كتب السلف

لما كنا نحتاج باستمرار إلى كتب السابقين الغير محرفة، ولما كثر التحريف بفعل قلة غير مسئولة تقوم بإصدار الكتب المحرفة وطرحها فى الأسواق أو عرضها فى الشبكة العالمية للمعلومات، وسواء كان ذلك يتم بحسن نية أو بغيرها، فقد ظهرت الحاجة إلى البحث عن المصادر الصحيحة فى هذه الشبكة لكتب الصالحين وعلوم السابقين، ونحن نرشح لكم المواقع الصديقة التى تتحرى الدقة فيما تعرضه من كتب حتى تجدوا ما تحتاجونه من كتب وعلوم السابقين التى حاول البعض أن يدثروها ويغطوا عليها، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المغرضون، وسنقوم باستعراض بعض الكتب التى أستشهد بها الإمام فخر الدين فى مؤلفاته ودروسه من هذه المواقع، وللمزيد عن تلك المواقع زوروا صفحة المكتبة من الموقع الرئيسى.

 

قرأت لك:

من أسماء الله:

الصمد

 

من أوائل أسماء الله الحسنى التى تمر علينا منذ نشأتنا اسمه تبارك وتعالى (الصمد) ودائما عندما يستقر فى مسامعنا هذا الإسم نذهب إلى قوله تعالى فى سورة الإخلاص ﴿اللهُ الصَّمَدُ﴾ وكثيراً ما ترددت على مسامعنا هذه الآية أيضاً ولكن هل حاولنا أن نبحث عن معنى الإسم (الصمد) لنفهم هذه الآية؟ أم مررنا عليها مرور الكرام، وتعرض إلى تفسير هذه الآية الكثير من العلماء ونود أن نقف هنا عند تفسير القرآن العظيم للإمام الفخر الرازى المشهور بـ(التفسير الكبير) أو (مفاتيح الغيب) فقد أورد فيه معانى عديدة لهذه الآية ولاسمه تبارك وتعالى (الصمد) وقد ذكر أن هناك وجهين فى هذه الآية، الأول: من صمد إليه إذا قصده، وهو السيد المصمود إليه فى الحوائج، والدليل على صحة هذا التفسير ما روى ابن عباس (أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: ما الصمد؟ قال عليه السلام هو السيد الذى يصمد إليه فى الحوائج) وقال الليث: صمدت صمد هذا الأمر أى قصدت قصده، والثانى: أن الصمد هو الذى لا جوف له، ومنه يقال: لسداد القارورة الصماد، وشىء مصمد أى صلب ليس فيه رخاوة، وقال قتادة: وعلى هذا التفسير: الدال فيه مبدلة من التاء وهو المصمت، وقال بعض المتأخرين من أهل اللغة: الصمد هو الأملس من الحجر الذى لا يقبل الغبار ولا يدخله شىء ولا يخرج منه شىء، واعلم أنه قد استدل قوم من جهال المشبهة بهذه الآية فى أنه تعالى جسم، وهذا باطل لأنا بينا أن كونه أحداً ينافى جسماً فمقدمة هذا الآية دالة على أنه لا يمكن أن يكون المراد من الصمد هذا المعنى، ولأن الصمد بهذا التفسير صفة الأجسام المتضاغطة وتعالى الله عن ذلك، فإذن يجب أن يحمل ذلك على مجازه، وذلك لأن الجسم الذى يكون كذلك يكون عديم الانفعال والتأثر عن الغير وذلك إشارة إلى كونه سبحانه واجباً لذاته ممتنع التغير فى وجوده وبقائه وجميع صفاته، هذا ما يتعلق بالمعنى اللغوى لـ (الصمد).

وأما المفسرون فقد نقل عنهم وجوه، بعضها يليق بالوجه الأول وهو كونه تعالى سيداً مرجوعاً إليه فى دفع الحاجات، وهو إشارة إلى الصفات الإضافية ، وبعضها بالوجه الثاني وهو كونه تعالى واجب الوجود في ذاته وفى صفاته ممتنع التغير فيهما وهو إشارة إلى الصفات السلبية وتارة يفسرون الصمد بما يكون جامعاً للوجهين:

أما النوع الأول: فذكروا فيه وجوهاً: الأول: الصمد هو العالم بجميع المعلومات لأن كونه سيداً مرجوعاً إليه فى قضاء الحاجات لا يتم إلا بذلك الثانى: الصمد هو الحليم لأن كونه سيداً يقتضي الحلم والكرم الثالث: وهو قول ابن مسعود والضحاك الصمد هو السيد الذى قد انتهى سؤدده الرابع: قال الأصم: الصمد هو الخالق للأشياء، وذلك لأن كونه سيداً يقتضى ذلك الخامس: قال السدى: الصمد هو المقصود فى الرغائب، المستغاث به عند المصائب السادس: قال الحسين بن الفضل البجلى: الصمد هو الذى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه السابع: أنه السيد المعظم الثامن: أنه الفرد الماجد لا يقضى فى أمر دونه.

