نشرنا فى صفحات القواطع عن موضوع القواطع عن المهيمن من كتاب المرشد الوجيز، وها نحن فى هذا الباب نستكمل الموضوع بجوانب أخرى تكمله حتى تعم الفائدة:

 

 

كلام فى الصميم

 

وأنا قاعد كده ... ساعة العصارى زى مابيقولوا، وماسك فى إيدى الشاى، وبشرب شوية شوية، وسرحان كده فى ملكوته ... انتبهت على جرس التليفون، وانتظرت إنه حد يرد عليه ... وأخيراً افتكرت إنى وحدى فى المنزل، فجريت على التليفون ورفعت السماعة ... آلو ... آلو، فجاء الرد إيه؟ هو انت نسيت الميعاد؟ كان صوت صديقى، وتذكرت على الفور إن اليوم موعد لقاءنا الثلاثى، وانطلقت لأغير ملابسى، وأنا أكلم نفسى ... ياواد حتروح فين ياصعلوك وسط الملوك، بتاع اللغة العربية، وصديقى ماشاء الله عبارة عن موسوعة متنقلة فى الشريعة والحقيقة، وأنا جاهل ... بس أكيد حستفيد، وعندما وصلت استقبلنى صديقى، وسلم علىّ مدرس اللغة العربية بحرارة شديدة ... أدهشتنى ... وذهب صديقى ليحضر الشاى، واعتدل مدرس اللغة، ونظر إلىّ وقال: شوف ياأستاذ، أنا من ساعة ماذهبت من هنا آخر مرة، وأنا مش عارف أنام، فنظرت إليه بنظرة استفهام فأكمل كلامه: أيوه مش عارف أنام، أنا أخذت الكتاب اللى أنت قرأت منه عن التوحيد و...، ودخل صديقى شايل الشاى، فأخذ كلا منا كوب، وبعد أن شرب كلا منا شفطة من الشاى قال المدرس مواصلاً كلامه: بصراحة ياجماعة أنا هَزِّنى قوى الكلام اللى فى الكتاب ... صحيح خير الكلام ما قل ودل ... شوفوا بيعرّف التوحيد إزاى، "التوحيد هو النور الذى منه مادة كل نور" 8 كلمات بالضبط، جملة شافية وكافية ... لو علماء اللغة حبوا يكتبوا فيها لاحتاجوا المجلدات ... ومش حنوصل لحاجة، ونظر إلىّ وقال: زى ماأنت قلت بالضبط ... كل واحد من أصحاب المفاهيم المختلفة واخد اللى وراه وماشى بهم فى سكة بعيد عن التانى، وكل واحد يقول: هو ده المفهوم الصح للتوحيد، والتوحيد يعنى سكة واحدة لازم نمشى فيها ... مش كده؟ فرددت قائلاً: والله حسب مفهومى ... كده، فأكمل كلامه: صحيح أنا مش فاهم حاجة من الجملة لكن حاسس الكلام ... فقاطعه صديقى قائلاً: حقولك حكاية بسيطة تؤكد كلامك، واحد راح لشيخى و... فصحت قائلاً: شيخك؟ يعنى إيه؟ فقال: شيخى هو اللى علمنى وربانى ... إوعى تكون فاكر إن الكلام اللى باتكلم بيه نتيجة قراءة أو إطلاع؟ تبقى مش فاهم حاجة ... دا ربنا سبحانه وتعالى علم سيدنا آدم ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ البقرة 31، يعنى العملية مش ماشية كده ... سيدنا آدم علم أولاده علوم الدنيا وعلوم خاصة، علوم الدنيا زى الزراعة والرعى وغيرها من المنافع، أما العلوم الخاصة فخص بها بعض أبناءه لأن العلم ده مش مشاع ... فرد مدرس اللغة العربية قائلاً: إزاى؟ فقال صديقى: أقرب دليل حكاية سيدنا موسى مع سيدنا الخضر... ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُبًا﴾ الكهف 60، ليه ده كله؟ ينتظر كل هذه المدة ... قالوا: إن الحقب كم ألف سنة ... يستنى ده كله علشان يتعلم العلم ده، اللى هو إيه؟ ربنا سبحانه وتعالى يقول ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ الكهف 65، يتفهم من الكلام ده إن الواحد منا لازم يدور عن الناس اللى عندها العلم ده، ويمشى وراهم فى أدب علشان يتعلم منهم، شوف سيدنا موسى قال إيه ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ الكهف 66، سيدنا موسى.. واحد من أولى العزم من الرسل بيطلب الإذن علشان يتعلم منه، مش كده وبس ﴿قَالَ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِى لَكَ أَمْرًا﴾ الكهف 69، ده موضوع يطول شرحه ... نرجع للكلام عن التوحيد ... كنا بنقول إيه؟ فقلت: استنى شوية ... لما ارتب دماغى من أول وجديد ... والواحد كان فاكر إنها حدوتة وخلاص، أتارى فيها حاجات كتير الواحد مايعرفهاش ... وقاطعنى معلم اللغة العربية: إحنا علشان مانطلعش من الموضوع الإساسى، يبقى لنا لقاء تانى نتكلم فيه عن قصة سيدنا موسى وسيدنا الخضر ، قل بقى ... شيخك عمل إيه؟ فقال صديقى: آه ... واحد ذهب إلى الشيخ وقال له: ياعم الشيخ أنا درست التوحيد أو قعدت أدرس التوحيد حوالى 7 سنين، خَلّوا بالكم من كلام العلماء، الشيخ سأله: قبل ماتدرس التوحيد الله كان كام؟ فرد الطالب: كان واحد، فسأله الشيخ: والآن الله كام؟ فقال: واحد، أنا مش حتكلم فى اللى قاله الشيخ له بعد كده، ولكن شوفوا معايا واتعلموا ... لم يتحاور أو يتناقش معه فى التوحيد الذى درسه ولكن بسؤال بسيط المفهوم، قوى الدلالة، وضّح له حاجة مهمة، فقلت: إيه هى؟ فقال: وضح له إن ضيع من عمره 7 سنين علشان يثبت أن الله واحد ... ربنا سبحانه وتعالى قال كلام هو ورسوله ، فأخذ هذا الكلام قاعدة انطلاق، وكلام مسلم به، الله واحد ... يعنى الله واحد وخلاص ... فقاطعته: يعنى إيه؟ دا الراجل قعد 7 سنين يدرس فى التوحيد، وبعدين جاى تقول إن كل ده مالوش لازمة ... طيب إزاى؟ وأخد منى الكلام مدرس اللغة قائلاً: إذا كان الكلام ده مظبوط، يبقى الكلام اللى كنا بنتكلم فيه مالوش لازمة ... فرد صديقى: بالراحة ياجماعة ... إحنا بنتكلم فى حاجة تانية ... حضرب مثل بسيط ... أنا بحبك قوى وكلامك عندى ثقة ... لما تيجى تقول "س" من الناس راجل مظبوط فى مواعيده وشغله وكلامه ... لو قلت بينى وبين نفسى طيب أجربه ... يبقى أنا شكيت فى مين؟ فى الراجل أو فيك أنت؟ فهمت قصدى إيه؟ فقلنا: يعنى ... بس عاوزين توضيح أكتر، فرد قائلاً: سُئل أحد الصالحين عن التوحيد فقال: إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته أنه الواحد الذى لم يلد لم يولد، بنفى الأضداد، والأنداد، والأشباه، بلا تشبيه، ولا تكيف، ولا تصوير، ولا تمثيل، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ الشورى 11، فيه كلام تانى أنا كنت قاعد أقرأ فيه نقرأ سوا، أحد الصالحين بيتكلم عن الله سبحانه وتعالى، قال إيه؟ والكلام موجه لنا إحنا: أَلزِم الكلَّ الحدث، لأنَّ القدم له، فالذى بالجسم ظهوره، فالعرض يلزمه، والذى بالأداة إجتماعه فقواها تمسكه، والذى يؤلِّفه وقت، يفرقه وقت، والذى يقيمه غيره فالضرورة تمسه، والذى الوهم يظفر به، فالتصوير يرتقى إليه، ومن آواه محل أدركه أين، ومن كان له جنس طالبه مكيِّف، إنه سبحانه لا يظله فوق، ولا يقله تحت، ولا يقابله حد، ولا يزاحمه عند، ولا يأخذه خلف، ولا يحدُّه أمام، ولم يظهره قبل، ولم يفنه بعد، ولم يجمعه كلُّ، ولم يوجده كان، ولم يفقده ليس ... وصفه لا صفة له، وفعله لا علة له، وكونه لا أحد له، تنزه عن أول خلقه، ليس له من خلقه مزاج، ولا فى فعله علاج، باينهم بقدمه، كما باينوه بحدوثهم، إن قلت متى، فقد سبق الوقتَ كونه، وإن قلت هو، فالهاء والواو خلقه، وإن قلت أى، فقد تقدَّم المكانَّ وجوده، فالحروف آياته، ووجوده إثباته، ومعرفته توحيده، وتوحيده تمييزه من خلقه، ماتُصوّر فى الأوهام فهو بخلافه، كيف يحل به مامنه بدأه؟ أو يعود إليه ماهو أنشأه؟ لا تماقه العيون، ولا تقابله الظنون، قربه كرامته، وبُعده إهانته، علوُّه من غير توقل، ومجيئه من غير تنقُّل، هو الأول، والآخر، والظاهر، والباطن، القريب البعيد، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

