عن وجهى، فسمعت منادياً ينادى ويقول: طوفوا بمحمد شرق الأرض وغربها وأدخلوه البحار كلها ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ويعلمون أنه يسمى فيها الماحى، لا يبقى شئ من الشرك إلا مُحى به فى زمنه - ثم تجلت عنه فى أسرع وقت، فإذا أنا به وهو مدرج فى ثوب صوف أبيض أشد بياضاً من اللبن وتحته حريرة خضراء، وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب الأبيض، وإذا قائل يقول: قبض محمد على مفاتيح النصرة ومفاتيح الريح ومفاتيح النبوة. ثم أقبلت سحابة أخرى أعظم من الأولى لها نور ويسمع فيها صهيل الخيل وخفقان الأجنحة وكلام الرجال حتى غشيته وغُيِّب عن عينى فسمعت منادياً ينادى: طوفوا بمحمد فى جميع الأرض واعرضوه على كل روحانى من الجن والإنس والملائكة والطيور والوحوش ... واغمسوه فى كل أخلاق النبيين ... ثم انجلت عنه؛ فإذا به قد قبض على حريرة خضراء مطوية طياً شديداً ينبع منها ماء، وإذا قائل يقول ’بخٍ بخٍ  قبض محمد على الدنيا كلها لم يبق خلق من أهلها إلا دخل فى قبضته‘. قالت: ثم نظرت إليه وإذا به كالقمر ليلة البدر وريحه يسطع كالمسك الأزفر، وإذا بثلاثة نفر ظننت أن الشمس تسطع من خلال وجوههم فى يد أحدهم: إبريق من فضة وفى يد الثانى: طست من زمرد، وفى يد الثالث: حريرة بيضاء فنشرها فأخرج منها خاتماً تحار أبصار الناظرين دونه، فغسله من ذلك الإبريق سبع مرات ثم ختم بين كتفيه بالخاتم ولفه بالحريرة ثم احتمله فأدخله بين أجنحته ساعة ثم رده إلىَّ. قال ابن عباس : كان ذلك رضوان خازن الجنان قال ’أبشر يا محمد فما بقى لنبى علم إلا وقد أعطيته فأنت أكثرهم علما وأشجعهم قلباً ومعك كل مفاتيح النصرة‘.

وقالت آمنة: لما فصل منى - تعنى النبى - خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب، ثم رأيت رجلاً قد أقبل نحوه واحتمله فغيبه عنى فجذع فؤادى وذهل قلبى فبينا أنا كذلك إذا أنا به قد رده علىّ - كالبدر - وهو يقول خذيه فقد طافوا به الشرق والغرب وعلى جميع النبيين وعلى أبيه آدم فضمه إليه وقال أبشر يا حبيبى فأنت سيد الأولين والآخرين، من قال بمقالتك وشهد بشهادتك حُشِر غداً يوم القيامة تحت لوائك وفى زمرتك.

ولقد ولد النبى  فى عام الفيل بعد مضى خمسين يوما من واقعته، وكان مولده فى شهر ربيع الأول يوم الاثنين لثنتى عشرة خلت منه، عقيب طلوع الفجر، وقد وافق ذلك من الشهور الميلادية العشرين من شهر نيسان (ابريل). وقد ولد  بمكة بالمكان الذى يعرف الآن (بسوق الليل)، آخر شعب أبى طالب فى الدار التى كانت بيد عقيل بن أبى طالب ثم صارت لمحمد بن يوسف وبنيت الآن مكتبة عامة فى محلها.

من موقع النبى بتصرف.

خالد محمد

 

من معجزات ليلة الميلاد

ومن عجائب ولادته ما ظهر من آيات دالة على النبوة عند مولده، وما حكته أمه ومن حضر مولده من النساء من العجائب ومنها (أنه كان رافعاً رأسه كالداعى الله - عندما وضعته - شاخصاً ببصره إلى السماء) رواه البيهقى عن الزهرى مرسلاً.

ومن ذلك أيضاً ما روى عن فاطمة أم عثمان بن أبى العاص قالت (لما حضرت ولادة رسول الله رأيت البيت حين وقع (أى حين خرج للدنيا) قد امتلأ نوراً، ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت أنها ستقع علىّ) رواه البيهقى والطبرانى.

