يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

هل للشيطان سلطان على أحد؟

 

كثير من علماء الدين فى زمننا هذا يقولون أن الشيطان ليس له سلطان على أحد من بنى آدم مستشهدين ببعض الآيات منها: فى سورة ابراهيم الآية 22 ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ وفى سورة الإسراء الآية 65 ﴿إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا﴾ وفى سورة النحل الآية 99 ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ وفى سورة الحجر الآية 42 ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾.

ونقول وبالله التوفيق: الأمر يحتاج توضيح وعدم تعميم  فذكر جزء من الآية أحياناً كثيرة لايفيد وكذلك ذكر الآية بمفردها أحياناً لا يفيد لذلك شرَعنا لك فى توضيح الأمر، ففى سورة إبراهيم والإسراء والنحل تقول الآيات فى سورة ابراهيم الآية 22 ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ وفى سورة الإسراء الآيتين 64، 65 ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا • إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا﴾ وفى سورة النحل الآيتين 99، 100 ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ • إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ وفى سورة النحل ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا﴾.

ونقول: لو قرأنا الآية رقم 100 فى سورة النحل والتى تلى الآية السابقة مباشرة لكفتنا فى الرد على كل الآيات و لفهمنا أن له سلطان حيث يقول المولى تبارك وتعالى ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾. ثم إن الآية السابقة توضح لنا أنه ليس له سلطان على من؟ ﴿عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ وهذه مرتبة عالية من العباد يتوكلون حق التوكل لأن مراتب الدين أربعة منها فى مراتب الإحسان:

أولاً: التوفيق وهى توفيق أخلاقك بأخلاق الرسول .

ثانياً: التفويض وهو ترك التدبير.

ثالثاً: التوكل ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ الطلاق 3، وهذا هو موطن التوكل.

رابعاً: التسليم وهوموطن ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ التوبة 111.

