نية الأواب

 

أَوْلَى مِنَ الظَّعْنِ الطَّوِيلِ مَثُوبَةً       هِىَ نِيَّةُ الْأَوَّابِ وَاسْتِعْدَادُ (46/11)

بالرجوع إلى البيت السابق لهذا البيت وهو:

إِلَّا الْمَوَدَّةَ مَا سَأَلْنَا حِبَّنَا            إِنَّ الْمَوَدَّةَ رِفْعَةٌ وَرَشَادُ (46/10)

فما طلب منا شيخنا غير سؤال واحد فوضع أداة الاستثناء قبل المودة لتكون أداة حصر وقصر أى أننى لم أطلب من الحِبِّ ـ وهو الذى نحبه نحن أهل البيت ويحبنا هو أيضاً ـ إلا هذا السؤال وهو المودة لأنه بهذه المودة سوف يفوز بالاتباع والمغفرة والحسنى والشكر من الله تعالى كما جاء فى الآية الكريمة ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ الشورى 23، فجزاء المودة من الله عز وجل هى الحسنى والمغفرة والشكر من الله تعالى، لذلك فهى أولى من الظعن الطويل مثوبة أى إذا نظرنا إلى الثواب فهذه المودة أولى من الظعن الطويل لأن ثوابها أعظم ومعنى الظعنُ كما جاء باللسان هو سفر البادية لنجعة أو حضوره ماء أو طلب مرتع أو تحوّل من ماء إلى ماء أو من بلد إلى بلد؛ وقد يقال لكل شاخص لسفر فى حج أو غزو أو مسير من مدينة إلى أخرى ظاعن.

وعندما نرى هذا اللفظ من إمام عالم عارف فهو يقصد السير والسلوك إلى الله تعالى أى التقرب وهو بهذا المعنى كأنه يقول لنا أن المودة فى الأولويات لأخذ الثواب أولى وذلك لما فيه من عطاء الله ورضاه كما نصت الآية، وكأنه يقول: أيها الراغب فى الله والمستعد للسفر إليه والأوبة إلى جنابه والمشتاق إلى ثوابه أولى لك أن تبدأ بالمودة، فهى النية للعمل والزاد والاستعداد للسفر.

هِىَ نِيَّةُ الْأَوَّابِ وَاسْتِعْدَادُ

أى أن هذه المودة هى نية الأوابين فلا يكون الأواب أواباً إلا إذا كانت نيته التوبه والرجوع إلى الله لنيل المغفرة، والمودة جزاءها المغفرة والزيادة بكثير وهى التى تدل على الاستعداد لقبول الهداية كما أن المرآة مستعدة لقبول الصورة فتنطبع وتظهر فيها كذلك فالمودة تعبر عن استعداد الأواب لقبول الهِداية وذلك لمبادرته وإسراعه فى تلبية كلام الله تعالى فإذا كان الأواب طالباً للمغفرة فقد أرشدنا المولى تبارك وتعالى أن المودة جزاءها المغفرة ويزيد عليها الحسنى والشكر من الله الوهاب جعلنا الله تعالى من أهل المودة.

كَمْ نَالَ أَهْلُ اللهِ مِنْحَةَ وَاهِبٍ       وَشَهَادَةً  ِللهِ لَا اسْتِشْهَادُ (46/12)

رب العباد إذا وهب فلا تسألن عن السبب، فالاسم الوهاب هو الذى يعطى بلا أسباب فكم نال أهل الله المنشغلين بذكر الله تعالى منحة من اسمه تعالى الوهاب ليس عن استحقاق وإنما هبة منه تعالى، وشهادة لله أى مشاهدة لتجليات اسم الله تعالى لا استشهاد، فالمشاهد يكون أعلى من الشهيد الذى قُتل فى الحرب لأنه قُتل فى الجهاد الأصغر أما المشاهد فهو الذى جاهد نفسه حتى قتلها ثم اصطفاه الله تعالى لمشاهدته سبحانه جعلنا الله منهم وحشرنا فى زمرتهم.

وكأنه يقول: لاعجب أن يكون جزاء مودة أهل بيت الحبيب صلوات ربى وسلامه عليه هى مشاهدة وجه الله تعالى فإن لم تكن فى الدنيا يكون الفوز بها فى الآخرة فكم نال أهل الله هذه المنحة اصطفاءاً بفضل هذه المودة.

الْعِيرُ عَارٌ وَالنَّفِيرُ بِشَوْكَةٍ             فِيهَا عَطَايَا مَا لَهُنَّ نَفَادُ (46/13)

لكنه يقول لنا الاصطفاء موجود لكن كونوا مع المضمون وهو العمل والاجتهاد لا تركنوا للحظوظ فأخذ الغنيمة بلا جهاد عار عليكم وانظرو إلى قول الله تعالى ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ • لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ الأنفال 7، 8.

يقول ابن عجيبة : ومعنى الآية: أنكم تُريدون أن تُصيبوا مالاً ولا تلقوا مكروهاً، والله يريد إعلاء الدين وإظهار الحق، وما يحصل لكم من فوز الدارين، وإنما فعل ما فعل من سوقكم إلى القتال؛ ﴿ليُحق الحق ويُبطل الباطل﴾ أى: ليُظهر الدين ويبطل الكفر.

وفى الاشارة: وعد الله المتوجهين إليه بالوصول إلى سر الخصوصية، وهى الولاية، لكن بعد المجاهدة والمحاربة للنفوس؛ لأن الحضرة لا يدخلها إلا أهل التهذيب والتدريب، وترى كثيراً من الناس يتمنون أن تكون لهم من غير حرب ولا قتال، ويريد الله أن يحق الحق بكشف الحجب عن القلوب، حتى لا يشاهدوا إلا الحق، ويُبطل الباطل، وهو السِّوى، ولا يكون فى العادة إلا بعد موت النفوس وتهذيبها وتطهيرها بالرياضة على يد شيخ عارف.

نحمد الله تعالى على نعمة الشيخ وأدامه علينا فى الدنيا والآخرة.

بعد ذلك ينبهنا إلى سبب النصر والغنيمة فيقول:

نَزَلَ الصَّحَابَةُ عِنْدَ حُكْمِ مَلِيكِهِمْ            غَنِمُوا وَكَانَ الرِّفْدُ وَالإِرْفَادُ (46/14)

فعندما أطاع الصحابة مليكهم وهو المصطفى الكريم صلوات الله وسلامه عليه كانت الغنيمة والنصر والقصة معروفة فى أهل بدر حتى أن قال عنهم الرسول الكريم (لعل الله أطلعنى على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإن الله قد غفر لكم). أو كما قال . لذلك فوارث المصطفى فى كل زمان وجبت طاعته، وكذلك الذى قال عنه المصطفى (إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) أيضاً وجبت طاعته، ومن أطاعه فجزاؤه من الله النصر والغنيمة والرفد الذى هو العطاء والإرفاد وهو الإعانة منحنا الله حبهم وطاعتهم آمين.

نستودعكم الله تعالى إلى العدد القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

محمد مقبول