كان .. ما .. كان

سيدنا لوط

 

بعد هجرة سيدنا إبراهيم إلى مصر ثم عودته إلى الشام، كان يصحبه سيدنا لوط إلى أن أرسله الله تعالى إلى قوم سدوم، وكانوا أهل كفر وركوب الفاحشة، وقد قال الله تعالى فى كتابه العزيز فى الآيتين 28 و29 من سورة العنكبوت ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ • أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ وكان سيدنا لوط يدعوهم إلى عبادة الله وينهاهم عن الأمور التى يكرهها الله منهم، ويتوعدهم بالعذاب الأليم لإصرارهم على ارتكاب تلك المعاصى، وعدم التوبة والرجوع إلى الله، فلم ينهاهم ذلك، ولم يزيدهم وعظه إلا تمادياً واستعجالاً لعقاب الله، ويقولون له: ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين، حتى سأل سيدنا لوط ربّه النصرة عليهم ما زاد أمرهم وتماديهم فى الغىّ، فأرسل الله لما أراد هلاكهم ونصر رسوله، أرسل جبرائيل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام، فأقبلوا فى صورة رجال، وأمرهم المولى تبارك وتعالى بالذهاب أولاً إلى سيدنا إبراهيم، حتى انتهوا إلى إبراهيم وهو فى زرع له يثير الأرض، فلما بلغ الماء إلى سكته من الأرض ركز مساحته فى الأرض فصلى خلفها ركعتين، فنظرت الملائكة إلى إبراهيم فقالوا: لو كان الله يبتغى أن يتخذ خليلاً لاتخذ هذا العبد خليلاً، ولا يعلمون أن الله قد اتخذه خليلاً, فلمّا نزلوا عليه، كان قد مضى عليه خمسة عشر يوماً لم يأتيه ضيف، فرح بهم كثيراً ولم يرى مثلهم حسناً ووضاءة، فقال: لا يخدم هؤلاء القوم أحد إلاّ أنا بيدى، فخرج إلى أهله فجاء بعجل سمين قد حنّذه أى أنضجه، فقرّبه إليهم، فأمسكوا أيديهم عنه.

﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ هود 11: 70، وبشروا السيدة سارة بسيدنا إسحاق ومن ورائه سيدنا يعقوب، فقالت: ياويلتى أألد وأنا عجوز، وزوجى شيخ كبير إن هذا لشيئ عجيب، وقد كانت السيدة سارة ابنة تسعين سنة، وكان سيدنا إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة، بعد ذهاب الروع عن سيدنا إبراهيم وسماعه البشرى ذهب ليجادل جبريل فى قوم لوط، فقال له: أرأيت إن كان فيهم خمسون من المسلمين؟ قالوا: إن كان فيهم خمسون من المسلمين لم يعذّبهم؟ قال لهم: وأربعون، قالوا: وأربعون؟ قال: وثلاثون، حتى بلغ عشرة، فقالوا: وإن كان فيهم عشرة لم يعذبهم؟ قال: أرأيتم إن كان فيها رجل واحد من المسلمين أتهلكونها؟ قالوا: لا، فعند ذلك قال ﴿قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ العنكبوت 29: 32، ثمّ مضوا إلى سدوم قرية سيدنا لوط، روى أنهم وجدوا سيدنا لوطاً يعمل فى أرض له خارج البلدة، وكان الله تعالى اشترط على الملائكة ألا يهلكوهم حتى يشهد عليهم سيدنا لوط أربع شهادات، فلما جاءوا سيدنا لوط، وقالوا له: إنّا ضيوفك اللّيلة، فانطلق بهم إلى بيته، وبعد فترة من سيرهم قال لهم: أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ فقالوا: ماذا؟ قال: والله ما أعلم على ظهر الأرض إنساناً أخبث منهم، حتى قال ذلك أربع مرّات، وروى أنهم لقوا ابنة سيدنا لوط، فقالوا: يا جارية هل من منزل؟ قالت: نعم ولكن لا تدخلوا البلدة حتى آتيكم، فقد خافت عليهم من قومها، فأتت أباها فقالت: يا أبتاه أدرك فتياناً على باب المدينة، ما رأيت أصبح وجوهاً منهم لئلا يأخذهم قومك فيفضحوهم، وكان قومه قد اشترطوا عليه ألا يضيف رجلاً، فجاء بهم فلم يعلم إلاّ أهل بيته، فخرجت إمرأته فأخبرت قومها، وكانت لها طريقة فى إعلام قومها إذا جاء ضيوف لسيدنا لوط، فقد كانت ترسل إلى جيرانها تطلب منهم ملحاً، فيعلمون أن فى منزل سيدنا لوط ضيوف فيأتون مسرعين، وعندما جاء القوم أغلق سيدنا لوط الباب فى وجوههم وقال لهم ﴿اتَّقُوا اللهَ وَلَا تُخْزُونِ فِى ضَيْفِى أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ هود 11: 78، وعرض عليهم واحدة من بناته بدلاً من الضيوف فقالوا له ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ هود 11: 79، فلما لم يقبلوا منه ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ هود 11: 80، يعنى لو أنّ لى أنصاراً أو عشيرة يمنعونى منكم، فلمّا قال ذلك قال له الرسل: إنّ ركنك لشديد، ولم يبعث الله نبياً إلا فى ثروة من قومه ومنعة من عشيرته، وهجم القوم على الباب ففتحوه ودخلوا، فاستأذن جبريل ربّه فى عقوبتهم فأذن له، فبسط جناحه ففقأ أعينهم، وخرجوا يدوس بعضهم بعضاً عمياناً يقولون: النجاة ... النجاة فى بيت لوط أسحر قوم فى الأرض وقالوا فقالت الرسل لسيدنا لوط ﴿إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ هود 11: 81، فأخرجهم الله تعالى إلى الشام، وقال لهم سيدنا لوط: أهلكوهم الساعة، فقالوا: لن نأمر إلاّ بالصبح، فلما كان الصبح أدخل جبريل جناحه فى أرضهم وقراهم الخمس فرفعها حتى سمع أهل السماء صياح ديكتهم ونباح كلابهم، ثمّ قلبها فجعل عاليها سافلها وأمطر عليهم حجارة من سجيل، وسمعت امرأة لوط الهدّة فقالت: واقوماه فأدركها حجر فقتلها، ونجّى الله لوطاً وأهله إلاّ امرأته، وذكر أن عدد قومه كان أربعمائة ألف، وأن مدائن قوم لوط ويقال لها المؤتفكات وقيل هى سبع وقيل هى خمس وفى ضبطها إشكال، وسدوم أعظم قراهم وعامورة وضبعة ودوما وصعوة، وأخرج ابن أبى الدنيا والبيهقى وابن عساكر عن أبى حمزة قال: قلت لمحمد بن على: عذب الله نساء قوم لوط بعمل رجالهم؟ قال: الله أعدل من ذلك، استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء. وأخرج عبد الرزاق وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجة وابن أبى الدنيا والحاكم وصححه والبيهقى عن ابن عباس: أن النبى قال (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به).

أحمد نور الدين عباس