سيد الشهداء 3

 

ومازلنا فى رحاب سيدنا ومولانا الإمام الحسين وهاهى قد قاربت رياح الإحتفال بذكراه بمصر الإمام الحسين، ونستشعر نسمات هذه الذكرى العطرة من خلال تدارس أحد أبيات فرائد سيدى فخر الدين وهى القصيدة التى نظم فيها النثر ليبلغنا من نظمه أصول وآداب وكيفية زيارة رحاب سيدنا ومولانا الإمام الحسين، وما يجب على المريد من استشعاره فى قلبه أثناء زيارته، وما يجب على المريد من التلفظ به أى بلسانه أثناء هذه الزيارة أيضاً، وذلك ما لهذا المكان من مكانة ومنزلة عند الله ورسوله، ففيه مرقد سبط حبيبه وريحانته، والأحاديث فى هذا الشأن عنه كثيرة، تمتلئ بها كتب السابقين من السلف الصالح أجمعين، تؤيد ما نقول، ولا يختلف عليهم إلا المنكرين، الذين لا يخلون من أى زمان، فتراهم وكأنهم دعاة إبليس، يصدون عن سبيل الله ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، وأى وصل أعظم من وصل رحم رسول الله فهم سُفن النجاة للخلق، ونرى سيدى فخر الدين يحيى لنا هذا الوصل بأبياته ويقول:

يَا ثَانِىَ اثْنَيْنِ الْبَتُولُ تَمَخَّضَتْ        عَنْكُمْ لِتَلْقَى سَعْدَهَا الأَيَّامُ (24/7)

وإذا ذهبنا إلى أهل اللغة كى يطلعونا عن المعنى اللغوى للبيت لوجدنا عندهم الكثير والكثير من المعانى ونوجزها فيما يلى:

البتول: البَتْل القَطْع، وتَبَتَّلَ إِلى الله تعالى انقطع وأَخلص وفى التنزيل وتَبَتّل إِليه تبتيلاً، والتَّبَتُّلُ الانقطاع عن الدنيا إِلى الله تعالى، والتبتيل يقال للعابد إِذا ترك كل شىء وأَقبل على العبادة قد تَبَتَّل أَى قطع كُلَّ شىء إِلا أَمْرَ الله وطاعتَه، سئل أَحمد بن يحيى عن سيدتنا فاطمة الزهراء رضوان الله عليها بنت سيدنا رسول الله لم قيل لها البَتُول؟ فقال لانقطاعها عن نساء أَهل زمانها ونساء الأُمة عفافاً وفضلاً وديناً وحسباً، وقيل لانقطاعها عن الدنيا إِلى الله عز وجل، وامرأَة مُبَتَّلة الخَلْق أَى منْقطعة الخَلْق عن النساء، لها عليهن فضل من ذلك.

ثانى اثنين: سيدنا الحسن وسيدنا الحسين.

تمخضت: المَخاضُ وَجعُ الوِلادةِ وكلُّ حامل ضرَبها الطلْقُ فهى ماخِضٌ وقوله عزّ وجلّ فأَجاءها المَخاضُ إِلى جِذْعِ النخلةِ المَخاضُ وجَعُ الوِلادةِ وهو الطلْق، ومَخَضَ اللبنَ يَمْخَضُه ويَمْخِضُه ويَمْخُضُه مَخْضاً ثلاث لغات فهو مَمْخُوضٌ ومَخِيضٌ أَخذ زُبْده وقد تَمَخَّضَ والمَخِيضُ والمَمْخُوض الذى قد مُخِضَ وأُخذ زُبده.

والسعد : ضد الشقاء، وسعد الأيام المقصود بها سعد من فى الأيام.

فالشيخ يقول: يا ثانى اثنين انت ثانى اثنين ولدتهم السيدة فاطمة البتول رضوان الله عليها المنقطعة النظير، التى ليس لها نظير عن نساء أهل زمانها ونساء الأمة عفافاً وفضلاً وديناً وحسباً ونسباً، والاثنان هما انت وسيدنا الحسن.

