يحاول بعض الناس أما عمدا أو جهلا أن يخدعوا أنظار المسلمبن عما كان عليه السلف الصالح ويدعون معرفتهم ويتسببون فى حيرة الناس حتى أنهم ليتسائلون:

 

 

شعر الصوفية أم القرآن؟

 

يتساءل العامة منتقدين ومستنكرين ما هو الأولى، أنقرأ القرآن أم أشعار الصوفية؟ وهذا انتقادًا لحال الصوفية عندما يهتمون بإنشاد قصائد القوم (وهم السادة الصوفية).

وكل ذلك راجع إلى السموم التى ألقت بها الأفكار المخربة فى الدين بين العامة ونقول لهم -وبالله التوفيق- أيها المسلمون لا تنساقوا وراء هذه السموم فإنها تهلك دين الإنسان الذى يدين به إلى مولاه جل وعلا، وارجع أيها الأخ الفاضل إلى كتاب الله عز وجل حيث يقول ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ النحل 43:16، فإذا وجد الإنسان خلافا أو ادعاءً على قوم، فَلِمَ لا يسأل أهل الذكر من هؤلاء القوم المدّعَى عليهم؟

وذلك حتى يضع يده على الحقيقة ويقول المولى تبارك وتعالى أيضًا ﴿الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ الفرقان 59:25، فالذى يُسأل لابد أن يكون ﴿خبيرًا﴾ شهد له الكثير من علماء هذه الأمة، وإلى أن تتعرف على الخبير وتصل إليه، نقول لك قول الحق تبارك وتعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ العنكبوت 69:29، ومعنى أن تجاهد فى الله، أن تكون أولا مسلماً ثم تجاهد بالشريعة السمحاء وبالنوافل وأن تقضِ الحق والحقيقة بقلبك وقبل أن تتعصب لرأى دون الآخر، فالموضوع ليس سهلا، وإلا لما احتجنا إلى خبير. انظر يا أخى، أنت عندما تريد أن تعمل فى بيتك شيئا من أعمال السباكة تبحث عن سباك ماهر، وإذا أردت شيئا فى النجارة، تبحث عن نجار ماهر، وإذا أردت أن تبنى بيتا تبحث عن مهندس معمارى معروف ومشهود له بالكفاءة فى عمله وهكذا لحل الاحتياجات تطلب لها الماهر من الصناع. ولماذا عندما نريد معرفة فى ديننا لإصلاح قلوبنا وأرواحنا ونُرضى خالقنا بها، نستهين ولا نبحث عن خبير. أهان علينا ديننا؟ أهان علينا الله ورسوله؟ حاشا وكلا.

وثق تماما إذاً بحثت عن الحقيقة بصدق وبدون تعصب وإساءة أدب لأن إساءة الأدب مع الأولياء تمنعك من الوصول إلى الحضرة فيغلق القلب ولا يفتح إلى الحق أبدا، فلا يهتدى، يقول تبارك وتعالى ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ النساء 82:4، من الذى وضع الأقفال؟ وضعها الذى قال فى الحديث القدسى المروى فى صحيح البخارى وسنن ابن ماجه والسنن الكبرى للبيهقى وابن حبان فى صحيحه والحاكم فى مستدركه أنه قال إن الله قال (من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب) يعنى أعلنت عليه الحرب وفى رواية (أعلنت عليه الحرب) فيقفل قلبه فلا يهتدى أبدا، أعاذنا الله من هذا، فحاذر من الذين أعلن الله عليهم الحرب فى كل مكان، فالمسلمون يحارَبون من أسوأ الخلق ولا تقم لهم قائمة لهذا السبب، ولانتشار هذا السبب بين عامة المسلمين فقد تَعَوَّدوا على معاداة الصوفية دون مبالاه، وأصبح السب سهلا فى ألسنتهم، وبسبب مثل هذا يَغِير المولى على أولياءه فيجعل المعادين لهم ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ البقرة 18:2، فهل تستطيع أن تهدى واحدًا أصم أبكم أعمى قُفل على قلبه؟

ولكن اهتدى واهدأ واستمع وأنت محايد إلى كلام من لا كلام بعده وذلك حتى تهتدى إلى الحق، فنرجع إلى السؤال الأول: شعر الصوفية أم القرآن؟

نقول لك أن هذا السؤال خطأ، لأنك كأنك تقول أنأكل فقط فى الحياة الدنيا أم نشرب؟ وهذا مستحيل لأنك محتاج إلى الإثنين وإلا سوف تموت فى غضون أيام قليلة جدًا. فالقرآن يحتاج إلى تفسير ومعنى وتأويل، فالصوفية يشيرون بأبياتهم فى قصائدهم إلى معانى آيات كتاب الله وهم مأذونون فى هذا الأمر من النبى فرؤيتهم له حق وحقيقة، ومنهم من يراه فى اليقظة وهذه هى البصائر، يقول الحق تبارك وتعالى ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى﴾ يوسف 109:12، فهذا هو الإذن وهذه هى البصيرة من كتاب الله، ولكن أنت لا تعلم الكيفية إلا إذا اتبعت كلام الله وبحثت عن الخبير ووجدت سبيلاً من السبل التى قال المولى تبارك وتعالى عنها ﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ لكن بعد المجاهدة، فهل تردد القرآن كالببغاء دون معرفة المعنى والمنهج؟

فالصوفية قد أتوا بالمعانى فى (أشعارهم) كما تقول، ولكنا نقول نظم در وليس شعرًا، فهو من باب الظاهر شعرًا، ولكن الحقيقة أنه نظم لمعانى حقيقية وأنت تعلم أن شعر الشعراء كله استعارات وبلاغات وتخيلات، أما الصوفية فلا تخيلات، وإنما حقائق، ويقول المصطفى فى الحديث المروى فى صحيح البخارى وسنن ابن ماجه وسنن الترمذى وسنن أبى داوود ومسند الإمام أحمد والسنن الكبرى للبيهقى والبزار فى مسنده (إن من الشعر لحكمة) فما بالنا بنظم الدر والحقائق، وإذا كان المولى أثبت لبعض الشعراء صحة شعرهم وأقرهم عليه وأتباعهم غير مذموم، فما بالنا بهؤلاء العظماء الذين سطروا لنا الحقائق حتى نعلم ما بكتاب الله من معانٍ، فنسموا بها. ونصيحة قبل أن تقرأ لهم، ابحث عمن يعلم اصطلاحاتهم، فهم مثل كل المهن لهم اصطلاحات، وذلك حتى لا تعيب على كلامهم وتنكر فتطرد من حضرتهم ويلحقك ما قلناه من معاداة الأولياء، ودليلنا فى آخر سورة الشعراء الآيات من 224 إلى 227:

﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ • أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ • وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ • إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ فانظر عامة الشعراء مستثنى منهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا (أى فى أشعارهم) وانتصروا من بعد ما ظلموا، وانظر أيضا جزاء من ظلموهم ﴿وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون﴾ فحاذر قبل أن تنقلب فلا تعتدل ولا تنجح فيك الهداية.

وللحديث بقية ،،،

محمد مقبول