يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

 

 

كل من فى القبور أموات

 

يعتقد بعض الناس اعتقادا خاطئا وهو أن كل من فى القبور اموات, وهذا القول يخالف ما جاء فى الكتاب  والسنة النبوية الشريفة.

فقد ورد فى كتاب الله ما يخالف هذا الاعتقاد حيث يقول ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. آل عمران 3: 169-170.

يقول الإمام بن عجيبة فى تفسير هذه الآية: يقول الحقّ ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ﴾ أيها الرسول، أو أيها السامع ﴿الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ﴾ هم ﴿أَحْيَاءٌ﴾ لأن الله تعالى جعل أرواحهم فى حواصل طير خضر، يسرحون فى الجنة حيث شاءوا عند ربهم، بالكرامة والزلفى، يُرزقون من ثمار الجنة ونعيمها، فحالهم حال الأحياء فى التمتع بأرزاق الجنة، بخلاف سائر الأموات من المؤمنين، فإنهم لا يتمتعون بالأرزاق حتى يدخلوا الجنة.

قلت: شهداء الملكوت -وهم العارفون- أعظم قدراً من شهداء السيوف، وراجع ما تقدم في سورة البقرة.

﴿فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ من الكرامة والزلفى والنعيم الذي لا يفنى، ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أى: بإخوانهم الذين لم يُقتلوا فيلحقوا بهم من بعدهم. وتلك البشارة هى ﴿أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، أو من أجل ﴿أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

والحاصل: أنهم يستبشرون بما تبين لهم من الكرامة في الآخرة، وبحال من تركوا من خلفهم من المؤمنين، وهو أنهم إذا ماتوا أو قُتلوا، كانوا أحياء، حياة لا يدركها خوفُ وقوعِ محذور، ولا حزن فوات محبوب. فالآية تدل على أن الإنسان غير الهيكل المحسوس، بل هو جوهر مُدرِك بذاته، لا يفنى بخراب البدن، ولا يتوقف على وجود البدن إدراكه وتألمُه والتذاذه. ويؤيد ذلك قوله تعالى فى آل فرعون ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُواً وَعَشِيّاً﴾ غَافِر 40: 46، وما رَوى ابنُ عباس من أنه قال (أرْواحُ الشهداء فى أجْوافِ طَيْرِ خَضْرٍ، تَرِدُ أنْهارَ الجنّةِ، وتَأكُلُ منْ ثِمارِها، وتَأوِى إلى قَنَادِيلَ مُعلَّقةٍ في ظلِّ العَرشِ) قال معناه البيضاوى.

ولمّا ذكر استبشارهم بإخوانهم ذكر استبشارهم بما يخصهم فقال ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ﴾ آل عمران 3: 171؛ وهو ثواب أعمالهم الجسمانى، ﴿وَفَضْلٍ﴾ وهو نعيم أرواحهم الروحانى، وهو النظر إلى وجهه الكريم، ويستبشرون أيضاً بكونه تعالى ﴿لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ماتوا فى الجهاد أو على فرشهم، حيث حسنت سريرتهم وكرمت علانيتهم، قال (إن لله عباداً يصرفهم عن القتل والزلازل والأسقام، يطيل أعمارهم فى حسن العمل، ويحسن أرزاقهم، ويحييهم فى عافية، ويميتهم فى عافية على الفرش، ويعطيهم منازل الشهداء) قلت: ولعلهم العارفون بالله، جعلنا الله من خواصهم، وسلك بنا مسالكهم. آمين.

وفى الإشارة يقول: لا تحسبن الذين بذلوا مُهجهم، وقتلوا أنفسهم بخرق عوائدها، وعكس مراداتها، فى طلب معرفة الله، حتى ماتت نفوسهم، وحييت أرواحهم بشهود محبوبهم، حياة لا موت بعدها، فلا تظن أيها السامع أنهم أموات، ولو ماتوا حِسّاً، بل هم أحياء على الدوام، وفى ذلك يقول الشاعر:

مَوْتُ التَّقِىِّ حَيَاةٌ لا فَنَاءَ لَهَا قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَهُمْ فِى النَّاسِ أَحْيَاءُ

فهم عند ربهم يشاهدونه مدة بقائهم، يرزقون من ثمار المعارف وفواكه العلوم، فرحين بما أتحفهم الله به من القرب والسر المكتوم، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم فى المرتبة ممن تعلق بهم وأنهم سيصلون إلى ما وصلوا إليه من معرفة الحى القيوم، فلا يلحقهم حينئذٍ خوف ولا حزن ولا هم ولا غم، لما سكن فى قلبهم من خمرة محبة الحبيب، والقرب من القريب المجيب، وفى ذلك يقول ابن الفارض:

وإِنْ خَطَرَتْ يوماً علَى خاطِر امْرِئ              أقَامَتْ به الأفْرَاحُ، وارتَحلَ الهمُّ

يستبشرون بنعمة أدب العبودية، وفضل شهود أسرار عظمة الربوبية، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين المحبين لطريق المخصوصين، فإن محبة طريق القوم عناية، والتصديق بها ولاية، وبالله التوفيق وهو الهادى إلى سواء الطريق.

بعد أن عرضنا تفسير ابن عجيبة ؛ هذا العالم الجليل نعرض لكم آية آخرى تقول ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ البقرة 2: 154.

والآية واضحة وضوح الشمس فهى تنهانا عن أن نقول عنهم أنهم أموات, وسوف يقول البعض لكن هذا حال من استشهد فى القتال فنقول له ألم تسمع الحديث المشهور رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر, هذا الحديث قاله المصطفى بعد غزوة فقالوا له وما هو الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال ألا وهو جهاد النفس أو كما قال .

ولك أن تنظر يا أخى إذا كان ما قلناه سابقاً هو حال من قتل فى الجهاد الأصغر وهو أن الله تعالى يوهب له حياة عقب موته ولا يصح أن نقول عنه أنه مات فما بالك بحال من أدركه الموت وهو يجاهد نفسه.

جعلنا الله من الذين يجاهدون أنفسهم فى الحياة الدنيا فنحيا بعد الموت حياة طيبة مع النبيين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً وإلى لقاء آخر بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 محمد مقبول