عمير بن وهب

 

’والذى نفسى بيده لخنزير كان أحبَّ إلى من عمير حين طلع علينا، ولهو اليوم أحبُّ إلى من بعض ولدى‘ عمر بن الخطاب

عمير بن وهب الجُمَحى كان يلقبه أهل مكة بشيطان قريش، وبعد إسلامه أصبح حوارى باسل من حوارى الإسلام ولاءه الدائم للرسول والمسلمين.

وفى يوم بدر كان واحدا من قادة المشركين الذين حملوا سيوفهم ليجهزوا على الإسلام، كان حديد البصر محكم التقدير، ندبه فومه ليستطلع لهم عدد المسلميـن، وإذا كان من ورائهم كميـن أو مـدد، فعاد من معسكـر المسلميـن قائلا لقومه: (إنهم ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلا أو ينقصون). وسألوه: (هل وراءهم أمداد لهم). فقال: (لم أجد وراءهم شيئا، ولكن يا معشر قريش رأيت المطايا تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم مَنَعة ولا ملجـأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجـل منهم حتى يقتل رجلا منكم، فإذا أصابوا منكم مثل عددهم، فما خير العيش بعد ذلك؟ فانظروا رأيكم) ... وتأثر الرجال بقوله وكادوا يعودون الى مكة، لولا أبو جهل الذى أضرم نار الحقد فى نفوسهم فكان هو أول قتلاها ... وعادت قريش مهزومة، كما خلّف عمير وراءه ابنه فى الأسر.

وذات يوم جلس عمير بن وهب مع ابن عمه صفوان بن أمية، وكان حقد صفوان على المسلمين كبيرا فقد قتل أباه أمية بن خلف فى بدر، فقال صفوان وهو يتذكر قتلى بدر: ’والله ما فى العيش بعدهم خير‘ ... فقال له عمير: ’صدقت، ووالله لولا دَيْن على لا أملك قضاءه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدى لركبت الى محمد حتى أقتله، فإن لى عنده عِلّة أعتَلّ بها عليه: أقول قدمت من أجل ابنى هذا الأسير‘ ... فاغتنمها صفوان وقال: ’على دَيْنك ، أنا أقضيه عنك، وعيالُك مع عيالى أواسيهم ما بقوا‘ ... فقال له عمير: ’إذن فاكتم شأنى وشأنك‘ ... ثم أمر عمير بسيفه فشُحذ له وسُمَّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة ...

وبينما عمر بن الخطاب فى نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، إذ نظر عمر فرأى عمير بن وهب قد أناخ راحلته على باب المسجد متوشحا سيفه، فقال: ’هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشر، فهو الذى حرّش بيننا وحَزَرنا للقوم يوم بدر‘. ثم دخل عمر على الرسول فقال: ’يا نبى الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء مُتَوشحا سيفه‘. قال الرسول : (أدخله على). فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه فى عُنُقه، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: ’ادخلوا على رسول الله فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون‘.

ودخل به عمر على النبى وهو آخذ بحمالة سيفه فى عُنقه، فلما رآه الرسول قال: (دعه يا عمر، ادْنُ يا عمير)، فدنا عمير وقال: ’انعموا صباحا‘، وهى تحية الجاهلية، فقال له الرسول : (قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة)، فقال عمير: ’أما والله يا محمد إن كُنتُ بها لَحديث عهد‘، قال الرسول : (فما جاء بك يا عمير؟)، قال :’جئت لهذا الأسير الذى فى أيديكم‘، قال النبى: (فما بال السيف فى عُنُقك؟) قال عمير: ’قبَّحها الله من سيوف، وهل أغنت عنّا شيئا؟!‘، قال الرسول : (أصدقنى يا عمير، ما الذى جئت له؟) قال: (ما جئت إلا لذلك)، قال الرسول الكريم: (بل قعدت أنت وصفوان بن أمية فى الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دَيْن على وعيال عندى لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمّل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلنى له، والله حائل بينك وبين ذلك)، وعندئذ صاح عمير: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، هذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله ما أنبأك به إلا الله، فالحمد لله الذى هدانى للإسلام)، فقال الرسول لأصحابه: (فَقِّهوا أخاكم فى الدين وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره).