إيه رأيكم فى الكلام ده؟ فنظرت إلى مدرس اللغة وقلت له: هو بيكلمك إنت ... اتفضل قول، فضحك وقال: عاوز تهرب ... مش كده؟ أنا حاقول اللى أنا عارفه بالضبط ... أنا مش فاهم حاجة ... الكلام ده لازم نعيده مرة واتنين لحد مانفهم ... الكلام سهل ... بس لازم يتفهم، والتفت إلىّ وقال: وانت رأيك إيه؟ فرددت بسرعة: زى اللى انت قلته بالضبط ... أنا كل ما أمسك مفهوم ... يضيع فى الجملة اللى بعده، فقال صديقى: سُئل أحد الصالحين عن التوحيد فقال: أن تعلم قدرة الله تعالى فى الأشياء بلا مزاج، وصنعه للأشياء بلا علاج، وعلَّة كل شئ صنعه، ولا علَّة لصنعه، وليس فى السموات العلا، ولا فى الأراضين السفلى مدبر غير الله، وكل ماتصور فى وهمك فالله بخلاف ذلك ... فقلت له: طيب وشيخك قال إيه فى التوحيد؟ فرد قائلاً:

إِنَّ فِى التَّوْحِيدِ إِحْكَامُ الْمَثَانِى

 أحمد نور الدين عباس