وأما النوع الثانى: وهو الإشارة إلى الصفات السلبية فذكروا فيه وجوهاً: الأول: الصمد هو الغنى على ما قال: ﴿هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ﴾ الحديد:24 الثانى: الصمد الذى ليس فوقه أحد لقوله ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ الأنعام:18 ولا يخاف من فوقه، ولا يرجو من دونه ترفع الحوائج إليه، الثالث: قال قتادة: لا يأكل ولا يشرب ﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾ الأنعام:14 الرابع: قال قتادة: الباقى بعد فناء خلقه ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ الرحمن:26 الخامس: قال الحسن البصرى: الذى لم يزل ولا يزال، ولا يجوز عليه الزوال كان ولا مكان، ولا أين ولا أوان، ولا عرش ولا كرسى، ولا جنى ولا إنسى وهو الآن كما كان، السادس: قال يمان وأبو مالك: الذى لا ينام ولا يسهو الثامن: قال ابن كيسان: هو الذى لا يوصف بصفة أحد، التاسع: قال مقاتل بن حبان: هو الذى لا عيب فيه، العاشر: قال الربيع بن أنس : هو الذى لا تغتريه الآفات، الحادى عشر: قال سعيد بن جبير: إنه الكامل فى جميع صفاته، وفى جميع أفعاله، الثانى عشر: قال جعفر الصادق: إنه الذى يغلب ولا يغلب، الثالث عشر: قال أبو هريرة: إنه المستغنى عن كل أحد، الرابع عشر: قال أبو بكر الوراق: إنه الذى أيس الخلائق من الاطلاع على كيفيته، الخامس عشر: هو الذى لا تدركه الأبصار، السادس عشر: قال أبو العالية ومحمد القرظى: هو الذى لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شىء إلا سيورث، ولا شىء يولد إلا وسيموت، السابع عشر: قال ابن عباس: إنه الكبير الذى ليس فوقه أحد، الثامن عشر: أنه المنزه عن قبول النقصانات والزيادات، وعن أن يكون مورداً للتغيرات والتبدلات، وعن إحاطة الأزمنة والأمكنة والآنات والجهات .

وأما الوجه الثالث: وهو أن يحمل لفظ الصمد على الكل وهو محتمل، لأنه بحسب دلالته على الوجوب الذاتى يدل على جميع السلوب، وبحسب دلالته على كونه مبدأ للكل يدل على جميع النعوت الإلهية.

المسألة الثانية: قوله ﴿اللهُ الصَّمَدُ﴾ يقتضى أن لا يكون فى الوجود صمد سوى الله، وإذا كان الصمد مفسراً بالمصمود إليه فى الحوائج، أو بما لا يقبل التغير فى ذاته لذم أن لا يكون فى الوجود موجود هكذا سوى الله تعالى، فهذه الآية تدل على أنه لا إله سوى الواحد، فقوله ﴿اللهُ أَحَدٌ﴾ إشارة إلى كونه واحداً، بمعنى أنه ليس فى ذاته تركيب ولا تأليف بوجه من الوجوه، وقوله ﴿اللهُ الصَّمَدُ﴾ إشارة إلى كونه واحداً، بمعنى نفى الشركاء والأنداد والأضداد.

وقال الإمام الغزالى فى المقصد الأسنى عن معنى اسمه تبارك وتعالى (الصمد):

هو الذى يصمد إليه فى الحوائج ويقصد إليه فى الرغائب إذ ينتهى إليه منتهى السؤدد ومن جعله الله تعالى مقصد عباده فى مهمات دينهم ودنياهم وأجرى على يده ولسانه حوائج خلقه فقد أنعم عليه بحظ من معنى هذا الوصف لكن الصمد المطلق هو الذى يقصد إليه فى جميع الحوائج وهو الله سبحانه وتعالى.