وقد روى أبى العجفاء التابعى عن رسول الله أنه قال (رَأَتْ أُمِّى حِينَ وَضَعَتْنِى سَطَعَ مِنْهَا نُوراً أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ بُصرَى) أخرجه ابن سعد، وقد روى العرباض عن الرسول أنه قال (إِنِّى دَعُوَةُ أَبىِ إبرَاهِيمَ وَبِشَارَةُ عِيسَى وَرُؤيَا أمِّى الَّتىِ رَأت، وَكَذِلكَ أُمَّهَاتُ النَبِيِّينَ يَرَيْنَ).

وإلى هذا أشار عمه العباس بقوله:

وأنتَ لمَّا وُلِدتَ أشرَقَتِ الأرضُ

 

وضَـاءَت  بنُورِك  الأُفـقُ

فنحنُ فِى ذَلِكَ الضِّيـاءِ والنُّورِ

 

وسُبـلُ الرَّشَـادِ تخــترقُ

ومن آياته أيضاً ما رواه عبد الرحمن بن عوف عن أمه ’الشفاء‘ : "وهى قابلة النبى " قالت: لما ولدت آمنة رسول الله وقع على يدى فاستهلَّ (أى عطس) - فسمعت قائلاً يقول ’رحمك الله‘ وأضاء لى ما بين المشرق والمغرب حتى نظرت إلى بعض قصور الروم. قالت: ثم ألبسته وأضجعته فلم أنشب أن غشيتنى ظلمة ورعب وقشعريرة، ثم غُيِّب عنى فسمعت قائلاً يقول لآخر: أين ذهبت به؟ قال: إلى المشرق. قالت: فلم يزل الحديث منى على بالٍ حتى ابتعثه الله فكنت فى أول الناس إسلاماً. رواه أبو نعيم فى الدلائل.

وولد مختونا مسروراً - أى مقطوع السرة - كما روى عن ابن عمر وغيره. وعن أنس بن مالك أن النبى قال: (مِنْ كَرَامَتىِ عَلَى رَبِّى أَنِّى وُلِدتُ مَختُوناً وَلَمْ يَرَ أَحَدٌ سَوْأتِى).

ومن عجائب ولادته فى العالم: ما رواه البيهقى وابن أبى الدنيا وغيرهم عن مخزوم بن شاهين عن أبيه: من ارتجاج إيوان كسرى وسقوط أربع عشرة شرفة من شرفاته، وقد ملك من الفرس ملوك بعددها - عشرة فى أربع سنين وأربعة إلى خلافة عثمان وفتح المسلمين لفارس.

وكذلك غيض بحيرة طبرية بالأردن، وخمود نار فارس وكان لها ألف عام لم تخمد، ورؤيا الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت فى بلاد فارس. والموبذان: هو قاضى المجوس - وقد أوَّلها له أحد عرافى العرب ويدعى سطيح بزوال ملكهم على أيدى أتباع رسول الله  - وكما رواه كثيرون.

ومن ذلك أيضاً ما جعله الله تعالى من قطع رصد الشياطين ومنعهم من استراق السمع من السموات بالكلية وزيادة حراسة السماء بالشهب والملائكة، وكان الشياطين  يتصنتون إلى القول الحق للملائكة التى فى السموات وحتى السماء الرابعة ويلقونها إلى أوليائهم فيكذِّبون بها ما شاءوا من أنبائهم. فمنعوا من ذلك بظهور نوره ، ولما بُعِث بالرسالة اشتد الأمر بهم وكثر الحرس عليهم كما قال تعالى حاكيا عنهم ﴿وَأنَّا لمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسَاً شَدِيداً وَشُهُباً • وَأنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداَ • وَأنَّا لاَ نَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ الجن 8-10.

وأخرج ابن شهاب عن عبد الله بن عباس قال: أخبرنى رجل من الأنصار من أصحاب النبى أنهم بينما هم جلوسٌ ليلة مع رسول الله رُمِى بنجم فاستنار فقال لهم رسول الله (ما كنتم تقولون فى الجاهلية إذا رُمِى بمثل هذا عَبدٌ؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، كنا نقول ولد الليلة رجل عليم ومات رجل عظيم، فقال رسول الله (فإنها لا يُرمَى بها لموت أحدٍ ولا لحياته ولكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمراً سبَّح حملة العرش ثم سبَّح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال، فيخبر بعض أهل السموات بعضاً حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا؛ فتخطف الجن السمع؛ فيقذفون إلى أوليائهم ويرمون، فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يقذفون فيه ويزيدون).

من موقع النبى بتصرف.

سامح سعيد

ومن أراد الاستزادة فليطلع على موقع النبى

أسرة التحرير