فقد انجبتكم أعظم أم  فانتم أعظم خلق الله جاء بكم الله إلى هذه الدنيا برحمته ليسعد من سعد بمودتكم، فبمودتكم تحل المغفرة والشكر والرضوان من الله تعالى بل وتحل البركة أيضاً ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ هود 11: 73، فكان موطنهم ومجلسهم أجمعين، هو موطن الرحمات والبركات والفيوضات من رب العباد، وأى شقاء يبقى بعد هذا؟ فلا شقاء بل سعادة، فحبهم دين وبغضهم كفر، وكان هذا الأمر الأخير لا يعرفه رجال الدين من أهل السلف فحسب، بل كان يعرفه الشعراء من أهل السلف أيضاً، وقالوه فى أشعارهم، فقد ورد عن الفرزدق وهو من أشهر شعراء العرب، أنه قال فى حق سيدى على زين العابدين ابن سيدنا ومولانا الإمام الحسين أجمعين:

مِنْ مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ وَبُغْضُهُمُ          كُفْرٌ وَقُرْبُهُمُ مَنْجَىً وَمُعْتَصَمُ

وبعد ذلك يقول الإمام فخر الدين :

تَاللهِ مَا حَنَثَ الْيَمِينُ فَإِنَّكُمْ         أَنْتُمْ أَمَانُ الْكَوْنِ أَنْتَ سَلاَم (24/8)

تالله: يمين من الإمام .

ماحنث اليمين: أى ما انتقضت فى هذا اليمين ولا انتكست فيه، ولا أثمت فيه.

أنتم أمان الكون: كيف لا وقد قال المعصوم صلوات ربى وسلامه عليه (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتى أمان لأمتى من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة اختلفوا فصاروا حزب إبليس). أخرجه الإمام السيوطى فى جمع الجوامع عن الحاكم.

فالإمام رضوان الله عليه يحلف لنا وذلك لكثرة الإنكار فى زماننا، أن سيدنا الحسين وسيدنا الحسن والمضمون إذا رجعنا للحديث أن أهل البيت هم سبب أمن الآمنين وسلامهم وصدق رسول الله فيما قال.

وقال أيضاً الإمام فخر الدين مستكملاً القصيدة:

يَا سَيِّدًا مِنْ سَيِّدٍ وَمُبَجَّلٍ         يَا مَلْجَأَ الْأَحْبَابِ حَيْثُ أَقَامُوا (24/9)

يا سيداً: فهو القائل عنه رسول الله صلوات ربى وسلامه عليه (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) أخرجه ابن ماجه والترمذى والنسائى فى سننهم، والإمام أحمد فى مسنده، وابن حبان فى صحيحه.

مِن سيدٍ: وهو الإمام على بن أبى طالب ، القائل عنه الحبيب المصطفى (أنا سيد ولد آدم وعلى سيد العرب) أخرجه الإمام السيوطى فى جمع الجوامع عن الحاكم من حديث سيدتنا عائشة ، والقائل عنه أيضاً (من كنت مولاه فعلى مولاه) أخرجه ابن ماجه والترمذى والنسائى فى سننهم والإمام أحمد فى مسنده.

فانظر يا أخى الكريم من يكون هذا؟ إنه المبجل: أى المعظم، وقيل هو الشيخ الكبير العظيم السيد مع جَمَال ونُبْل.

ياملجأ: المَلْجَأُ المَعْقِلُ والجمع أَلْجاءٌ ويقالُ أَلْجَأْتُ فلاناً إِلى الشىئِ إِذا حَصَّنْته، ملجأ أى حصن من الاختلاف كما فى الحديث السابق، وملجأ لنا من الضلال كما أخبرنا المصطفى (إنى قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدى الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتى أهل بيتى ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض) أخرجه الإمام أحمد فى مسنده والترمذى فى سننه.

فهو ملجأ لمن عمل بهذه الاحاديث وهو القائل عنه (حسين منى وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط) أخرجه ابن ماجه والترمذى فى سننيهما، وابن حبان فى صحيحه، فهو ملجأ للأحباب فى أى مكان يقيمون فيه وقال المصطفى (المرء مع من أحب) أخرجه الترمذى والنسائى فى سننيهما والبخارى ومسلم فى صحيحيهما والإمام أحمد فى مسنده والبيهقى فى شعب الإيمان.

فاللهم واجعل حبهم وحب ذرياتهم فى قلوبنا وقلوب أبنائنا إلى أن نلقاك يا كريم بجاه حبيبك ومصطفاك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 محمد مقبول