أسرة التحرير

 

 

 

 

أماجد العلماء

الحمد لله الذى اختص العلماء بوراثه الانبياء والتخلق باخلاقهم وجعلهم القدوة للكافة، فقد ضل كثير من الناس وابتعدوا عن هدى الحبيب عندما تركوا الاخذ عن اكابر علماء هذه الامة وادمنوا الاخذ من الأصاغر ففارقوا ما كان عليه سلفهم الصالح وما استقرت عليه أمة المسلمين عقودا وقرونا.

قال (لازال الناس بخير ما اخذوا العلم عن أكابرهم، فاذا اخذوا العلم عن أصاغرهم هلكوا)، وقال (إن هذا الدين علم، فانظروا عمن تاخذون)، وقال (إذا قبض العلماء اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسُئلوا فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا، ولا حول ولا قوه الا بالله).

ويقول الإمام فخر الدين محمد عثمان عبده البرهانى :

ولإن سُئلتم ما الكتاب فانه     مما رواه أماجد الأعلام

 والمجمع عليه عند السادة العلماء ان الواحد منهم لا ينتقص كلام سيدنا رسول الله  ولا يحكم بوضعه ولا يضعفه ولايقدح فيه الا اذا كان فى يده سند من آيات كتاب الله او سنة نبيه عليه افضل الصلاة وأزكى السلام, ومنذ بداية القرن الأول الهجرى والثانى والثالث والرابع وحتى يومنا هذا تولى ساداتنا من اماجد العلماء رضوان الله عليهم الحفاظ على تراث ديننا الحنيف كما احب واراد فكانت الاحاديث الصحيحة والتفاسير الصادقة واحداث التاريخ من بداية الرسالة المحمدية مع تسلسلها التاريخى إلى يومنا هذا محفوظة ومسندة بكل أمانة وصدق، ومن هؤلاء السادة العلماء الأجلاء ومع سيرته الطيبة كان

 

الإمام السهروردى

 

من كتاب عوارف المعارف لسيدى الإمام السهروردى ، الإمام السهروردى: هو شهاب الدين بن يحيى بن حبش بن أميرك السهروردى 550 - 586 هجرياً أى عاش 36 سنة، قيل إنه تُرك بقلعة حلب دون طعام حتى مات لأنه كان يحب الرياضات أى المجاهدات وقد قال وهو يحتضر:

قل لأصحاب رأونى ميتاً               فبكونى إذ رأونى حزنا

أنا عصفور وهذا قفصى               طرت عنه فتخلى وهنا

وأنا اليـــــــــــــوم أناجى ملأ               وأرى الله عيانا بهــــــــــنا

مؤلفاته كثيرة ما يقارب 49 مؤلفاً وهو صاحب مدرسة صوفية إشراقية إحتلت مكان الصدارة بين جماعة التصوف والعشق الإلهى ... وكان فقيهاً صوفياً شافعى المذهب، ويذكر ابن أبى أصيبعة أن السهروردى تجادل مع فقهاء حلب فى بلاط الملك الظاهر فى سائر المذاهب وعجزهم واستطال على أهل حلب وصار يكلمهم كلام من هو أعلى قدراً منهم فتعصبوا عليه وافتوا فى دمه حتى قتل، كما وأن المستشرق هورتن يؤيد فى الحديث عن الإمامة السهروردى بقوله: أن السهروردى أُدخل مذهبه فى دائرة الدعوة الإسماعيلية ولهذا أعتبر ثأئراً سياسياً يعمل على قلب نظام الحكم؛ وكان مصيره كمصير الحلاج من قبل، وكان رأيه فى الإمامة باعتبار أن ولاية الإمام ركناً من أركان الدين ودعامة أساسية من دعائمه بل هو الإيمان بعينه؛ والإمامة أفضل دعائم الدين وأقواها ولا يستقيم الدين إلا بها، وأن الكون لايستطيع البقاء لحظة دون إمام؛ وأنه لو فقد ساعة واحدة لماد الكون وتبدد؛ فمرتبة الإمام تعادل درجة الإيمان أو القلب فى الجسم أو العقل فى الرأس؛ وهو الذى يحل الحلال ويحرم الحرام ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة، وهذه خصائص المدرسة التى ينتمى إليها الحلاج وابن عربى والسهروردى، فقد كانوا يتمتعون بخصائص عقلية نادرة وإلمام واسع بعلوم الفلسفة فقد حاولوا أن يوفقوا بين الأديان السماوية التى سبقت وبين ما جاء به الإسلام، وقد لقى الإمام السهروردى من الفقهاء المعاندين كثيراً من العنت والاضطهاد حتى أنه يذكر فى آخر التلويحات "ولا تبذلن العلم وأسراره إلا لأهله واتق شر من أحسنت إليه من اللئام فلقد أصابنى منهم شديداً" ... إن ما خلفه السهروردى من حِكم وإشراقات عرفانية ستبقى على مر الدهور مشاعل حقانية تنير الطريق كالمشاعل لذوى البصائر الناهدة إلى الإرتشاف من رحيق الإيمان المطلق والفناء الخالص لبلوغ الهدف الأمثل والغاية القصوى، يقول السيد السهروردى وهو يتنبأ بالمصير الذى سوف يلقاه:

أبداً تحن إليــــــــــــــــــــكم الأرواح                 ووصالكم ريحانـــــــها والراح

وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم                 وإلى لذيذ لقائكم ترتــــــــــاح

ورحمة للعاشقين تكلفــــــــــــــــــــوا                 ستر المحبة والهوى فضاح

بالسر إن باحوا تباح دمائــــــهم                 وكذا دماء العاشقين تــــــــباح

وإذا هموا كتموا تحدث عنهم                 عند الوشاة المدمع السفاح

وكانت من أنسب الأبيات كلامه فى افتتاح حضرات الذكر لأهل الله:

من ذا ترى يدرى بكم من يعـــــــرف            أنتم حقيقة كل شىء يوصـــــــــــــــــــــــف

غلب الهوى أين الطبيب المسعف             ستر المحبة والهوى فضــــــــــــــــــــــــــاح

هذا الوجود جميعه إشراقـــــــــــــــــكم             وجميع من فى الكون هم عشاقكم

ماهكذا ياسادتى أخلاقـــــــــــــــــــــــكم             وقلوب أهل ودادكم تشتاقــــــــــــــــكم

وإلى لذيذ لقائكم ترتاح

يقول الإمام السهروردى فى أخلاق الصوفية وشرح الخلق: الصوفية أوفر الناس حظاً فى الاقتداء برسول الله واحقهم بإحياء سنته والتخلق بأخلاق رسول الله من حسن الاقتداء وإحياء سنته على ما أخبرنا الشيخ العالم ضياء الدين شيخ الإسلام أبو أحمد عبد الوهاب ... عن ... عن ... عن سعيد بن المسيب قال: قال لى رسول الله (يا بنى إن قدرت أن تصبح وتمسى وليس فى قلبك غش لأحد فافعل) ثم قال (يا بنى وذلك من سنتى ومن أحيا سنتى فقد أحيانى ومن أحيانى كان معى فى الجنه) هناك أناس اتبعوا أقوال الرسول وأناس اتبعوا أفعال الرسول وأناس اتبعوا أخلاق الرسول ألا وهم السادة الصوفية، يقول السيد السهروردى : الصوفية أحيوا سنة رسول الله لأنهم وقفوا فى بدايتهم لرعاية أقواله وفى وسط حالهم اقتدوا بأعماله فأثمر ذلك أن تحققوا فى نهايتهم بأخلاقه، وتحسين الأخلاق لا يأتى إلا بعد تزكية النفس وطريق التزكية بالإذعان لسياسة الشرع وقد قال الله تعالى لنبيه محمد ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم 4، أى على دين عظيم والدين مجموع الأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة، ولا يبعد والله أعلم، إن قول السيدة عائشة (كان خلقه القرآن) فيه رمز غامض وإيماء خفى إلى الأخلاق الربانية فاحتشمت من الحضرة الإلهية أن تقول متخلقاً بأخلاق الله تعالى فعبرت عن المعنى بقولها كان خلقه القرآن استحياء من سبحات الجلال وستراً للحال بلطف المقال وهذا من وفور علمها وكمال أدبها، وبين ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِى وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ﴾ الحجر 87، وبين قوله ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ مناسبة مشعرة بقول عائشة (كان خلقه القرآن).

قال الإمام الجنيد : كان خلقه عظيماً لأنه لم يكن له همة سوى الله تعالى، وقال الواسطى : لأنه جاد بالكونين عوضاً عن الحق، وقيل: لأنه عاشر الخلق بخلقه وباينهم بقلبه، وهذا ما قاله بعضهم فى معنى التصوف: التصوف الخلق مع الخلق والصدق مع الحق وقيل: عظم خلقه حيث صغرت الأكوان فى عينيه بمشاهدة مكونها، وقيل: سمى خلقه عظيماً لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، عن جابر أن سيدنا رسول الله قال (أن من أحبكم إلى وأقربكم منى مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً وأن أبغضكم إلى وأبعدكم منى مجلساً يوم القيامة الثرثارون - المتشدقون – المتفيهقون) ... قالوا يا رسول الله عرفنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: (المتكبرون).

