يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمين عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

ما هو الآذان الشرعى؟

 

نقول وبالله التوفيق إن بعض الناس فى عصرنا قد تمسكوا بطريقة معينة فى أداء الآذان، كالوقوف على رأس كل تكبيرة، منكرين لحسن الصوت، متجاهلين لأقوال المذاهب الفقهية، حتى أنهم أصبحوا يؤدون ألفاظ الآذان بشدة وغلظة واقتضاب، زاعمين أن آذانهم هذا هو الآذان الشرعى، وماعداه ليس شرعياً، ونقول لهم أنترك كلام الإمام مالك ابن أنس راوى الحديث المشهور والقريب العهد من سيدنا رسول الله ، ونترك كلام الأئمة أبو حنيفة وأحمد والشافعى، ونأخذ بكلامكم؟!! لا واللهِ ولمَ بعد هذه القرون والألف سنة الماضية نشيع الخلاف بين المسلمين، ولمَ نرفض المذاهب الأربعة، فإذا كان على سبيل الاجتهاد فلمَ هذا الاجتهاد الذى يثير الجدل والاقتتال، أليس الأولى أن نتبع ولا نبتدع ونحن فى ذلك متبعين لاجماع الأئمة وتلاميذهم الأجلاّء.

فانظر يا أخى هداك الله الى ما قاله الإمام أبو حنيفة النعمان والإمام الشافعى فى كتب الفقه: إن الوقوف على رأس كل جملة فى الآذان مندوب، إلا التكبير فإنه يقف على رأس كل تكبيرتين.

وقال المالكية: أن الوقوف على رأس كل جملة من جمل الآذان شرط، إلا التكبير الأول فإنه مندوب والمندوب عندهم إن تركه فلا عقاب عليه.

وأما الحنابلة فقد قالوا: يندب الوقوف على كل جملة من جمل الآذان ولو كانت من جمل التكبير، وترك المندوب عندهم لا يعاقب عليه.

ورغم هذا التفصيل فى المذاهب الذى أجمع المسلمون عليه، إلا أنك تجدهم يؤدون الآذان بإفراد جمل التكبير الأولى مشيعين بين عامة المسلمين وجهلة الفقه أن هذا هو الآذان الشرعى، وهذا يُثير البلبلة بين الناس وعدم احترام رأى الأئمة العظام، ثم أنهم قد أنكروا حسن الصوت فى الآذان، ألم يقرأوا الحديث الذى ورد فى كتاب البخارى الذى نصه: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ بِالنَّاقُوسِ فَيُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ فِى الْجَمْعِ لِلصَّلاةِ، أَطَافَ بِى وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِى يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَاعَبْدَ اللهِ تَبِيعُ النَّاقُوسَ، قَالَ: وَمَاتَصْنَعُ بِهِ، قُلْتُ: أَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلاةِ، قَالَ: أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى مَاهُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: تَقُولُ اللهُ أَكْبَر،ُ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَىَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَىَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَىَّ عَلَى الْفَلاحِ، حَىَّ عَلَى الْفَلاحِ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّى غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ قَالَ: تَقُولُ: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَىَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَىَّ عَلَى الْفَلاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ فَأَخْبَرْتُهُ مَارَأَيْتُ، فَقَالَ (إِنَّ هَذَا رُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللهُ فَقُمْ مَعَ بِلالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَارَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنُ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى مِنْكَ صَوْتَا) فَقُمْتُ مَعَ بِلالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِى عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ، فَسَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِى بَيْتِهِ، فَخَرَجَ يُجَرِّرُ رِدَاءَهُ يَقُولُ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِى رَأَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ (فَلِلِّهِ الْحَمْدُ).

فهذا دليل أكيد على ضرورة حسن صوت المؤذن، فلم ينكرون حسن الصوت بعد كلام الحبيب المصطفى ، فهل وصل بهم الجرأة على أئمة المذاهب، حتى أنهم قد تجرأوا على كلام المصطفى ، ألم يقرأوا فى كتاب الله ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ آل عمران 103، 104.

فالاعتصام فى عدم الفرقة، والنعمة فى الألفة وعدم الفرقة، والذى يجلب العداء بين المسلمين تركه أولى، والدعوة الى الخير والأمر بالمعروف هو هذا، والذى يجلب الفرقة هو المنكر بعينه.

وانظر الى التأويل فى هذه الآية لابن عجيبة حيث يقول: المذاهب كلها وقع فيها الاختلاف والتفرق فى الأصول والفروع، إلا مذاهب الصوفية فكلها متفقة بداية ونهاية، إذ بدايتهم مجاهدة، ونهايتهم مشاهدة، وإلى ذلك أشار فى المباحث، حيث قال:

مذاهبُ الناسِ على اخْتلاف           ومَذْهَبُ القَوْمِ على ائْتِلاَف

وإن وقع الاختلاف فى بعض الطرق الموصلة إلى المقصود، فقد اتفقت فى النهاية، بخلاف أهل الظاهر، لا تجدهم يتفقون إلا فى مسائل قليلة، لأن مذهبهم مبنى على غلبة الظن، ومذهب القوم مبنى على التحقيق ذوقاً وكشفاً، وكذلك ائتلفت أيضاً قلوبهم وأرواحهم، إذ كلهم متخلقون بالشفقة والرأفة والمودة والألفة والصفا؛ لأنهم دخلوا الجنة -أعنى جنة المعارف- فتخلقوا بأخلاق أهل الجنة، قال تعالى ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ الحجر 47، فيقال لهم بعد الفتح ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً﴾ قبل اتصالكم بالطبيب ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ متحابين ﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ﴾ نار القطيعة والحجاب ﴿فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾ مثل هذا البيان يوضح الله آياته، أى: تجلياته ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ إلى مشاهدة ذاته فى أنوار صفاته.

جعلنا الله أهل رحمة ورأفة، بعيدين عن الفرقة، ومايوصل إليها بمن الله وكرمه، آمين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وإلى اللقاء فى العدد القادم بإذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

محمد مقبول