فالذين لايقدر عليهم إبليس متوكلون على ربهم حق التوكل فى المرتبة الثالثة وليس كل من قال توكلت على الله أصبح متوكلاً. وفى سورة الحجر الآيات نعرض لك الآيات 39، 40، 42، أولاً ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾، ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾، ﴿إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾، تثبت الآيات أن إغوائه لا يسلم منه إلا العباد الْمُخْلَصِينَ بفتح اللام وليس بكسر اللام والفرق كبير فالْمُخْلَصِينَ بفتح اللام هم الذين استخلصهم الله واصطفاهم لطاعته وطهرهم من الشهوات، وأما الْمُخْلِصِينَ بكسر اللام فهم الذين يجتهدون فى إخلاص العبادة والطاعة له سبحانه، فلا ينجو من إغوائه على الدوام إلا الْمُخْلَصِينَ بفتح اللام أما باقى الخلق فهم معرضون للإغواء ثم التوبة، وخير الخطائين التوابون، والخلق أصناف فمنهم من جُبلوا على التوحيد والإيمان والعمل الصالح وهم مصْطَفون مُحسنون وهناك من يخطىء ويصيب بين مسلم ومؤمن وهناك من لا يؤمن وهو على الدوام مخطىء ومسيىء قد استحوذ عليه الشيطان، ثم أوضح الحق تبارك وتعالى فقال ﴿إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ الحجر 42، فقد نسب تبارك وتعالى العباد الْمُخْلَصِينَ بفتح اللام الى حضرته تعالى فقال عبادى فَشرَّفهم بالنسبة إليه بياء الإضافة ثم استثنى الغاوين بالوقوع تحت سلطان إبليس بالغواية، فوَضَحَ لنا هنا أن له سلطان على من اتَّبعه، فأولئك كبار مصطفين وهم من الذين اعترف إبليس نفسه وقال ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ ثم قال المولى تبارك وتعالى ﴿قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَىَّ مُسْتَقِيـــمٌ﴾ الحجر 41، ووصفهم الحق سبحانه بأنهم هم الصراط المستقيم الذى نبحث عنه فى كل صلاة فى سورة الفاتحة راجين من الله أن يهدينا إليهم ليهدوننا إليه سبحانه وتعالى، وذلك لأن كل واحد منهم يمثل المنهج الإلهى الذى أنزله الله فى ألفاظ القرآن فقال ﴿بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾ العنكبوت 49، أى بيّنه الله سبحانه فى صدورهم وبالمشيئة أنطقهم بهذا البيان، وقال أيضاً ﴿مَا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ الأنعام 38، ثم أوضح لنا فى أية أخرى فقال سبحانه ﴿وَكُلَّ شَىْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِى إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ يس 12، هذا الإمام هو الخبير الذى يجىء على رأس كل مائة عام ليجدد للأمة أمر دينها كما قال الحبيب صلوات ربى وسلامه عليه فإذا أردت أن تعلم المنهج القرآنى على حق فقد أرشدنا المولى يقول ﴿الرَّحْمَنُ • عَلَّمَ الْقُرْآَنَ﴾ الرحمن 1-2، فإذا أردت أن تبحث عن كفية اتصال روحك باسمه الرحمن لتتعلم القرآن يقول لك المولى سبحانه ﴿الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ الفرقان 59، فهؤلاء العظماء هم الخبراء بعد المصطفى ليس لإبليس سلطاناً عليهم لكى لا يضل متبعهم أبداً فصراطهم ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ الفاتحه 7، فهؤلاء المنعم عليهم من الله تعالى وقد يظن ظان أن هؤلاء هم الأنبياء والرسل فقط فنقول له إن شئت قرأت قول الحق تعالى ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ النساء 69، أى أن منهم الصديقين والشهداء والصالحين، ويقول ابن عجيبة بصدد هؤلاء عندما توعّد إبليس بغواية الخلق ﴿ولأغوينّهم أجمعين﴾ أى: لأحملنهم على الغواية أجمعين ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ والْمُخْلَصِينَ هم الذين أخلصتهم لطاعتك، وطهرتهم من الشهوات، فلا يعمل فيهم كيدى، قال الله ﴿هذا صراطٌ علىَّ مستقيمٌ﴾ هذا الطريق الذى سلكه أهل الإخلاص فى عبوديتهم هو طريق وارد علىَّ، وموصل إلى جوارى، لا سبيل لك على أهله؛ لأنه مستقيم لا عوج فيه، وقرأ الضحاك ومجاهد والنخعيى، وغيرهم: عَلِىٌّ؛ بكسر اللام والتنوين، من العلوّ والشرف، والإشارة حينئذٍ إلى الإخلاص، أى: هذا الإخلاص طريق رفيع مستقيم لا تناله أنت بإغوائك أهلَه يا إبليس.

وآية أخرى تقول ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ • تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ الشعراء 221-222، يقول ابن عجيبة فى الإشارة: هل أنبئكم على قَلْبِ مَنْ تَنَزَّلَتْ الشياطينُ، وسكنت فيه، تنزل على قلب كل أفاك أثيم، خارب من النور، محشو بالوسواس والخواطر، يلقون السمع إلى هرج الدنيا وأخبارها، وهو سبب فتنتها؛ فإن القلب إذا غاب عن أخبار الدنيا وأهلها، يسكن فيه النور ويأنس بالله، وإذا سكن إلى أخبار الدنيا وأهلها تسكن فيه الظلمة، ويأنس بالخلق، ويغيب عن الحق، فكيف يدّعى من يدّعى بأن إبليس ليس له سلطان على أحد؟ لا بل له سلطان على المتبعين أهواءهم المنشغلين بالدنيا البعيدين عن كلام الحق، وللنجاة من هذا اللعين أمرنا المولى تبارك وتعالى بأن ندعوه فى كل صلاة أن يهدينا إلى صراطه المستقيم، اللهم اهدنا بفضلك إليه وارزقنا حبَّه وصحبته وهدايته وجازاه عنا أطيب ما جازايت به نبياً عن أمته آمين.

وإلى لقاء العدد القادم بإذن الله تعالى نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

محمد مقبول