والثرثار: هو المكثر من الحديث والمتشدق: المتطاول على الناس فى الكلام.

قال الواسطى : الخلق العظيم لا يخاصِم ولا يخاصَم وقيل: من أوتى الخلق فقد أوتى أعظم المقامات لأن للمقامات ارتباطاً عاماً والخلق ارتباط بالنعوت والصفات، وقال سيدنا الجنيد : اجتمع فيه أى الخلق أربعة أشياء: السخاء والألفة والنصيحة والشفقة، وقال أبو سعيد القرشى: العظيم هو الله ومن أخلاقه الجود والكرم والصفح والعفو والإحسان، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام (إن لله مائة وبضعة عشر خُلقاً من أتى بواحد منها دخل الجنة) فلما تخلق بأخلاق الله تعالى وجد الثناء عليه بقوله ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ وعن السيدة عائشة قالت: كان نبى الله يقول (مكارم الأخلاق عشرة تكون فى الرجل ولا تكون فى ابنه وتكون فى ابنه ولا تكون فى أبيه وتكون فى العبد ولا تكون فى سيده يقسمها الله تعالى لمن أراد به السعادة ...صدق الحديث - صدق البأس وألا يشبع وجاره وصاحبه جائعان وإعطاء السائل والمكافأة بالصنائع وحفظ الأمانة وصلة الرحم والتزمم بالصاحب وإقراء الضيف ورأسهن الحياء) وسُئل رسول الله عن أكثر ما يدخل الجنة قال (تقوى الله وحسن الخلق) وفسر عبد الله بن المبارك حسن الخلق فقال: هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى، فالصوفية راضوا نفوسهم بالمكابدات والرياضة والمجاهدات حتى أجابت إلى تحسين الأخلاق وكم من نفس تجيب إلى الأعمال ولا تجيب إلى الأخلاق، فنفوس العباد: أجابت إلى الأعمال وجمحت عن الأخلاق، ونفوس الزهاد: أجابت إلى بعض الأخلاق دون البعض، ونفوس الصوفية أجابت إلى الأخلاق الكريمة كلها.

فالعباد: أجابت نفوسهم إلى الأعمال لأنهم يسلكون بنور الإسلام، والزهاد: أجابت نفوسهم إلى بعض الأخلاق لكونهم سلكوا بنور الإيمان، والصوفية: سلكوا بنور الإحسان لأن القلب يبيض بعضه بنور الإسلام وبعضه بنور الإيمان وكله بنور الإحسان واليقين.

وقد أوصى رسول الله معاذاً بوصية لمحاسن الأخلاق فقال له (يا معاذ أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وترك الخيانة وحفظ الجوار ورحمة اليتيم ولين الكلام وبذل السلام وحسن العمل وقصر الأمل ولزوم الإيمان والتفقه فى القرآن وحب الآخرة والجزع من الحساب وخفض الجناح وإياك أن تسب حليماً أو تطمع آثماً أو تعصى إماماً عادلاً أو تفسد أرضاً أوصيك أن تتقى الله عند كل حجر وشجر ومدر وأن تحدث لكل ذنب توبة، السر بالسر والعلانية بالعلانية، بذلك أدب الله عباده ودعاهم إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب) وروى معاذ أيضاً عن رسول الله (حُف الإسلام بمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب) صدق رسول الله .

وقد لخص الإمام السهروردى من أخلاق السادة الصوفية الآتى:

التواضع - المداراة واحتمال الأذى من الخلق - الإيثار والمواساة ويحملهم على ذلك الشفقة والرحمة طبعاً - التجاوز والعفو ومقابلة السيئة بالحسنة - البشر وطلاقة الوجه، وجه بشوش ولا جوهر بملئ الكف - السهولة ولين الجانب والنزول مع الناس إلى أخلاقهم وطباعهم؛ وترك التعسف والتكلف - الإنفاق من غير اقتدار وترك الادخار - القناعة باليسير من الدنيا - ترك المراء والمجادلة والغضب إلا بحق واعتماد الرفق والحلم - شكر المحسن على إحسانه والدعاء له - بذل الجاه للإخوان والمسلمين كافة.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ماهر حسين خير الله

 

استعنت بكتاب السهروردى للدكتور مصطفى غالب، ومن أراد المزيد فعليه بالعودة لكتاب عوارف المعارف للإمام السهروردى ونفعنا به ... آمين.