ومنذ غادر عمير بن وهب مكة الى المدينة راح صفوان ينتظر وهو فرحا مختالا، وكلما سئل عن سبب فرحه يقول: ’أبشروا بوقعة يأتيكم نبأها بعد أيام تُنسيكم بدر‘، وكان يخرج كل صباح الى مشارف مكة ويسأل القوافل والركبان: ’ألم يحدث بالمدينة أمر؟‘، حتى لقى مسافر أجابه: ’بلى حدث أمر عظيم‘، وتهلَّلت أسارير صفوان وعاد يسأل الرجل: ’ماذا حدث اقصص على؟‘ فأجابه الرجل: ’لقد أسلم عمير بن وهب، وهو هناك يتفقه فى الدين ويتعلم القرآن‘، ودارت الأرض بصفوان وأصبح حُطاما بهذا النبأ العظيم،

وذات يوم أقبل عمير على رسول الله وقال: ’يا رسول الله، إنى كنت جاهدا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل، وإنى لأحب أن تأذن لى فأقدُم مكة فأدعوهم الى الله تعالى، والى رسوله والى الإسلام، لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم فى دينهم كما كنت أوذى أصحابك فى دينهم‘. وبالفعل عاد عمير الى مكة، وأول من لقيه كان صفوان بن أمية، وما كاد يراه حتى هم بمهاجمته، ولكن السيف المتحفز فى يد عمير ردَّه الى صوابه، فاكتفى بأن ألقى على سمع عمير بعض شتائمه ومضى فى سبيله، ودخل عمير مكة مسلما فى روعة صورة عمر بن الخطاب يوم إسلامه، وهكذا راح يعوض ما فاته، فيبشر بالإسلام ليلا نهارا، علانية وجهرا، يدعو الى العدل والإحسان والخير، وفى يمينه سيفه يُرهب به قطاع الطرق الذين يصدون عن سبيل الله من آمن به، وفى بضعة أسابيع كان عدد الذين أسلموا على يد عمير يفوق كل تقدير، وخرج بهم عمير الى المدينة بموكب مُهلل مُكبر ...

فلما كان يوم الفتح العظيم، لم ينس عمير صاحبه وقريبه صفوان، فراح إليه يُناشده الإسلام ويدعوه إليه، بيد أن صفوان شدّ رحاله صوب جدّة ليبحر منها الى اليمن، فذهب عمير الى الرسول وقال له: ’يا نبى الله، إن صفوان بن أمية سيد قومه، وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه فى البحر، فأمِّـنه صلى الله عليك. فقال النبى: (هو آمن). قال: ’يا رسول الله فأعطنى آية يعرف بها أمانك‘. فأعطاه الرسول عمامته التى دخل فيها مكة، فخرج بها عمير حتى أدرك صفوان فقال: ’يا صفوان فِداك أبى وأمى، الله الله فى نفسك أن تُهلكها، هذا أمان رسول الله قد جئتك به‘. قال له صفوان: ’وَيْحَك، اغْرُب عنى فلا تكلمنى‘. قال: ’أى صفوان فداك أبى وأمى، إن رسول الله أفضـل الناس وأبـر الناس، وأحلـم الناس وخيـر الناس، عِزَّه عِزَّك، وشَرَفه شَرَفـك‘. قال: ’إنـى أخاف على نفسـى‘. قال: ’هو أحلم من ذاك وأكرم‘. فرجع معه حتى وقف به على رسول الله فقال صفوان للنبى الكريم: ’إن هذا يزعم أنك قـد أمَّـنْتَنـى‘. قال الرسـول : (صـدق). قال صفـوان: ’فاجعلنى فيها بالخيار شهريـن‘. فقـال الرسول : (أنت بالخيار فيه أربعة أشهر) ... وفيما بعد أسلم صفوان، وسَعِدَ عمير بإسلامه أيما سعادة.

 

سمير جمال

 

من أراد الاستزادة فى هذا الموضوع فليتتبع صفحات الصحابة فى موقع الأحباب

أسرة التحرير